الشباب المسلم ذخيرة هذه الأمة، ومعقد أملها في مواصلة الحياة الإسلامية التي تضمن لها العزة والكرامة وتنتشلها من مرحلة الذلة والذيليّة التي تعيشها اليوم.
ولأنّ القوى الشيطانيّة، الظاهرة والخفيّة، تدرك هذه الحقيقة تمامًا، فهي لم تفتأ تحاول أن تبعد هؤلاء الشباب عن طريق الإسلام الحقّ أو على الأقلّ تحاول إفقادهم الفاعليّة والتأثير، وبذر الخور والوهن في نفوسهم، ووسيلتهم في ذلك إنما هي نفس وسائل الشيطان في حربه للإيمان في كل زمان ومكان؛ الشهوات والشبهات.
إن مخاطبة غرائز الإنسان ومحاولة إغرائها بالشهوات أحبولة شيطانية قديمة، وإن اختلفت صورها باختلاف الزمان والمكان، ونحن نراها اليوم في أحدث صورها ممثّلة في المجلات الداعرة، ووسائل الإعلام الفاجرة، فضلاً عن دور اللهو، ومواخير العبث، وغيرها من وسائل استثارة غرائز الإنسان الدنيا، وتدور حول استثارة غريزتي البطن والفرج، فضلًا عن غريزة العدوان والامتلاك التي لا يضبطها خلق أو دين.
ولقد أكدّ الإسلام خطورة هذه الشهوات على الشخصيّة الإسلاميّة في غير موضع من الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة، وإن كان النصّ القرآني الخالد يقرّ أنّ تلك الشهوات ممّا ابتُلي به الإنسان تمحيصًا واختبارًا؛ بحيث أنّ من يسمو بنفسه ويستعلي على نداءات الشهوات الحرام يكون قد اجتاز القنطرة ونجح في الاختبار ويُعَدُّ من الفائزين الناجين في مختبر الحياة.
ولا شكّ أنّ الإنسان الذي يُقاد من غرائزه، ويسيل لعابه حين يُلوّح له بشهوة زائلة، فإنّه ليس من أصحاب الهمم العالية، والعزائم السامية، التي تنطوي على مثل هذه الأساليب الرخيصة، التي ينحدر بها المرء إلى مرتبة الحيوان، ومثل هذا الإنسان الخائر العزيمة، الضعيف الهمة يحتاج في إصلاحه إلى مثل صدمة الكهرباء كي يفيق من غفلته، ويرجع عن غيّه، ومن هنا فإن علاجه أمر يطول مداه، ويحتاج من الداعية البصير إلى الكثير من الصبر والأناة، والجهد والمعاناة ليصبح في النهاية إنسانًا سويًّا، ومخلوقًا كريمًا كما أراده الله، أمّا وهو على مثل حالته التي ذكرنا فلا مجال لإضاعة الوقت معه فإن على عينيه غشاوة، تحجب عنها أنوار الحقّ إذ يسير في الحياة على غير هدى عبداً أسيرًا من عبيد الشهوات، وأسرى الملذّات.
بيد أنّ واجب النصح يقتضينا أن نبيّن له عورات السبيل الذي يتردّى فيه في الدنيا والآخرة، وأن نستثير فيه همّة الرجال، ومعاني الإيمان المدفونة تحت أنقاض القيم المتكسّرة في أعماق وجدانه لعله يذّكر أو يخشى.
أمّا الشبهات، فهي تلك الأفكار الملتبسة والمعاني الغامضة، والأفكار الغائمة التي تلقى في طريق الإنسان وتحاصره من جميع أقطاره حتى لا تدع له سبيلاً للتفكير في عوراتها وتفاهتها وتهافتها، فلا يسعه إلا تصديقها ليكون أسيرًا لها فتحرفه عن جادّة الصواب إلى سبل الغواية والضلال.
والنجاة للمرء في دنياه أن يكون لديه من القوة النفسية ما يعصمه من فتن الشهوات، ومن الفطنة العقلية وسلامة النظر العقلي ما يعصمه من فتن الشبهات، ولكن هذا وذاك لا يحصل عليه المرء إلا بشيء من المجاهدة للنفس مع التوفيق الإلهي، ولذا كان من مأثور دعاء نبينا الكريم: «يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك»، ومن مأثوره كذلك: «اللهمّ أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه».
ولعمر الحقّ، إن استقامة المرء على جادّة الاعتدال والاتّزان والسلامة من فتن الشهوات والشبهات لمن أعظم ما يكرم الله به عباده المصطفين، فنسأله أن نكون منهم.
ولا شكّ أنّ للوصول إلى تلك القوة النفسية العاصمة من الانزلاق في مهاوى الفتن الشهوانيّة أساليب متنوعة مِلاكها المجاهدة النفسية الذاتية، ومن المعينات عليها مصاحبة الصالحين، والحفاظ على الصلة بالله وحياة القلب بدوام الذكر والفكر والتلاوة ونحوها من الأعمال الإيمانية.
كما أن الوصول إلى الفطنة العقلية يقتضي مجاهدة من نوع آخر تتمحور حول الاستكثار من مطالعة كتب العلم النافع، ومزاحمة العلماء وأهل العلم، وعدم الاستنكاف من السؤال عمّا يلقى للمرء من شبهات، أو يعترض عقله منها، فمن الغوامض ما لا يعقله إلا العالمون الراسخون؛ (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (النحل: 43).