يوافق اليوم الثلاثاء الذكرى الـ49 على رحيل مفتي فلسطين رئيس الهيئة العربية العليا الحاج أمين الحسيني.
ويعتبر الحسيني أشهر من تولى منصب الإفتاء في القدس (1921 – 1948)، ورئيساً للمجلس الأعلى الإسلامي (1922 – 1937)، تحلّى بصلابة الرأي والصمود وعدم التراجع عمّا يراه حقاً، ومارس الدور السياسي الفلسطيني الأبرز خلال فترة الانتداب، واهتم بالعالم العربي والإسلامي، وسعى إلى جعل القضية الفلسطينية همّاً مشتركاً لهما.
نشأته وتعليمه
هو الحاج محمد أمين بن الشيخ طاهر الحسيني، ولد في القدس عام 1895، ابن لأسرة ميسورة، عرف عن والده اهتمامه بالتعليم، فقد تلقى تعليمه بداية في القدس، وتلقى تعليمه الخاص على يد عدد من العلماء والأدباء، كما التحق بكلية الفرير بالقدس لتعلم اللغة الفرنسية، ثم التحق بالجامع الأزهر في القاهرة، وأدى خلال فترة دراسته فريضة الحج، فلازمته صفة «الحاج» طوال حياته.
كان لدراسته في مصر انعكاس بالغ على اهتماماته السياسية، لما نسجه من علاقات مع قادة الحركة الوطنية في مصر آنذاك، فقرر الالتحاق في عام 1915 بالكلية الحربية بإسطنبول، وتخرج فيها ضابطاً.
التحق الحاج أمين الحسيني بصفوف الجيش العثماني لفترة وجيزة، ثم انتقل للعمل سراً منضماً إلى الثورة العربية الكبرى، من خلال لواء القدس والخليل.
جرى اعتقاله عام 1920، إلا أنه تمكن من الهرب إلى الكرك جنوب الأردن، ومنها إلى دمشق، فصدر بحقه حكم غيابي بالسجن 15 عاماً، إلا أن السلطات ما لبثت أن أسقطت الحكم في محاولة تهدف إلى المساهمة في تهدئة الغضب الشعبي في أعقاب حل الإدارة المدنية برئاسة هربرت صموئيل، وعاد الحاج للقدس مرة أخرى.
فتوى بيع الأراضي الفلسطينية
انتخب الحسيني لمنصب مفتي القدس بعد أن توفي كامل الحسيني المفتي السابق، فأنشـأ «المجلس الإسلامي الأعلى»، للإشراف على مصالح المسلمين في فلسطين، وعقد في حينه مؤتمراً صحفياً موسعاً بحضور مندوبين من مختلف الدول العربية والإسلامية، أصدر خلاله فتوى تحرم بيع الأراضي الفلسطينية لليهود، وبموجبها اعتبر سماسرة الأراضي الضالعين بصفقات بيع أراض لليهود خارجين عن الدين الإسلامي، ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين، وقام في تلك الأثناء بشراء الأراضي المهددة بالمصادرة من قبل سلطات الانتداب البريطانية، وضمها للأوقاف الإسلامية.
نضاله ضد الإنجليز واليهود
كان الحسيني داعماً للجهود السياسية لحل القضية الفلسطينية، ورافق نشاطه السري قيامه بتشكيل خلايا عسكرية، كمقدمة لتأسيس «جيش الجهاد المقدس».
وفي أعقاب صدور «وعد بلفور» عام 1917، قرر الحسيني العودة إلى القدس، لخوض الكفاح والنضال ضد وجود اليهود والبريطانيين في فلسطين، فقام ببناء أول منظمة سياسية في تاريخ فلسطين الحديث، التي عرفت باسم «النادي العربي»، الذي كان من أبرز مهامه تنظيم مظاهرات في القدس خلال عامي 1918 و1919، وعقد في تلك الفترة المؤتمر العربي الفلسطيني الأول.
اتهمه الصهاينة بتدبير «ثورة البرّاق» عام 1929، غير أن الحكومة البريطانيّة برّأته من هذه التهمة.
أشرف عام 1931 على عقد «المؤتمر الإسلامي العام» في القدس، آملاً بحشد طاقات العالم الإسلامي في مواجهة الصهيونية مقابل الطاقات العالمية التي كانت قد حشدتها هذه الأخيرة، وترأس أعماله.
وفي عام 1933، زار الحسيني عدة عواصم عربية وإسلامية، وطالب بإنشاء جامعة إسلامية في القدس تحمل اسم «جامعة الأقصى» للوقوف في وجه الجامعة العربية التي افتتحها الصهاينة في القدس، لكن بريطانيا ضغطت على الدول العربية بمنع وصول التبرعات لذلك المشروع، وقد نجحت في مسعاها وأجهضته.
وجرى اختياره رئيساً لـ«الهيئة العربية العليا لفلسطين»، في أعقاب استشهاد عز الدين القسام عام 1935.
ورفض بشكل قاطع قرار تقسيم فلسطين بين العرب اليهود الذي جرى طرحه عام 1936، وتصدى له بقوة واختار الحرم القدسي الشريف مقراً له، وبالتالي لم تتمكن السلطات البريطانية من اعتقاله.
وأصدر المندوب السامي البريطاني قراراً بإقالة المفتي أمين الحسيني من منصبه، باعتباره طرفاً مباشراً ومسؤولاً عن العمليات «الإرهابية» التي نفذت بحق الجنود البريطانيين، وعلى رأسها اغتيال حاكم اللواء الشمالي أندروز.
فأصبح مطارداً، واضطر للتوجه الى مدينة يافا، ثم عبر البحر إلى لبنان.
وبالتالي ضيق الخناق عليه، فهرب إلى مصر ليقود الهيئة العربية العليا من جديد، لتعزيز جيش الجهاد المقدس.
وكان الحسيني قد عقد لقاء مع أدولف هتلر عام 1941، طرح فيه العديد من المطالب الداعية الى الاعتراف بحق العرب في إلغاء الوطن القومي اليهودي، وعدم الاعتراف بالوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين.
في أعقاب نكبة عام 1948، أوعزت الحكومة البريطانية للملك فاروق بإصدار قرار يقضي بفرض الإقامة الجبرية عليه، واستمرت هذه الحال إلى أن اندلعت ثورة مصر عام 1952، وهاجر عام 1959 إلى بيروت لاستئناف نشاطه السياسي من خلال رئاسته «الهيئة العربية العليا لفلسطين»، وأصدر مجلة «فلسطين» من بيروت، وظل هناك حتى توفي في 4 يوليو 1974، ودفن في مقبرة الشهداء عن عمر ناهز 79 عاماً.
_____________________
1- «الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية».
2- «المركز الفلسطيني للإعلام».
3- «وكالة الأنباء الفلسطينية».