د. يوسف القرضاوي كتب مقدمة التقرير تحت عنوان “الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم”، أوضح فيها أن الأمة الإسلامية هي حقيقة بكل معيار، فهي حقيقة بمنطق الدين، وهي حقيقة بمنطق التاريخ وبمنطق الجغرافيا وبمنطق الواقع، وهي أيضاً حقيقة بمنطقة المصلحة والعصر.
وتساءل د. القرضاوي في مقدمته: لماذا لا يتحد المسلمون؟ وأضاف أن الإسلام شرع للأمة نظاماً محكماً يجمع شملها وينظمها في عقد متماسك الحبات، يجسد وحدتها العقدية والروحية والفكرية في وحدة سياسية عملية، وملاك هذا النظام أمور ثلاثة؛ الأول: وحدة دار الإسلام، والثاني: وحدة المرجعية العليا؛ وهي الاحتكام إلى الكتاب والسُّنة، والثالث: وحدة القيادة المركزية؛ وهي التي تتمثل في الخليفة أو الإمام الذي ينوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة الدين وسياسة الدنيا به.
واستعرض د. القرضاوي الأسباب التي تحول دون وحدة الأمة حالياً، وهي خمسة:
1- العصبيات العرقية والإقليمية على حساب الانتماء إلى الأمة الكبرى.
2- اختلاف المذاهب والاتجاهات الأيديولوجية المستوردة من الغرب والشرق.
3- اختلاف الولاءات ما بين بلد وآخر، فهذا ولاؤه للندن، والثاني لباريس، والثالث لواشنطن، والرابع.. إلخ.
4- اختلاف المصالح الإقليمية والمحلية.
5- العامل الخارجي الذي يتمثل في المكائد الأجنبية من صليبية وصهيونية وإلحادية ووثنية.
أما مقومات القوة في الأمة الإسلامية، فقد عدَّدها د. القرضاوي في مقدمته الرائعة في ثلاثة مقومات: القوة العددية؛ حيث يبلغ تعداد المسلمين ملياراً وربع المليار، ثم القوة المادية من زراعة ومعادن وبترول وغيرها، ثم القوة الروحية؛ وهي الوثيقة السماوية الوحيدة التي تتضمن كلمات الله الأخيرة للبشرية، ثم ذكر شروط نجاح الأمة؛ وأولها تحديد الهوية وأساس الانتماء، وثانيهما تحديد المرجعية العليا، ثم ضرورة الاجتهاد والتجديد وكذلك تجسيد الإسلام في أخلاق وأعمال.
بعد هذه المقدمة وهذا التقديم، نعود إلى أقسام التقرير الأربعة، ففي القسم الأول تناول التقرير النظام الدولي في 30 صفحة من خلال موضوعين؛ الأول عن الإسلام والغرب، والثاني عن العنصرية في الغرب.. الموضوع الأول تناول صورة الإسلام لدى الغرب، والحملة التحريضية على تيارات الإحياء الإسلامي والحركة الإسلامية، وهل هناك نقاط التقاء للتفاهم والتعايش بين المسلمين والغرب؟
وبعد استعراضه لسقوط الماركسية وحاجة الغرب إلى “عدو”، وموقف الإسلاميين وقبولهم للتغيير من خلال صناديق الاقتراع، وصل التقرير إلى نتيجة مؤداها أن هناك خطة غربية لتحقيق ثلاثة أهداف:
1- تقويض محاولات الإسلاميين للمشاركة في الانتخابات.
2- إرغام الإسلاميين على فقد الثقة بالديمقراطية نتيجة لذلك.
3- إجبار الإسلاميين على اللجوء إلى العنف كوسيلة للتعبير عن إحباطاتهم؛ وهذا يعني مزيداً من الصراع والمخاوف بين الجانبين.
أما الموضوع الثاني ضمن هذا القسم، فقد تناول نموذج العلاقة بين السود والبيض في المجتمع الأمريكي كدلالة على العنصرية الغربية، التي تأخذ أشكالاً متعددة سواء على مستوى القواعد الشعبية أو المثقفين والمؤسسات، وأوضح التقرير أن من أكثر المفارقات مرارة التي تواجه الأمريكيين في هذا العصر هو التناقض بين هويتهم الوطنية كشعب يقدس الحرية والحياة والعدالة، وشخصيتهم العنصرية الكامنة منذ عهد استرقاق السود.
وقد ارتفعت نسبة العنصرية بسبب الاختلاف الاقتصادي، وأشار التقرير إلى أن السود يعملون في وظائف حقيرة وهامشية وغير فنية، بينما يعمل البيض في وظائف مرموقة وأساسية، وتنبأ التقرير بوقوع أحداث ضخمة من قبل السود ضد الظلم الاجتماعي خلال المرحلة القادمة.
وتناول المحاور الرئيسة وأبعادها المختلفة ودور اليهود في استمرار الصراع، كما تناول أطراف الصراع سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية، وتناول أيضاً دور إيران في المشكلة ودور الصين وكذلك الهند وأمريكا والدور العربي، واختتم التقرير المشكلة الأفغانية بالحديث عن أهم الدروس المستفادة من الجهاد والصراع في أفغانستان، كان أهمها أن ما بين الأمة والاستقلال في الجهاد شوط كبير يحتاج إلى العمل الجاد في مختلف الميادين، بدءاً من البحث والتطوير والجودة والإتقان والتطبيق العملي ثم التنفيذ.
القسم الثالث: تناول الساحة العربية في 128 صفحة عبر ثلاث محاور أساسية:
المحور الأول: الصراع العربي “الإسرائيلي” من خلال استعراض المفاوضات الثنائية والمفاوضات متعددة الأطراف، حيث قدم التقرير استعراضاً تحليلياً للجولات من السادسة وحتى العاشرة، كما تناول المفاوضات الداخلية من خلال تحليل علمي لأزمة الممارسة الديمقراطية والعنف السياسي، ثم تناول التقرير السياسة الإعلامية والثقافية، حيث تم رصد المقالات التي نشرتها صحيفة “الأهرام” طوال عام 1413هـ –وهو عام الدراسة– حول العنف والإرهاب وسبل الخروج من الأزمة، وفي محور القضايا الخارجية تناول التقرير العلاقات المصرية السودانية وأزمة المبعدين الفلسطينيين والمسألة العراقية والأزمة الصومالية.
الجزء الاقتصادي الوحيد في التقرير كان خاصاً بالساحة المصرية، حيث تناول الإصلاح الاقتصادي، وأهم الاتفاقيات الخاصة به، وأهم التطورات في مجال تحقيق الاستقرار الاقتصادي والتشريعات الصادرة في هذا الشأن.
وبالطبع لا نستطيع أن نوفي التقرير حقه من العرض والإشادة، ويبقى العذر في ضيق المساحة.
___________________________________
العدد (1105)، ص52-53 – بتاريخ: 19 محرم 1415ه – 28 يونيو 1994م