منذ اليوم الأول للحرب على غزة، حدد نتنياهو وغيره من المسؤولين الصهاينة حزمة من الأهداف لتلك الحرب، تركزت في القضاء على حركة «حماس» وإعادة الأسرى «الإسرائيليين» لدى الحركة في القطاع، وهو ما لم يتحقق بفضل صمود وقوة المقاومة الفلسطينية.
غير أن الكيان الصهيوني قد وضع مجموعة من السيناريوهات أو الخطط المستقبلية لليوم التالي للحرب على غزة، وهو ما جاء على لسان نتنياهو، أو وزير دفاعه غالانت، أو رئيس الأركان هاليفي، أو غيرهم؛ تركزت أغلبها في توطين الشعب الفلسطيني في شبه جزيرة سيناء المصرية، أو عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة لإدارة القطاع، مرة أخرى، أو بقاء الجيش الصهيوني في غزة.
ووضع المحللون السياسيون والمعلقون العسكريون الصهاينة عددًا من هذه الخطط المستقبلية لليوم التالي لغزة، وهي الخطط التي دعا إليها نتنياهو، أو غالانت، أيضًا، وتمثلت في رؤى أو سيناريوهات استمر الحديث عنها منذ اليوم الأول للحرب، وهو اليوم الذي أعلنت فيه حركة «حماس» عن عمليتها العسكرية «طوفان الأقصى»، وهو السابع من أكتوبر الماضي، وكذلك رؤى توقف الحديث عنها، بمعنى أنها كانت مجرد بالون اختبار لفترة زمنية وانقضت بمرور الوقت.
1- إعادة الاستيطان في غزة:
طالب الكثير من الساسة في «تل أبيب» بإعادة بناء المستوطنات داخل غزة، والعودة لسيطرة الكيان على القطاع كما سبق العام 2005م، حينما أعلن شارون عملية «فك الارتباط» الأحادي الجانب عن القطاع، وتفكيك المستوطنات «الإسرائيلية» التي كانت مقامة داخل غزة، وأهمها مجمع «غوش قطيف»، حيث روَّج الصهاينة للعودة إلى مقار هذا المجمع والحلم برؤية رمال غزة الذهبية ومشاهدة شواطئها على البحر المتوسط.
الغريب أن جماعات الاستيطان عقدت اجتماعًا مهمًا في 11 ديسمبر 2023م، للترويج للعودة إلى مستوطنات غزة، وبعده شهدت القدس المحتلة مؤتمرًا ضخمًا في 28 يناير 2024م، حضره أعضاء كنيست ووزراء «إسرائيليون»، طالبوا خلاله باحتلال أجزاء كاملة من القطاع، لبناء مستوطنات جديدة والعودة لغزة.
2- إبعاد الفلسطينيين خارج أراضيهم:
استغل بن غفير إعلان حمزة يوسف، رئيس وزراء إسكتلندا، استعداد بلاده لتوفير اللجوء الإنساني للاجئين من غزة، في الدعوة لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، وكررها أكثر من مرة، وهو ما وافقه فيها زميله، وزير التراث عميحاي إلياهو، من وجوب إبعاد الفلسطينيين إلى إسكتلندا؛ بالتوازي مع ترويج الصهاينة لفكرة توطين الفلسطينيين في الكونغو ودول أفريقية أخرى.
3- إنشاء مخيمات للاجئين للفلسطينيين في لبنان:
مثلت خطة إبعاد الفلسطينيين خارج أراضيهم في إسكتلندا والكونغو إحدى الخطط الصهيونية التي لم يكثُر الحديث عنها داخل الكيان، فضلاً عن فكرة إنشاء مخيمات لاجئين للفلسطينيين في لبنان، وهي الفكرة التي لم تلق رواجًا كبيرًا، رغم تزامنها مع الحديث عن تسوية قطاع غزة بالأرض وإنشاء متحف مفتوح بدلاً منه، بل إلقاء قنبلة نووية على القطاع، وإفناء الفلسطينيين عن بكرة أبيهم.
4- توطين الفلسطينيين في سيناء:
نالت فكرة توطين الفلسطينيين في سيناء قسطًا كبيرًا من حديث واهتمام الساسة والمحللين والمعلقين الصهاينة، سواء من خلال تصريحات وزيرة الاستخبارات، أو ليبرمان، أو نتنياهو نفسه؛ فضلاً عن تسريب وثيقة لمعهد «مسغاف الإسرائيلي» التي تقضي بتوطينهم في أماكن مختلفة داخل مصر، بل وذكرتها، تحديدًا.
بيد أن تلك الفكرة قد شهدت فترة من الجدال المحتدم بين مصر والكيان الصهيوني، وما تزال مستعرة بينهما داخل الكواليس المغلقة، خاصة مع رفض القاهرة المتوالي لإقامة مخيمات تسع لمليون فلسطيني في رفح، وتواجد قوات «إسرائيلية» داخل المدينة نفسها، أو حتى تركيب وسائل تقنية على الجدار الفاصل بين غزة ومصر.
5- عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة:
مع بدء الحرب على غزة، خرجت إلى النور ظاهرة «شيطنة السلطة الفلسطينية»، بالتزامن مع تبادل الاتهامات حول اتفاقية «أوسلو» وما آلت إليه للداخل الصهيوني وعملية «فك الارتباط»، من شد أزر السلطة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين؛ في وقت دعا كثيرون، في مرحلة متأخرة، داخل الكيان إلى تدريب مسؤولين فلسطينيين من حركة «فتح» لإدارة غزة ما بعد الحرب، وكذلك الحديث عن إقامة حكومة تكنوقراط فلسطينية.
غير أن الحديث عن حكومة تكنوقراط يعني مجيء حكومة فلسطينية على مقاس «إسرائيل»، أو نشهد تدجيناً للسلطة بمجيء «أحمد جلبي جديد» على ظهور الدبابات الصهيونية، كما جرى في العراق بعد الحرب الأمريكية في العام 2003م؛ بالتوازي مع دعوات غانتس، وليبرمان، ومن قبلهما نتنياهو إلى إجراء إصلاح حقيقي في السلطة؛ بهدف تولي مقاليد الأمور في غزة بعد الحرب.
6- دول عربية معتدلة:
الشاهد أن هناك رغبة صهيونية حقيقية في ضرورة دخول دول عربية معتدلة، على رأسها مصر والأردن والإمارات ودول أخرى، في غزة لإدارة القطاع بعد الحرب، كما صرح بذلك غانتس، مع اعترافنا بأنه من أكثر المسؤولين الصهاينة الذي طرح سيناريوهات لمستقبل غزة بعد الحرب، إذ لفت إلى هذه الضرورة، في مواجهة مع نتنياهو استعرت كثيرًا أثناء رحى الحرب، خاصة أن الأخير يرى أن بلاده وحدها التي ستدير القطاع.
لم يقف ليبرمان عاجزًا أمام غانتس، بل بين الفينة والأخرى يطرح سيناريوهات مستقبلية لغزة، إذ طالب بمنحها لمصر وإعطاء الضفة الغربية لإدارة أردنية، بالتوازي مع رغبات صهيونية متكررة بضرورة وجود آلية مدنية فلسطينية بمشاركة مصر ودول عربية معتدلة لغزة ما بعد الحرب.
7- الجيش «الإسرائيلي» نفسه:
الثابت أنه من بين الخطط الصهيونية لغزة إبقاء الجيش «الإسرائيلي» لفترة داخل القطاع، وعدم الانسحاب منه لسنوات مقبلة، كما تنقل دومًا «هيئة البث الإسرائيلية» عن مسؤولين سابقين وحاليين بالجيش الصهيوني، الذين يطالبون بإقامة منطقة عازلة بطول الجدار الفاصل بين القطاع وبلادهم، واستمرار سياسة الاغتيال الانتقائي لقيادات وعناصر ونشطاء المقاومة الفلسطينية في غزة.
8- قوات حفظ سلام:
قبل أيام، أكد غالانت، وزير الحرب، مناقشته خلال زيارته لواشنطن، أنه بعد انتهاء الحرب في غزة لن تحكم «إسرائيل» أو «حماس» القطاع، بل ستحكمها «سلطات محلية بديلة»، دون توضيح ماهية هذه السلطات المحلية، أو ممَن تتكون، وذلك بالتوازي مع اقتراح البنتاغون الأمريكي تمويل قوة متعددة الجنسيات أو فريق فلسطيني لحفظ السلام، يتشكل أغلبه من الفلسطينيين.
ومن هنا، تعددت واختلفت الخطط الصهيونية لمستقبل غزة بعد الحرب، حيث تكالب المسؤولون «الإسرائيليون» على التصريح بهذه السيناريوهات، بيد أن رفض مصر لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وتواصل قوة المقاومة واشتداد عودها في غزة، قد حالا دون تنفيذ العديد من تلك السيناريوهات، إذ يمكننا القول: إن «تل أبيب» تلقي ببالونات اختبار لمعرفة رد فعل المقاومة والدول العربية والإسلامية حيال تلك المخططات الشيطانية؛ غير أن المقاومة، فعليًا، هي التي ستحدد مستقبل غزة ما بعد الحرب على القطاع.