يأتي شهر أكتوبر حاملاً معه ذكرى انتصار الأمة الإسلامية بأكملها على اليهود في معركة السادس من أكتوبر 1973م، التي قادتها مصر بدعم الدول العربية مجتمعة؛ وهذا من أهم أسباب النصر.
تعود بنا الذكرى لسلسلة الصراع العربي اليهودي الذي بدأ بحصار الصليبيين للقدس واحتلالها لأعوام، ثم انتصار المسلمين عليهم في معركة «حطين» بقيادة صلاح الدين الأيوبي.
تجتمع الذكريات لتفتح جرحاً غائراً في قلب الأمة الإسلامية لم يبرأ بعد، ألا وهو معاركنا مع اليهود على مدار التاريخ التي مرت بسلسلة من الانتصارات تخللتها بلا شك إخفاقات متعاقبة، لكنها جميعاً توحدت عند عبارة «حرب العقيدة».
حصار القدس
يمتد تاريخ الصراع مع اليهود إلى أكثر من ألف عام، بدأ بحصار القدس الذي يعد حدثاً تاريخياً مهماً في تاريخ الصراع، حيث تحتل القدس منزلة كبيرة في نفوس المسلمين، لوجود المسجد الأقصى بها، ويعتبر حصار القدس اعتداء على المقدسات الإسلامية وعلى الإسلام نفسه.
حيث وقع الحصار في القرن الحادي عشر الميلادي، عندما كانت القدس تحت حكم المسلمين وتعرضت للاحتلال الصليبي الذي استمر لعدة سنوات، حاول الصليبيون خلاله استعادة القدس وتحويلها إلى مستوطنة يهودية، لكن جهودهم لم تفلح؛ لأن القدس مدينة عصية على التهويد.
«حطين».. انتصار يبدد الهزيمة
تولى قيادة الأمة الإسلامية القائد صلاح الدين الأيوبي الذي سعى لإحياء الدولة الإسلامية الموحدة؛ تمهيداً لخطة الجهاد التي رسمها لطرد الصليبيين، خاصة بعد أن ارتبط معهم بهدنة 4 سنوات؛ استطاع خلالها أن يتفرغ لتنظيم دولته وترتيب أوضاعها الداخلية وإعداد العدة استعداداً للمعركة.
في عام 1187م، نجح صلاح الدين الأيوبي في استعادة القدس وتحريرها من الصليبيين، كانت هذه المعركة حاسمة في تاريخ المنطقة، حيث أظهرت قوة وصمود الأمة الإسلامية في مواجهة العدو واستعادة أرضها المحتلة.
انتصار السادس من أكتوبر
لم ينته الصراع بعد تحرير القدس، بل استمرت المعارك والتوترات بين العرب واليهود في المنطقة العربية حتى تم الإعلان عن قيام دولة «إسرائيل» عام 1948م، ما أدى إلى اشتعال الصراع من جديد.
وفي عام 1973م، وقعت معركة أكتوبر التي كانت مفصلية في تاريخ الصراع العربي «الإسرائيلي»، حيث شنت مصر وسورية هجوما مفاجئاً على «إسرائيل» في يوم السادس من أكتوبر، واستعادت مصر خلاله جزءاً كبيراً من سيناء المحتلة، بينما استعادت سورية جزءاً من هضبة الجولان المحتلة، وذلك بفضل الهجوم المفاجئ والتكتيكات الحربية المبتكرة، والوحدة والدعم العربي الإسلامي.
عوامل النصر
معركة الأمة الإسلامية مع اليهود ليست معركة عسكرية فحسب، بل معركة عقيدة ووجود.
فالمسلمون يرون أن أرض المقدس جزء لا يتجزأ من إسلامهم، وأنهم مسؤولون عن حمايتها وتحريرها من الاحتلال في كل الأوقات، ومن خلال التاريخ نرى أن النصر تحقق في مواطن عدة، لكنه يحتاج عوامل لتحقيقه، ومنها:
1- معركة عقيدة:
لا بد أن تنطلق المعركة تحت شعار عقائدي فقط دون أي شعارات أخرى؛ يقول تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) (الإسراء: 1).
فالله تبارك وتعالى أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام للمسجد الأقصى ليصلي إماماً بالأنبياء جميعاً، للتأكيد على أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن دينه مهيمن على كل البقاع المقدسة وأولها المسجد الأقصى؛ لذا فتحرير «الأقصى» عقيدة وليس قومية أو وطنية.
2- أمة موحدة:
لن يتحرر «الأقصى» تحت رايات وشعارات متعددة، بل يتوحد تحت راية أمة إسلامية واحدة، وهذا ظهر جلياً في معركة «حطين»، حيث سعى صلاح الدين الأيوبي لتوحيد الأمة الإسلامية، كما ظهر في انتصار السادس من أكتوبر عندما توحدت الدول العربية مجتمعة خلف مصر تدعمها وتناصرها بكل القوى الممكنة.
3- جيل واعٍ:
لم يركع الشعب الفلسطيني أمام اليهود رغم كل ما فعلوه بهم من قمع وتنكيل وتهجير، بل صمدوا صمود الجبال، لأنهم ورّثوا قضيتهم ومفاتيح بيوتهم المهجرة لأبنائهم وأحفادهم الذين توارثوا القضية جيلاً بعد جيل.
ومن هنا ندرك أن تنشئة جيل واعٍ يدرك قيمة مقدساته ويسعى لتحريرها من أهم سبل النصر.
4- إعداد العدة:
يقول تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) (الأنفال: 60)؛ المؤكد أن الحق لا ينتصر لكونه حقاً دون قوة تدعمه، فقد أمرنا الإسلام بالإعداد الجيد للمعركة قبل دخولها، فالنصر لا يأتي بحسن النوايا فحسب، بل يسبقه الأخذ بكل أسباب الأرض مجتمعة، ثم بعد ذلك يأتي التوكل على الله والثقة في نصره.
لذا، فمن واجب الأمة الإسلامية أن تعد عدتها ليوم تحرير «الأقصى» الذي يرونه بعيداً ونراه قريباً بعون الله ومشيئته.
5- نصر محتوم:
تأكد لنا على مر التاريخ قدرة الأمة الإسلامية على مواجهة التحديات والتغلب على العدو، ولكن الصراع الإسلامي اليهودي لا يزال مستمراً حتى اليوم، وفي القلب منه استعادة القدس وتحرير فلسطين التي تعد هدفاً عقائدياً للأمة الإسلامية، يتطلب تحقيقه صدق العقيدة وتضافر الجهود والوحدة بين الدول الإسلامية، لكن المعركة محسومة في النهاية لصالح المسلمين، وهذا ما يؤكده الحديث الشريف عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود».