الآفات النفسية، والعاهات الخلقية، والأمراض السلوكية، التي تجسمت في الشخصية اليهودية التلمودية – ولا سيما بعد ظهور الحركة الصهيونية وتوجهاتها الخطيرة – أفرزت العصابات الإرهابية اليهودية في عهد الانتداب البريطاني، وقبل قيام «إسرائيل» في 15 مايو 1948م وأفرزت المجازر البشرية، والهجمات العدوانية، والأساليب الشيطانية، التي قامت عليها سياسة «إسرائيل» في سلمها وحربها مع الفلسطينيين ومع العرب والمسلمين.
أفرزت هذه الآفات شر أنواع الاستعمار في التاريخ، وهو الاستعمار الصهيوني، الذي قال فيه من قال: الصهيونية هي أعلى مراحل الاستعمار. وذلك لما تميز به الاستعمار الصهيوني اللعين عن أنواع الاستعمار الأخرى، التي عرفها العالم قديمًا وحديثًا، والتي أشار القرآن إلى آثاره على لسان ملكة سبأ حين قال: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (النمل:34)، أشارت إلى دخول الملوك فاتحين مستعمرين، فهم يفسدون البلاد، ويذلون العباد.
وفي العصور الحديثة عرف الناس الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والهولندي وغيرها، وكلها شر على من استعمروهم. ولكن الاستعمار الصهيوني أشد وأنكى، فهو، كما يقول أخونا. د. حسان حتحوت: استعمار إحلالي توسعي عنصري إرهابي ظالم.
1- استعمار إحلالي:
أي هو استعمار استيطاني، يريد تفريغ البلاد من أهلها ليحل هو محلهم ما استطاع. ويزعجه أن يرى معدل المواليد العرب أعلى منه لدى اليهود بما في ذلك من تهويد ديموجرافي.. وليس مثل الصليبيين يملك وطنًا آخر يستطيع أن يعود إليه فلا نية لديه إلا البقاء. وهو لا يحاول التخلص من العرب بالتهجير أو الاضطرار إليه أو هدم البيوت أو تغيير الجغرافيا فقط؛ بل بجلب مزيد من اليهود من أنحاء العالم ليحلوا محل العمالة الفلسطينية، وهي الخط الحيوي الباقي للفلسطينيين. وقد صرح بهذا ساستهم ومفكروهم، مثل البروفسور “بن زيون دينور” الذي أعلن أن ليس في بلادنا متسع لشعبين.
ومثل “يوري لبراني” (مستشار بيجن للشؤون العربية) الذي قال: سنختزل الجالية العربية إلى طائفة من الحطابين وجرسونات المطاعم! ومثل “شيب الداود” الذي قال: إما “إسرائيل الكبرى” وإما “إسماعيل الكبرى”. (يعني بإسماعيل الكبرى: الدولة العربية التي تجمع العرب تحت راية واحدة، وهذا يعني: إنتهاء إسرائيل).
2- استعمار توسعي:
وهو ثانيًا استعمار توسعي. ما زالت خريطة من النيل إلى الفرات في الكنيسيت. والخطان الأزرقان في أعلى وأسفل العلم اليهودي يرمزان للنيل والفرات. وسُئلت “جولدا مائير” عن حدود دولة إسرائيل كما تراها فقالت: عندما نصل إلى الحدود سنخبركم. وصرح “بن جوريون” بأن الدولة اليهودية تطمح أن تشمل حدودها جنوب لبنان وجنوب سوريا والأردن وشبه جزيرة سيناء. (ولهذا لم يضم اتفاق “أوسلو” شيئا عن “الحدود” وستظل سرًا عند قادة إسرائيل، لا يفصحون عنه، إلا عندما تتحقق الأحلام).
3- استعمار عنصري:
وهو استعمار عنصري. وفي تصريح سابق “لرفائيل ايتان” الذي كان رئيس الأركان قال: إن من يتهم البيض في جنوب إفريقيا بالعنصرية كذاب.. السود هناك هم الذين يريدون التحكم في الأقلية البيضاء، تمامًا مثلما يريد العرب أن يتحكموا فينا. وعندما صوتت الدول الإفريقية بجانب قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية عنصرية في عام 1975 (القرار الذي تم لحسه فيما بعد)، كان تعليق “بيجن”: كيف تحسب الشعوب التي كانت إلى عهد قريب تعيش فوق الأشجار أنها أصبحت تقود العالم؟
بل إن العنصرية قائمة في اليهود بين بعضهم والبعض. “الأشكينازي” وهو اليهود الأوروبي الأبيض يرى نفسه أرقى من (السفارديم).
وبينما يشكل السيفارديم سبعين بالمائة من اليهود، فقد رسم نظام للتعليم والمصروفات الدراسية بحيث لم يسمح لهم بأكثر من ستة بالمائة في الجامعات وثلاث بالمائة عند التخرج.
أما اليهود الأحباش الذين طنطنوا بهم فحثالة المجتمع، لدرجة أنه عند التبرع بالدم تنتقي زجاجات دم اليهود الأحباش فتراق، ويرمي بالدم حتى لا يستعمل، وعندما اكتشفت هذه الفضيحة أحدثت مرارة كبيرة لدى الأحباش، وإحساسًا بالاضطهاد والتفرقة العنصرية، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}، بل إن اليهود الأرثوذكس أصدروا من قريب فتوى بأن المحافظين واليهود الإصلاحيين ليسوا يهودًا.
4- استعمار ظالم:
وأما استعمار ظالم، فبديهية لا تحتاج إلى تدليل. لكن نحب أن يشهد شاهد من أهلها. فالأستاذ “جودا ماجنس” أول رئيس للجامعة العبرية يقول: إن لليهود أكثر من حق في مطالبة العالم بالعدالة، ولكنني على غير استعداد للحصول على العدل لليهود عن طريق الظلم للعرب.
ويقول البروفسور “بنيامين كوهين” الأستاذ بجامعة تل أبيب: لقد كان اليهود على الدوام ضحايا القسوة فكيف جاز لهم أن يكونوا على هذه القسوة. وهنالك الكثيرون منهم يرون هذا الرأي. وفي أمريكا حركتان يهوديتان كبيرتان اسمهما “السلام الآن” و”الأرض مقابل السلام”، وينكرون الظلم الواقع على الفلسطينيين ويرون إعطاءهم وطنًا والعيش معهم في حسن جوار. ومثلهم عدد ضخم من اليهود داخل فلسطين.
5- استعمار إرهابي:
وهو كذلك استعمار إرهابي، فهذا أشد وضوحًا، فالارهاب لحمته وسداه، الإرهاب هو الذي مهد لقيام الدولة منذ عهد العصابات المعروفة: الهاجاناة، والأرجون، الاسترون، التي اقترفت الفظائع.
والإرهاب هو الذي أسس الدولة، وأقامها بالحديد والنار، فقتل النساء والأطفال والشيوخ بطرق وحشية لم يعرف التاريخ لها مثيلًا، حتى كانوا يراهنون على ما في بطون الحوامل: أذكر هو أم أنثى؟ ثم يبقرون بطنها -وهم يتضاحكون- ليروا من الفائز منهم؟ ثم يذبحون الأم والطفل معًا!
والإرهاب هو الذي وسع الدولة؟ بأكثر مما أعطاهم قرار التقسيم، ثم ضم إليها ما ضم في حرب يونيو سنة 1967م.
والإرهاب هو الذي يهدد الجيران من العرب، أن يملكوا أي قوة نووية أو غير نووية، يجب أن يملكوا هم القوة وحدهم؛ ولهذا ضربوا من قديم المفاعل النووي العراقي، بل هم يقتلون الشبان النوابغ من العرب في المجال النووي، كما دل على ذلك أكثر من حادثة. بل هو يهدد المسلمين جميعًا، إذا حاولوا ذلك، كما نرى في الموقف من محاولة باكستان امتلاك قنبلة نووية، كما فعلت جارتها وغريمتها الهند.
والإرهاب هو الذي يقتل -بيد الدولة وأجهزتها وبأمر رؤسائها وقادتها- أبطال المقاومة الذين يدافعون عن أرضهم ومقدساتهم وأهليهم، كما رأينا في اغتيال الشقاقي وعياش والشريف، ومحاولة اغتيال مشعل.
الإرهاب الصهيوني هو الذي قتل -من قديم- المصلين في مسجد يافا، وهو الذي صنع مجزرة دير ياسين، وهو الذي قتل أطفال مدرسة «بحر البقر» في مصر، وهو الذي قتل المصلين بعد ذلك في مسجد الخليل في فجر رمضان، وهو الذي قتل من قتل في النفق، وقتل من قتل في «قانا» بلبنان، وقتل أخيرًا العمال البرآء بالقرب من حاجز «ترقوميا» بمنطقة الخليل، ولا زال يقتل ويقتل ولا تزال يده مغموسة بدماء الأبرار.
والعجب أن يفعل الإرهاب الصهيوني ذلك كله، ويدعي أننا نحن الإرهابيون، أما هو فبريء من كل تهمة، براءة إخوة يوسف من إلقائه في الجب!
________________________________
المصدر: كتاب «القدس قضية كل مسلم».