سلَّطت وسائل الإعلام الصهيونية الضوء خلال الأيام القليلة الماضية على «مسيرات العودة» وتداعياتها واستمرار اندلاع المظاهرات، وإشعال إطارات السيارات وإطلاق النار على الداخل المحتل في السياج الحدودي بين قطاع غزة والكيان.
«تركيع» الصهيونية
واعتبرت تلك الوسائل، خاصة «القناة العبرية الـ13»، في تقرير مصور لها أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نجحت في «تركيع» السلطات الصهيونية، بعدما انتزعت إنجازات كبيرة من «تل أبيب»، قياسًا بالجيش الصهيوني، وأجبرتها على الخضوع لمطالبها، خاصة بعد الموافقة على عودة دخول العمالة الفلسطينية من قطاع غزة إلى الداخل المحتل.
وفي الوقت الذي قرر الجيش الصهيوني إعادة فتح معبر بيت حانون (إيرز) أمام حركة العمال الفلسطينيين، فقد وُصِف الأمر في القناة العبرية بأنه بمثابة انتصار كبير لحركة «حماس»، خاصة وأن حالة التصعيد الفلسطينية على الجدار الفاصل ما تزال مستمرة، وسط حالة «الإرباك الليلي» وإشعال إطارات السيارات، وإطلاق بعض البالونات الحارقة على مستوطنات غلاف غزة.
مكاسب فلسطينية
الغريب أن صحيفة «يسرائيل هايوم» العبرية اتفقت مع ما ذكرته القناة الـ«13» من تحليل بأن إجبار الفصائل الفلسطينية، وتحديدًا «حماس»، على تقديم «تل أبيب» للتنازلات الواحد تلو الآخر؛ في ظل اتباع الحركة لإستراتيجية جديدة اعتمدت عليها ونجحت فيها، ممثلة في تفعيل المظاهرات بطول الجدار الفاصل للحصول على مكاسب فلسطينية؛ مقابل سخرية كثير من تلك الوسائل الإعلامية المنشورة باللغة العبرية، وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي من قصف الجيش الصهيوني لـ«كشك» صغير تابع للمقاومة على أنه رد للمظاهرات العارمة والبالونات الحارقة المستمرة من قبل الفلسطينيين في قطاع غزة!
الغريب أن معظم تلك الوسائل نشرت صورة كبيرة لنقطة الرصد الفلسطينية، التي تشبه هيكلاً معدنياً لخيمة بسيطة على صدر صفحاتها للسخرية من الحكومة الصهيونية التي لم تجد سوى تلك النقطة «الكشك» لتقصفه.
الإستراتيجية الممنهجة
خطة «الإستراتيجية الممنهجة» التي اتبعتها «حماس»، للتصعيد على الحدود في غزة مع الداخل المحتل، أشارت إليها الصحيفة العبرية «يسرائيل هايوم» على أنها سيناريو ناجح للحركة الفلسطينية أمام حكومة نتنياهو، واليمين المتطرف في «تل أبيب»، التي نتج عنها خضوع أو إجبار الحركة للكيان على تحقيق مطالبها وشروطها.
والثابت أن الاعتراف الصهيوني بنجاح إستراتيجية الحركة الفلسطينية «حماس» يعني معرفتها الدقيقة والشاملة لمجريات الصراع العربي الصهيوني، ومن قبله ما يدور في الداخل الصهيوني، وبقوة، إذ أوضحت الصحيفة العبرية أن «حماس» أدارت التصعيد على الجدار مع الداخل الصهيوني بشكل ممنهج، نتيجة لإدراكها بعمق الأزمات الداخلية للكيان، واللعب على هذا الوتر للاستفادة منها، خاصة مع انشغال الكيان الصهيوني بحالة التوتر الواقعة على الحدود اللبنانية، وتصعيد «حزب الله» أمام الجيش الصهيوني، أو أزمة البرنامج النووي الإيراني، وغيرها من الملفات الإقليمية والدولية.
منهج «الحرب بين حربين»
ولفت تقرير القناة العبرية إلى أنه لم يفت لحركة «حماس» أن «تل أبيب» ليست راغبة في تصعيد كبير في قطاع غزة، في هذه الآونة، لانشغال الكيان بتلك الملفات ناهيك عن الأزمات الداخلية والخارجية في آن واحد؛ ما دفع بالحركة الفلسطينية إلى الاستغلال الأفضل لتلك الحالة، واتباع يحيى السنوار، لمنهج «الحرب بين حربين»؛ أي اتباع سياسة «حرب الاستنزاف» أمام الكيان الصهيوني، حتى تعود الاستفادة الكبرى لحركة المقاومة الفلسطينية.
لم يكتف تقرير القناة العبرية بما سبق من تحليل، بل أشار إلى احتمالية اعتماد «حماس» على تلك الإستراتيجية التي يمكن من خلالها انتزاع إنجازات حقيقية وملموسة، وتسهيلات اقتصادية أيضًا؛ ما دفع بكاتبها تسيفي يحزقيلي إلى تحذير الكيان الصهيوني من قدرة «حماس» المتصاعدة، يومًا تلو الآخر، مناديًا بضرورة اتباع «تل أبيب» لصياغة إستراتيجية جديدة أمام الحركة في غزة.
فهم الداخل الصهيوني
يبدو من تحليل القناة والصحيفة العبريتين أنهما ترغبان في التحذير من قدرة «حماس» على فهم الداخل الصهيوني واللعب على قيام حرب استنزاف لتحقيق مكاسب حقيقية على أرض الواقع، كما يجري بين «حزب الله» ولبنان على الحدود الشمالية، أو بين إيران والكيان على جانب آخر، حيث يكثُر مصطلح «حرب بين حربين» أو «حرب استنزاف» بين كل طرفين منها.