تشير بعض البيانات إلى أن الإسلام وصل إلى صربيا في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي، إلا أن الحضور الدائم والواسع للإسلام في البلقان بدأ مع الفتح العثماني منذ زمن السلطان مراد الأول إلى زمن السلطان محمد الفاتح الذي انتشر في عهده الإسلام بشكل واسع.
قام العثمانيون على إثرها بتقسيم المسلمين إلى قسمين إداريين، هما: روملي، وبوسنوي، حيث تتبع نوفي بازار عاصمة السنجق إدارياً للإدارة البوسنوية، وما تبقى من صربيا تحت الإدارة الروملية.
السكان الأصليون لهذه المناطق هم من السكان الإيليريين والبوغوميليين القدماء، انتشر الإسلام بينهم بسرعة حين فتح العثمانيون هذه البلاد بسبب الممارسات القمعية والإقصائية لـ«محاكم التفتيش» البابوية والملاحقات من قبل الكنيسة.
مع تراجع قبضة الدولة العثمانية تدريجياً خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تراجعت أحوال السكان المسلمين وفقدوا أراضيهم، وتعرضوا لحملات تهجير وتطهير عديدة في عدد من الأماكن، وأصبحوا أقلية في العديد من المدن الإسلامية، كما دمرت مساجدهم ورموزهم الدينية، ففي العام 1868م في مدينة أوزيتشي دمر 34 مسجداً، وفي مدينة سميدريفو تم تدمير 24 مسجداً، وفي مدينة بلغراد تم تدمير ما بين 270 و300 مسجد، وبقي فقط مسجد واحد قائم هو مسجد بايرقلي، كذلك الأمر في مدن شاباتس، ونيش، وفراني ومدن أخرى كانت جزءاً من إمارة صربيا.
بعد الانسحاب النهائي للعثمانيين وترسيم الحدود، تم تقسيم السكان البوشناق ضمن ثلاثة كيانات؛ هي: البوسنة والهرسك وهي منفصلة إدارياً وإقليمياً، بينما قسموا إقليم السنجق بين المملكتين اللتين تشكلتا حديثاً وهما صربيا والجبل الأسود.
المسلمون في صربيا الآن
تختلف التقديرات حول أعداد السكان المسلمين في صربيا، وبنسبة تتراوح بين 3 – 5% من سكان صربيا حسب الإحصاءات الرسمية أو التقديرات غير الرسمية.
وبحسب إحصاء للسكان في عام 2002م، بلغ عدد السكان المسلمين في صربيا 239.658 شخصاً مما يجعلهم يشكلون نسبة 3.2% من مجموع السكان، وبسبب مقاطعة العديد من المسلمين لهذه الإحصاءات، فإن التقديرات غير الرسمية تشير إلى حوالي ضعف هذا الرقم.
المسلمون في صربيا يتشكلون من البوشناق والألبان والأتراك والغجر الذين اعتنقوا الإسلام من الصرب، وهم موزعون جغرافياً في مناطق عدة في صربيا حيث يشكلون أكثرية مهيمنة في بعض المناطق كما في إقليم السنجق الذي يقطنه أغلبية من البوشناق، وفي وادي بريشيفو الذي تقطنه أغلبية من الألبان، أما في المناطق الأخرى فهم أقلية.
إقليم السنجق
السنجق، تاريخياً، مقاطعة في جنوب شرق صربيا وشمال الجبل الأسود، وله حدود مع البوسنة والهرسك وكوسوفو وألبانيا.
منطقة السنجق بأكملها منفصلة جيوسياسياً وثقافياً وتاريخياً وعرقياً ومذهبياً وإدارياً وإقليمياً، مركز الإدارة فيها مدينة نوفي بازار، ومساحة الإقليم 28.696 كيلومتراً مربعاً، وللسنجق حدود تاريخية معترف بها باتفاقيات دولية كما توضحها مقرارت مؤتمر برلين في عام 1878م، واتفاقية إسطنبول عام 1879م والمراسيم اليوغسلافية.
ويقسم السنجق إلى بلديات نوفي بازار، توتين، سينيتسا، نوفا فاروش، بريبولي، بريبوي (شمال السنجق)، روجايي، بييلو بولييه، براني، وبلاف، وغوسينيه، بلييفليا (جنوب السنجق).
يتواجد المسلمون كأغلبية أيضاً في صربيا في وادي بريشيفو حيث يقطنه أغلبية ألبانية، إلا أن هناك أماكن في هذا الوادي أصبح فيها السكان الصرب أغلبية بسبب توطينهم فيها.
بلغراد العاصمة كانت مقراً سابقاً للباشوات الأتراك، وكانت مركزاً عثمانياً ذا أغلبية مسلمة من السكان، ولكن في الفترة 1793 – 1867م تم طرد السكان المسلمين بشكل كامل من بلغراد من خلال قتلهم أو تنصيرهم، وفيما بعد أصبحت بلغراد عاصمة لجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية.
الأحداث السياسية كانت سبباً لهجرة أعداد كبيرة من المسلمين إلى تركيا، وتكررت هذه الهجرة في مراحل عدة، وكانت أجهزة الدولة تمارس ضغوطاً على السكان المسلمين للهجرة مقابل ترحيب من تركيا، هذه الهجرات قلصت الوجود الإسلامي في صربيا وحولتهم إلى أقلية قومية أو جماعة دينية.
وخلال فترة حكم النظام الشيوعي لاتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية واجه المسلمون تحديات عديدة من إغلاق وهدم للمساجد، وإلغاء المدارس الدينية والكتاتيب الدينية والاستيلاء على الأوقاف، وتأميم الملكيات وغيرها من الممارسات التي ضيقت على المسلمين.
الثقافة
بعد دخول العثمانيين في القرن الخامس عشر إلى هذه المناطق، تطورت الثقافة الإسلامية وازدهرت الحضارة، وما زالت آثار العمارة الإسلامية العثمانية شاهداً على هذا حتى في الأماكن التي هجّر منها المسلمون بما فيها العاصمة بلغراد التي كانت مدينة ذات طابع شرقي وإسلامي بقيت فيها بعض الآثار المتناثرة التي تدل على تاريخها.
فبجانب مسجد بيرقلي والقلعة كاليمكدان، يوجد قبر أحد الباشاوات العثمانيين، وشاهد آخر هو أسماء بعض الأحياء في بلغراد التي ما زالت تحمل أسماء شرقية؛ مثل دورتشيل وسكادارليا.
وكذلك الأمر في مدينة نيش في وسط صربيا التي ما زال فيها 3 مساجد قائمة؛ أحدها بقي على حاله الأصلية، وفي مالي زفورنيك وغيرها من البلدات والمدن التي يظهر التأثير الحضاري العثماني على هذه البلاد.
إن هذا التأثير يمتد إلى المطبخ الصربي ويمتد في الثقافة واللغة حيث تأثرت الصربية باللغات الشرقية بأكثر من 10 آلاف كلمة؛ ما يؤكد تجذر اللغة الفارسية والتركية والعربية في جوهر وأساس معجم اللغة الصربية.
وحافظ إقليم السنجق على طابعه الشرقي وتأثره بالثقافة والحضارة العثمانية أكثر من بقية المناطق، ففي نوفي بازار يوجد 25 مسجداً قائماً من العصر العثماني بنيت بين القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، وكذلك تتواجد المساجد التاريخية في العديد من مدن السنجق.
نمط الحياة والأسرة يتشابه أكثر مع المجتمعات الشرقية، وتأثرت بالعادات الاجتماعية للعثمانيين، وكذلك النشاطات الفكرية والثقافية تأثرت بالحضارات الشرقية ما خلق ثقافة متأثرة بالفارسية والتركية والعربية قدمت فيما بعد إسهامات في الثقافة والحضارة الإسلامية.
استخدم البوشناق قديماً الحروف البوشناقية والأبجدية العربية، ومع اتفاق فيينا في عام 1850م، أنشأ الصرب والكروات مجمعاً لغوياً، واعتبروا اللغة البوسنوية من اللهجات المحكية وسموا اللغة بالصربية الكرواتية، وطالب البوشناق الاعتراف بحقهم في تقرير لغتهم الأصلية، ولكنه قوبل بالرفض في الأوساط الصربية.