وددتُ لو اتفق جماعةٌ من المصلحين على (لائحة آداب) أو ما يمكن تسميته (ميثاق شرف)، يلتزم به –أدبيًّا- مرتادو منصّات التواصل الاجتماعي، وهذه الأمنية ليست صعبة التنفيذ إذا ما نهض لها رجالُها المخلصون، بعيدًا عن إدارات هذه المنصّات التي قصرت هذه الآداب على منع مواد و(فيديوهات) العنف وكل ما له صلة بنقد اليهود.
ثورة عظيمة
لا ننكر الدور الإيجابي لـ«السوشيال ميديا»، وأنها ثورة عظيمة تكافئ، بل تزيد، على ما تم اختراعه من منجزات تواصلية على مدى التاريخ الإنساني كله، وقد أتاحت لنصف أبناء المعمورة حتى الآن، على كثافة أعدادهم، الاتصال بالآخرين، والقيام بالتحرير والنشر وصناعة المحتوى، والتي كانت مقصورة فيما مضى على المؤسسات وفرق العمل، وقد ترتّب على هذه الثورة المشهودة إعادة ترتيب العالم لأوراقه، وانتهاج أساليب جديدة في إدارة شئونه، وشغل وظائفه، وجلب موارده فضلاً عن إحالتها العالم قرية صغيرة وما يترتب على ذلك من خلق نظام عالمي شعبي جديد متعدد العلاقات متشابك الصلات.
محتويات هابطة
لا خلاف على هذا الدور الإيجابي الذي لا تُحصى فوائده وثمراته، إنما الخلاف حول الجانب السلبي لهذه الشبكة وما يلحقها من مواقع ومنصّات، وهو ما يتعارض مع ديننا وأعرافنا ويمثل خطرًا، وأي خطر، على مجتمعاتنا، وفي القلب منها الشباب والمراهقون؛ فقد حفلت الشبكة بكل مظاهر الانحلال القيمي، والذي ترك تأثيرًا بالغًا على شعوبنا؛ محتويات هابطة، وفواحش افتراضية، وترويج فجّ للفساد والشذوذ، وأعمال منافية للآداب، وتصرفات دخيلة، وانفلات أخلاقي غير مسبوق إلخ.
استخدام غير رشيد
هناك انحطاط في السلوك لدى نسبة كبيرة من صانعي المحتوى، يقدمونها غير مراعين لمشاعر الآخرين، ولا مهتمّين بالمعتقدات والقيم السائدة في المجتمع، يفعلون ذلك لأجل المال والشهرة، في صورة كريهة واستخدام غير رشيد لتلك الوسائل، وقد أمنوا العقاب ولم يخشوا المساءلة، في غياب الرقيب، الرسمي والمجتمعي، ومن قبل الرقيب الذاتي؛ لذا بتنا نسمع عن جرائم تقع في دائرة هذا الفضاء كالابتزاز الجنسي والنصب الإلكتروني والاتجار بالبشر والعلاقات المحرّمة، تُستكمل تحقيقاتها فيما بعدُ على أرض الواقع وفي أقسام ومراكز الشرطة؛ ليعاني المجتمع من تفسُّخات قدمت إليه من ذلك العالم العنكبوتي الفسيح.
جولة في الشبكة الدولية
في جولة سريعة على تلك المنصّات يصادفك منذ البداية مواد تدعو إلى الأفكار الشاذة والأفعال اللاأخلاقية، وسترى التعري والإباحية فاشيين، وهناك أنماط جديدة وغريبة للحياة، وتقليد أعمى للآخر؛ في طريقة الأكل والشرب، والتفوه والكلام، وفي استعراض الممتلكات، وهناك حرب على الهُوية والثقافة العربية والإسلامية، وهناك لغة مبتذلة، وسبّ وقذف، وتحريض على الفسق والفجور، وتشجيع على تناول المسكرات، ويوميات فاضحة، وإثارة للغرائز. وكلُّ هذا منهيٌّ عنه في ديننا؛ فالإسلام ينهى عن الزنى ومقدماته؛ (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32]، وينهى عن الفواحش؛ (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ…) [الأنعام: 151]، ويحرّم الاختلاط، ويأمر بغضِّ البصر، ويأمر النساء بألا يخضعن بالقول، وألّا يلبسن لباس فتنة إلخ.
اقتراحٌ بميثاق
وإزاء هذه التجاوزات الخطيرة، وعدم قيام تلك المنصّات بمسئوليتها الاجتماعية، وهو ما يشكك في أغراضها وأهداف القائمين عليها، وأيضًا عدم اهتمام الحكومات بهذا الأمر الاهتمام الكافي؛ لحرصها –ربما- على علاقات دولية تخدم مصالحها –اقترحنا هذا الميثاق، الذي يقع عبء صياغته وتوجيهه على جماعة المصلحين كما ذكرتُ، ويكون في مجمله تذكيرًا بأخلاقنا وقيمنا، وما يقبله الدين وما يأباه، وبه الضوابط الشرعية لصُنّاع المحتوى وأصحاب الحسابات على هذه المنصّات ومنها استشعار مراقبة الله، وإخلاص النية، والالتزام بالتوجيهات الشرعية، والتورع عن الوقوع في المحرّمات، وضوابط التواصل بين الجنسين وغيرها.
الكلمة أمانة
ولو أن كل صانع محتوى تذكر أن الكلمة أمانة وأنه محاسبٌ عما تخطه يداه؛ إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرّ- لتغير الحال، ولصارت هذه الوسائل ساحة عظيمة لتلاقح الأفكار وصلاح الأخلاق وتصالح العالم الذي لم يفق بعدُ من الحرب والنكد. والله -تعالى- قد صوَّر الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وصوّر الكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة اجتُثتْ من فوق الأرض ما لها من قرار؛ فلا يبقى إلا ما ينفع الناس، وما عداه فلا قيمة له وإن كان في حجم تلك المواد غير المتناهية التي تُرفع كل ثانية على هذه المواقع الجبارة.
الأجرُ من الله
ليكن الالتزامُ الأخلاقيُّ للأفراد -أولاً وقبل كل شيء- هو ركنَ وأساس هذا الميثاق؛ بألا يروجوا لفحش أو إباحية، وأن يتأدبوا فيما يكتبون، وأن يكون اللهُ تعالى مقصودَهم، فيؤجروا على ذلك؛ إذ في الخبر: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا» [مسلم].
مبادئ أساسية
ولو جاز لنا وضع مبادئ أساسية ينبني عليها هذا الميثاق وتكون بذرة أو نواة لتوجهاته الأخلاقية وقواعد للسلوك، يمكن تلخيصها في الآتي:
- مراعاة أوامر ونواهي الدين.
- التزامُ العُرفِ العام، وتجنُّب المساس بالقيم.
- استثمار المنصّات المختلفة في بذل الخير وإرشاد المجتمع.
- تجنُّب طعن وتجريح الأشخاص والهيئات.
- مراعاة أدب الحوار، والاعتراف بالخطأ حال الاهتداء إلى الصواب.
- تشجيع الأفكار والخطط التي ينبني عليها مصلحة عامة وتصبُّ في دعم مكارم الأخلاق.
- المحافظة على بيئة الشبكة العنكبوتية في منطقتنا العربية بيئة نظيفة ومتميزة يقتدي بها الآخرون.