منذ أن أعلن عن موعد الانتخابات التركية الرئاسية قبل جولتها الأولى في 14 مايو 2023م، والعالم كله تداعى للحديث والمتابعة والترقب، سواء أكان العالم الإسلامي أو غير الإسلامي.
أما المسلمون فقد تداعى علماؤهم للحديث بشكل أو بآخر عن هذه الانتخابات وأحكامها الشرعية، وكتب الكاتبون، وحلل المحللون، وتحدث المتحدثون.
ومن اللافت للنظر أن الدعاء والابتهال إلى الله تعالى لم ينته حتى بعد إعلان النتيجة في الجولة الثانية في 28 مايو 2023م بفوز الرئيس أردوغان، بعد فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مقاعد البرلمان.
أما المعسكر الآخر، معسكر أوروبا ومن على شاكلتها، فلم تألُ جهداً في التحذير من أردوغان، وكيف أنه يحمل البذور العثمانية، وتحدثت عما أسمته «ديكتاتورية» أردوغان، واستبداده! عشرات المجلات ومئات المقالات كتبت عن أردوغان في صحف أوروبا، وكذلك صحف أمريكا -وإن بنسبة أقل- وذلك أمر متفهم؛ لما بين أوروبا وتركيا من عداء تاريخي قديم تجلى وظهر بقوة حين أعاد آيا صوفيا مسجداً في يوليو 2020م، وعاد للمسلمين مكاناً للصلاة والعبادة، فرأينا كيف كانت تصريحات الغرب والشرق بإنكار إعادة آيا صوفيا إلى سيرته الأولى.
لماذا كان سواد الأمة يدعو ويبتهل؟!
لقد رأينا سواد الأمة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر، ومن طنجة إلى جاكرتا، الكل يدعو ويبتهل إلى الله تعالى أن ينجح أردوغان وينصره نصراً مبيناً عزيزاً، فكانت جولة للإعادة، مما حدا بالجميع مضاعفة الدعاء، والانتظار والترقب والحث والتحريض على القيام بالواجب، فلماذا هذا الدعاء وذاك الحرص؟
لعل السبب في ذلك يعود لأمرين:
الأول: أن تركيا قد آوت المهاجرين، ونصرت المظلومين، ولها مواقفها العادلة من قضايا العالم الإسلامي، ففي تركيا يعيش أناس من بلاد الدنيا، بعضهم هاجر، وبعضهم يعمل، وبعضهم يتعلم.. إلخ، فلا غرو أن كل من له أحد، ومن ليس له أحد كان يدعو ويبتهل.
والثاني: أن الأمة تشتاق إلى قيادة، قيادة تعبر عنها، وتتمثل تطلعاتها، وترى فيها الأمل وتجد معها العمل، وتثق في دينها وفي عطائها وعملها، وتعلق عليها الآمال والآلام، فقد طال زمانٌ حُرمت فيه الأمة من قائد يعبر عن تطلعاتها وضميرها الإسلامي، فوجدت هذا القائد –نوع إيجاد وبعض إمداد– في أردوغان، بما يحمله من هَمّ، ويمارسه من سياسة، ويحققه من مصالح، ويتمسك به من أخلاق ومبادئ، فلا المبادئ تجعله جامداً على موقف ما، ولا المصالح جعلته براجماتياً نفعياً محضاً بعيداً عن الأخلاق والمبادئ.
وفي ظل ما يحياه العرب والمسلمون من حالة فيها من الاستبداد والطغيان وسفك الدماء وإزهاق الأرواح ما يكفي ويزيد عن الحد، يرون في تركيا ملاذاً وأمناً وأماناً، ورغم أن أردوغان لا يُعتبر حاكماً من الحكام الذين رسم الإسلام صورتهم، ولكنه يجتهد ويسعى ويعمل بقدر وسعه؛ فهو يمشي على الشوك في ظل معادلات دقيقة وأجواء مشحونة وسياقات معقدة؛ فلم يأتِ إلى دولة خلاقة، ولا حكم إسلامي رشيد، إنما جاء وتركيا على ما هي عليه، فهو يحاول ويجتهد ويتقدم، ويراعي فقه الواقع والمآلات والموازنات بقدر الطاقة والوسع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الخير كامن في الأمة ينتظر قيادة
إنني أرى في الأفق أملاً بادياً، وصحوة تبدو بشائرها، قد نراها رأي العين في وقت قريب، رغم ما نعانيه في واقعنا من اختلاف وتشظٍّ وفرقة، ولكنها الفرقة والتشظي الذي يسبق الوحدة والائتلاف، ولكنها تحتاج إلى علم مبين، ووعي متين، وعمل متواصل، وجهاد مبرور، وسعي مشكور.
وقد قضى الله تعالى أن الخير كائن وكامن في هذه الأمة إلى قيام الساعة، فما أعظم ما في هذه الأمة من خير، وما أكثر ما فيها من طاقات، وما أوسع ما فيها من ملكات وإمكانات ومقومات، إن الخير الموجود في الأمة نعم، ولكنه يحتاج إلى من ينفض عنه الغبار، ومن يشبك فيما بينه، ويوظف كل طاقة في مكانها، فينتظم العقد، وينسلك كل واحد فيما يحسن، وتوظف الطاقات، وتستثمر الملكات.. ولكن كل هذا ينتظر المشروع الحضاري للإسلام وقيادته، ذلك المشروع الذي يستوعب كل هذا وأكثر منه، بل يستوعب البشرية جمعاء، ويستفيد من كسبها وإضافتها، ويسخرها لما فيه صالح البشر وخير الناس.
السؤال الواجب على كل مسلم
والسؤال الذي يجب على كل مسلم أن يسأله لنفسه بعدما رأيناه في الانتخابات التركية: ما دوري في التجديد؟ وما نصيبي في الإصلاح؟ وما سهمي في أن أقدم للأمة ما تحتاجه اليوم؟ ذلك أن زمن المعجزات قد انتهى، ولم يبق إلا بذل الجهد، والأخذ بالأسباب، والاتساق مع السنن الإلهية التي أقام الله تعالى عليها الحياة والأحياء.
إذا فعلنا ذلك فسوف يفتح الله علينا، وييسر لنا، ويعجل بخلاصنا، ويرفع رايتنا، ويجمع شملنا، ويوحد صفنا، ويظهر في الأمة هذا القائد: فرداً كان أو مجموعة أو مجموعات، ويعود للأمة بأسُها، وقوتها ورهبتها؛ لنكون بحق شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيداً، ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريباً.