«طوفان الأقصى» لم تكن البداية، والسبب في قضية شعب هجر من أرضه، وشُتت في أنحاء العالم، وعاش في الخيام والمخيمات، بعد أن احتلت أرضه، ونهبت خيراته، وسلبت دياره.
«طوفان الأقصى» لم تكن البداية التي استبيحت بها الدماء، ودنست معها المقدسات، وانتهكت فيها الحرمات، واعتدي فيها على الأعراض.
ولم تكن البداية للظلم والطغيان والقهر الذي مورس على أصحاب الأرض، الآمنين في ديارهم، الآمنين في بيوتهم، الآمنين في مزارعهم ومؤسساتهم وشركاتهم ومساجدهم وكنائسهم في فلسطين كل فلسطين.
لم تكن البداية لارتكاب المجازر في الضفة الغربية، بشكل خاص، مدنها ومخيماتها وقراها وشوارعها، ومخيم جنين أكبر دليل وشاهد على إجرام هذا المحتل الغاصب.
لم تكن البداية في انتهاك حرمات مقدسات المسلمين والمسيحيين على حد سواء، في القدس والخليل وبيت لحم، وغيرها، فما زالت دماء المصلين الآمنين في بيوت الله، التي تعطرت بها جدران الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، في جريمة بشعة، ارتكبت ضد المصلين، منذ ما يزيد على عشرين سنة، ذهب فيها العشرات، وهم ركع وسجود في صلاة الفجر، شاهدة على انتهاكات هذا المحتل الغاصب المجرم، الذي لا يراعي في مؤمن إلًّا ولا ذمة.
لم تكن البداية لقتل الأطفال في أحضان آبائهم، بلا أدنى إحساس بشعور إنساني، بل ارتكبت هذه الجرائم بكل وحشية ووقاحة وبشاعة، ومشهد الطفل محمد الدرة ما زال ماثلاً حاضراً بقوة في ذاكرة هذا العالم، لكنها للأسف ذاكرة مسلوبة مثقوبة.
«طوفان الأقصى» نتيجة طبيعية لقرن كامل من الاستعمار والاستذلال والاحتلال، والقهر وارتكاب الجرائم، والظلم والطغيان، قرن كامل من خذلان القريب، وتخلي الصديق، وطغيان العدو.
لم تكن بداية الاحتلال والتهجير والتشريد والتجويع وارتكاب الجرائم البشعة في المدن والقرى والأرياف.. لكنها حتماً وبإذن الله ستكون بداية زوال الاحتلال واندثاره، فقد كشفت «طوفان الأقصى» هشاشة هذا الكيان، وسوءة جيشه، وأظهرت ضعفه وفساده، وأفسدت أسطورته التي بناها على مدار عقود بخوض حروب وهمية.
«طوفان الأقصى» آية تتجلى من آيات المولى سبحانه وتعالى.
غضبة رب، وثورة شعب.
جهاد؛ نصر أو استشهاد.
«طوفان الأقصى» طوفان الطائفة المؤمنة، التي أخبرنا عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما زالوا على الحق ظاهرين، ولعدوهم قاهرين، وبواجبهم قائمين، ولن يضرهم من خذلهم.
عرَّت الاحتلال، وكشفت أذياله وأعوانه، وأثبت وحشيته وجبنه، وفساد أخلاق جيشه، أمام العالم كله، هذا الجيش الذي ارتكب جرائم حرب، ترقى للإبادة البشرية.
كشفت حقيقة النظام العالمي، وفساده، وسوء أحكامه، وازدواجية معاييره.
أعادت القضية للصدارة العالمية، فأصبحت المحور الرئيس في النشرات الإخبارية، والاهتمام الأول للأنظمة والحكومات والشعوب على حد سواء.
أكدت أن فلسطين قضية الأمة، وقبلتها، ومحل اجتماع كلمتها.
أخرجت شعوب أمتنا بشقيها العربية والإسلامية عن صمتهم، فهتفت بملء حناجرهم، وبأعلى أصواتهم.. في الميادين والشوارع.. بالروح بالدم نفديك يا أقصى.. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين.. بالروح بالدم نفديك يا مقاومة!
عطلت قطار الخسة والنذالة.. قطار التطبيع والتركيع مع العدو، فأوقفت انطلاقته، وعرقلت مسيرته، بعد أن كان منطلقاً بسرعته القصوى، مخترقاً كثيراً من دولنا الحبيبة.
صرخة مدوية، تؤكد أن للقضية رجالاً، وأهلاً، لم يموتوا بعد، وأنهم مشغولون بالإعداد والاستعداد، ليوم اللقاء، يوم التكبير، يوم التحرير، يوم التطهير، تطهير البلاد والعباد من دنس الاحتلال النجس.. وإنه ليوم قريب بإذن الله.