يعيش المسلمون آلام الحروب في أكثر من بلد إسلامي، ونظراً لهذه الظروف المؤلمة، يتساءل البعض عن حكم تقديم زكاة الفطر عن موعدها الذي تعارف المسلمون عليه وهو قبيل صلاة العيد، حتى تصل الزكاة إلى هذه الأماكن في موعدها.
اختلفت أقوال الفقهاء في تقديم إخراج زكاة الفطر على النحو التالي:
الأول: يجوز تقديمها قبل العيد بيومين، ولا يجوز أكثر من ذلك، وهو مذهب أحمد، ومالك.
الثاني: يجوز تقديمها من بعد نصف شهر رمضان، وهو قول بعض الحنابلة.
القول الثالث: يجوز تقديمها من بداية شهر رمضان، وهذا قول الشافعي، وأصحابه.
الرابع: يجوز تقديمها من أول الحول، وهذا قول أبي حنيفة.
الخامس: لا يجوز تقديمها عن وقتها، وهو مذهب الظاهرية.
أما حُجَّةُ من جَوَّزَ قبل العيد بيوم ويومين؛ فحديث ابن عمر رضي الله عنهما في «صحيح البخاري» (1511)، قال نافع: وكان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم، أو يومين.
وفي «الموطأ» (1/ 285) عن نافع عن ابن عمر أنه كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة، وأخذ بزيادة الثلاثة بعض المالكية، وأما حجة من أجاز تقديمها من نصف الشهر؛ فقياسًا على تقديم أذان الفجر، والدفع من المزدلفة بعد نصف الليل، وأما حجة من أجاز تعجيلها من أول الشهر؛ فلأنَّ الصوم من أسبابها كما في حديث ابن عباس حيث قَالَ: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات» (رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ).
وأما حجة من أجازها من أول الحول؛ فقياسًا على زكاة المال، وأما حجة من منع؛ فلأنها عبادة مؤقتة، ولا تجب على الإنسان حتى يأتي وقتها، والمنع من إخراجها قبل وقتها هو الصواب؛ إلا إذا احتيج إلى ذلك؛ لبعد الفقراء عنه فلا بأس بتقديم اليوم واليومين، وأما إخراج الصحابة قبل العيد بيوم أو يومين، فكانت تخرج لجمعها لا للفقراء كما ذكر ذلك البخاري، فإذا أُخرِجت للجمع فلا بأس كما فعل الصحابة(1).
زكاة الفطر عن الجنين
وهنا يأتي تساؤل آخر: هل تجب زكاة الفطر عن الجنين؟
لا تجب زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة؛ الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وبه قال أكثر أهل العلم، وحكي فيه الإجماع، والدليل على ذلك حديث ابن عمر قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين» (أخرجه البخاري (1511)، ومسلم (984)).
ووجه الدلالة: أن الحديث يدل على أن زكاة الفطر تجب على الصغير، والجنين في بطن أمه لا يصدق عليه اسم الصغير لا لغة ولا عرفاً، وأن الأصل عدم الوجوب، والجنين لا يثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية، بشرط خروجه حياً، والحمل غير محقق، ولا يعرف حياته.
________________________
(1) إتحاف الأنام بأحكام ومسائل الصيام، أبو عبدالله محمد بن علي بن حزام الفضلي البعداني (1/ 283-284).