طفرة وقفزة معمارية كبيرة حدثت في دول الخليج العربي في الحقبة الزمنية الأخيرة، خاصة بعد اكتشاف النفط، ومنها الكويت، لتختلف معالمها وتتبدل تماماً.
وبما أن الأجيال الحالية لا تعرف معظم هذه التفاصيل عن ماضيها وشكل البيوت والتراث الشعبي القديم، وحرمتها الحياة الحديثة من معرفة الكثير من الأصالة في شكل منازل الأجداد وطبيعة الحياة بها، يقدم هذا الكتاب المبسط صورة تفصيلية لتلك الحياة في محاولة لإحياء التراث والروح الطيبة لمن عاشوها.
والكتاب مصحوب بمجموعة من الصور التوضيحية الرائعة التي تقرب المعنى المراد توصيله، فيعيش القارئ وكأنه يراها رأي العين، وهناك 3 معالم رئيسة للبيت الكويتي القديم يقدمها الكتاب نعرضها في السطور التالية:
أولاً: البيت من الخارج:
انقسمت الكويت القديمة إلى فرجان (جمع فريج) التي لا يخفى أنها أتت من كلمة «فريق» العربية، وهذا يدل على أن التسمية أصلاً كانت تعني المجموعة أو الفريق الذي يسكن سوياً في بقعة واحدة، ويشكل فريقاً متجانساً بسبب الجوار أو التعارف السابق، ثم انتقلت هذه التسمية إلى المكان كله بما فيه من مبان ومرافق وسكان، والفريج مستوطنة لها حدود متعارف عليها وبها سكان متعارفون متآلفون يعيشون متجاورين، يعاون بعضهم بعضاً، يجمعهم المسجد والديوانيات، وتضم أبناءهم المدارس وساحات اللعب.
ولقد كانت مساحات تلك البيوت صغيرة، ولكنها كانت تحوي العدد الكافي من المرافق التي تسد حاجة سكانها، وكانت الطرق ضيقة وغير مرصوفة، ولكن ذلك الزمان لم يكن به سيارات، وكان أبناء الفريج يعيشون كأسرة واحدة وحتى في السفر كانوا يجتمعون على سفينة واحدة، وكانوا يرتبطون بأبناء الفُرج المجاورة ويتبادلون الزيارات وتجمعهم مناسبات مختلفة من خلال الديوانيات، وأما ما يحيط بالحياة خارج البيت:
– المدرسة الأهلية: ويديرها الملا الذي كان يقوم بتدريس القرآن الكريم والقراءة والحساب.
– الديوانية: وهي مكان لقاء أبناء الفريج مع أبناء الفرجان الأخرى.
– السوق: وهي مجال لعمل البعض ومجال قضاء مصالح لآخرين.
– البحر: وكان الرئة التي يتنفس بها الكويتيون، ويقومون بالصيد البحري.
– البر: وفيه متنزهاتهم؛ حيث يقضون فيه فترات من أيامهم وبخاصة في فصل الربيع ليصطادوا الطيور.
ثانياً: ما يحويه البيت من احتياجات أهله:
في الفريج غالباً توجد حفرة يهتم بصنعها الأهالي لتتجمع فيها السيول في موسم الأمطار، وحتى لا تتهاوى بيوتهم المبنية من الطين بسبب مياه السيل، وفي كل فريج أيضاً يوجد بائع أو بائعة «الباقلا» حيث يستمد منه الأهالي هذا النوع من البقول للخبز مرتين يومياً لمن لا يقوم بالخبز داخل بيته، وكان يسمى الخبز الخمير.
وأما ما يحتويه البيت لحاجة أهله:
– ثياب الرجل وملابسه؛ ومنها: الباركوت؛ وهو معطف طويل، والبالطو وهو معطف قصير، والبشت؛ وهو كساء واسع من الصوف، والجوتي؛ وهو الحذاء، والدشداشة؛ وهي لباس الرجل في الكويت، والزبون؛ وهو جلباب رجالي، والعقال؛ وهو جديلة من الصوف أو الحرير مقصب دائرية الشكل، والغترة؛ وتشكل مع العقال زي الرأس للرجل الكويتي، أما ثياب المرأة وملابسها فمنها: البخنق؛ ويصنع من القماش الخفيف، والثوب؛ وهو رداء نسائي فضفاض ترتديه المرأة فوق ملابسها الخارجية، والقبقاب؛ هو حذاء خشبي مكشوف.
– المواد المستعملة في المأكل؛ ومنها: الباجلا أو الفول والبصل والساقو والعيش (الأرز)، واللوبيا والنخي (الحمص)، وأما المشروبات فمنها الشاي والبيذان واللومي والقهوة، وأي تكريم للضيف بدون القهوة لا يعد تكريماً، وأما التوابل فكانت خلطة البهارات الكويتية المتميزة وهي عبارة عن 10 أنواع من البهارات.
وكان البيت الكويتي القديم يتسم بالبساطة في البناء، حتى إن الكثيرين من الذين عاشوا فيه ما زالوا يفضلون الحياة فيه على فنون العمارة الحديثة، يتكون البيت من حوش فيه عدد من الغرف، وكلما اتسعت مساحة البيت زادت أحواشه حسب إمكانات المالك، وكانت البيوت عادة في معظمها لمتوسطي الحال تتكون من 3 أحواش، هي: حوش الديوانية؛ وهو للرجال واستقبال الضيوف، وحوش الحرم لأهل البيت والنساء، وحوش المطبخ والغنم.
ثالثاً: المفردات:
– المبنى: ويبدأ بقفل الباب؛ وكان يسمى أبو رمانة، والإحجا؛ وهو جدار طيني يحيط بالسطح من الجهات التي تطل على الطريق والجيران، والأدب؛ وهو بيت الخلاء، والباب الخارجي؛ وهو المدخل الرئيس للبيت وشكله يدل على المكانة الاجتماعية لصاحب البيت، والباب الداخلي؛ وهو باب خشبي يستعمل على كل غرفة من غرف البيت المطلة على الحوش، والبارية؛ وهي نوع من الحصير المنسوج للجلوس عليه، والباقدير؛ وهو برج يقام فوق الأسطح وبه فتحات لتهوية غرفات الرجال، وكل بيت كان يوجد به «بركة»؛ وهي حفرة لحفظ المياه العذبة، كذلك كان يوجد تنور بكل بيت وغالباً يكون مصنوعاً من الفخار أو الطين، والجليب؛ وهو البئر ويوجد في حوش المطبخ لتخزين الماء.
– مواد البناء: كان يستخدم أحياناً الأسمنت ويسمى الصاروج، والباسكيل؛ وهو من أعواد البمبو ويستخدم في تسقيف البيوت، والبوه؛ وهو القش يخلط مع الطين المعد للبناء لتزيده متماسكاً، وجذوع النخل؛ وتستعمل في سقوف المنازل قبل استخدام الخشب، والحشرج؛ وهي نوع من الصخور للبناء الحجري.
– أدوات المطبخ: كان يوجد البريموس؛ وهو موقد نحاسي متفاوت الأحجام ويعمل بالكيروسين، التاوة؛ وهي صفيحة من الحديد السميك تستخدم في إنضاج خبز الرقاق، الجنكال؛ وهي شوكة الطعام وعرفتها المائدة الكويتية في حدود ضيقة، والجولة؛ وهي موقد صناعي يشعل بالكيروسين، والسعف؛ وهو جريد النخل وكان يستعمل في الوقود، والصفرية؛ وهي قدر نحاسي تستخدم في الطبخ في الولائم، والمشخال؛ وهو وعاء نحاسي به ثقوب لتصفية الأرز بعد سلقه.
– الأواني؛ ومنها: الأجحلة؛ وهي جرة فخارية لحفظ الماء، والإستكانة؛ وهي قدح زجاجي صغير للشاي، والبادية؛ وهي وعاء من الصيني أو الألمونيوم، والبقشة؛ وهي صرة الملابس، والخاشوقة؛ وهي الملعقة وقد تكون من المعدن أو الخشب، والدلة؛ وهي وعاء من النحاس لإعداد القهوة، والرحا؛ وهي طاحونة لجرش الحبوب.
– الكماليات والمفروشات التي تميز بها البيت الكويتي القديم: إغداء؛ وهي عصا تعلق عليها الملابس، والبساط؛ وهو نوع من الفرش ينسج من الصوف، وبلنك؛ وهو سرير خشبي يرتكز على 4 قوائم، والتريك؛ وهو المصباح اليدوي، والتفك؛ وهي البندقية التي كانوا يستعملونها في الدفاع عن أنفسهم، والجاعد؛ وهي جلد صغار الخراف وتتخذ للجلوس عليها، وسجادة الصلاة ولم يخل منها بيت كويتي قديم.
– أدوات النظافة: إبريق؛ ويستخدم لغسل الأيدي والوجه وللوضوء، وإسفينيك؛ وهو المعروف اليوم بالفينيك؛ وهو مادة مطهرة، وإمغسل؛ وهو وعاء من النحاس ذو شكل دائري، وطين خاوة؛ وهو طين لونه أخضر فاتح يستخدم كصابون للغسل، والمخمة؛ وهي المكنسة.
– العطور وأدواتها: حِق بكسر الحاء؛ وهو وعاء خشبي مستدير يستخدم لحفظ البخور، والعنبر وهو مادة عطرية شمعية الشكل.
– الماشية المنزلية وأعلافها: كان الكويتيون يقومون بتربية الأبقار والأغنام داخل المنازل حيث يخصص لها مكان بجوار المطبخ، وكانت تتغذى على الأعشاب التي تنبت في البر فتنقل بكميات كبيرة إلى المدينة وتباع في ساحة الصفاة لتقدم علفاً للماشية وتخزن بكميات تكفيها طوال العام.
إن هذا الوصف هو حال البيت الكويتي متوسط الحال، فليس هو ببيت الفقراء ولا ببيت علية القوم في ذلك الزمان وهو الأكثر شيوعا وقتها، حيث كانت هناك بالطبع فروق اجتماعية ككل زمان يختلف فيها طابع البناء والمستوى الاجتماعي في بيت عن آخر من حيث الأدوات المستخدمة في البناء والأدوات الداخلية زيادة ونقصاناً.
__________________________
(*) مجموعة مؤلفين:
1- محمد علي الخرس، باحث في التراث الشعبي.
2- مريم راشد العقروقة، باحثة في التراث الشعبي.
3- حرره وراجعه د. يعقوب يوسف الغنيم.