جناح الذل من الرحمة يختص به الوالدان دون غيرهما؛ وهو اللين، وألا تمتنع من شيء يُحبانه، أما تواصل الإنسان مع أرحامه مع خفض الجناح الذي أوصى به الله تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: 88) يأتي من باب التواضع والاستمرار في الوصال والسؤال، وكما جاء في الحديث: «كأنك تسف في وجوههم المل».
فإذا كان ذو الرحم عسيراً في تعامله، صعباً في قبول العذر وحسن الظن، متعالياً ومتكبراً، لا يرغب في وصال ولا سؤال، ولا يفتح الأبواب الموصدة بينك وبينه، فلم يأمرنا ديننا بالتذلل له، فللمؤمن عزة كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وهو: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه».
لكنْ هناك أمر مهم؛ وهو عليك أن تستمر في التحية والسلام بحب وصدق، ولا تكلّف نفسك ما لا تطيق؛ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) (الطلاق: 7)، وتظل أنت الهيّن اللين الذي بابه مفتوح له ولجميع أرحامه وإخوانه المؤمنين، ولكن دون تذلل زائد عن الحد وكسر للنفس، خصوصًا إن لم ترتكب خطأ أو ذنباً يستدعي ذلك.
قال ﷺ: «لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسَه»، قالوا: وكيف يُذِلُّ نفسَه؟! قال: «يتعرضُ من البلاءِ لما لا يُطِيقُ».
والقطيعة أحيانًا تكون لأسباب تافهة جداً، وما هي إلا رغبة شيطانية تفرق بين الناس؛ كالإخوة مع إخوتهم أو أرحامهم الآخرين.
والخلاصة: علينا الاستمرار بالسؤال والسلام لمن قطعنا من أرحامنا، لا نقطع لقطيعتهم، فالنبي ﷺ يقول: «ليس الواصل بالمكافئ، وإنما الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها».
والوصل المعروف اليوم في عرفنا هو الاتصال والرسائل وإلقاء التحية عند اللقاء، وإيصاله مع الغير.
وأما الحديث الذي ذكرته سابقًا فهو يختصر كل هذا المقال؛ حيث يقول ﷺ لما قال له رجل: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم، ويقطعونني، وأحلم عليهم، ويجهلون عليَّ، وأحسن إليهم، ويسيئون إليَّ، قال: «لئن كنت كما قلت لكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله عليهم ظهير ما دمت على ذلك»، فالله جل وعلا يعينه عليهم ما دام على حاله الطيبة، ويكون بهذا هو الواصل، بينما هم القاطعون.
وبالمقابل، دون إهانة للنفس أو الإكثار من الأعذار التي لم ترتكبها في حق أحد!
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الواصلين، وأن يتجاوز عنا تقصيرنا في حق من له حق علينا.