يواجه الطفل العربي، في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، تحديات جسيمة، لا تقارن بما كان يلاقيه أقرانه في القرن الماضي، أو قبل نحو 5 عقود.
ولا يمكن بحال من الأحوال المقارنة بين تحديات الماضي وأخطار الحاضر، التي تتشكل من آلة إلكترونية ضخمة، مدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتطور الهائل في وسائل التواصل، وحالة الانفتاح اللامحدود في العالم الافتراضي، والسماوات المفتوحة.
لنعد إلى الوراء قليلاً، حين كان الطفل العربي، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، يشب من الأساس بين 3 وسائط تربوية؛ هي: الأسرة، والمدرسة، والمسجد، مدعومة بحالة انضباط أخلاقي في الشارع، وإعلام راق، وتعليم على مستوى عال من الجودة.
بالإضافة إلى ذلك، أجواء الصحوة الإسلامية في عديد البلدان العربية، وانتشار ظاهرة «الكتاتيب»، وتنامي إنشاء المدارس والجمعيات ذات التوجه الديني، وظهور جيل جديد من الدعاة، وإنتاج الكثير من الأعمال الفنية الدينية، وسط تمدد واسع للحركات الإسلامية؛ سياسياً واجتماعياً.
لكن مع الألفية الثالثة، ووقوع هجمات 11 سبتمبر 2001م، والغزو الأمريكي لأفغانستان في العام ذاته، ثم غزو العراق في العام 2003م، حدث تحول لافت وخطير، على كافة الصعد والمستويات، كان له تأثيره الحاد على المجتمعات العربية.
هنا تحديداً، كانت الأخطار والآثار السلبية التي خلفتها ما يسمى «الحرب على الإرهاب» التي أطلقتها الولايات المتحدة، مدعومة بتحالف دولي، شاركت فيه قوى عظمى، وقد فرضت في سياق ذلك ضغوطاً على الدول العربية، باتجاه تغيير مناهج تعليمها، وتزييف هويتها، وتمييع إعلامها، وتقييد أنشطة المنابع والمنابر والمنصات ذات التوجه الإسلامي.
آلة ثقيلة
في هذا السياق، كان لوسائل الإعلام ومواقع التواصل الدور الأكبر، ضمن آلة ثقيلة مدججة بقوى ناعمة، ووسائل حديثة، وتطبيقات إلكترونية، وعوالم افتراضية، وتسونامي من الجنس والإباحية والشذوذ والإلحاد والإدمان عبر الإنترنت، وقد تترس بلافتات الحرية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وغيرها من الشعارات الزائفة التي يراد بها الباطل.
ومع استعار الحرب الدينية والإعلامية والفكرية والثقافية والفنية، إضافة إلى الحرب العسكرية والاقتصادية، وما نتج من تداعيات خطيرة إثر إفشال ثورات «الربيع العربي»، بات الطفل العربي تحت وطأة ضغوط جديدة وتحديات جسيمة.
ربما، يمكن القول: إنه تم عن عمد إخراج الوسائط الثلاثة (الأسرة، المدرسة، المسجد) من دائرة التربية، أو لنقل بشكل أكثر دقة: إضعاف دورها بشكل كبير، وتفريغه من مضمونه، وفرض قيود عليها، باتجاه نقل العملية التربوية إلى الهاتف، والتلفاز، ومواقع التواصل، وما يصاحبها من تطبيقات فائقة التطور والتأثير.
لقد بات بإمكان الطفل أياً كان موقعه، أو عمره، أن يشاهد ما يريد بضغطة زر، أو أن يتواصل مع عوالم أخرى عبر تطبيقات عديدة، أو أن ينتقل إلى قمر أوروبي بـ«الريموت كنترول» للاطلاع على أحدث صيحات الموضة والأزياء، والهوس بعوالم الفن والكرة والجنس وغير ذلك.
تحديات جديدة
ازداد وضع الأطفال سوءاً ليس في العالم العربي فحسب، بل في أجزاء كبيرة من العالم، جراء تنامي الصراعات العسكرية، والحروب الأهلية، وانتشار جائحة كورونا، وتفاقم مشكلات الفقر والجوع والتغير المناخي، ما تسبب في فرض تحديات جديدة أكثر حدة.
أكثر من 30% من الأطفال في العالم النامي يعانون من سوء التغذية ونقص الوزن، إضافة إلى المعاناة من تداعيات الحروب، والأمية، والفقر، والاستغلال الجنسي، والتسول، والعبودية، والعمل القسري، بحسب الأمم المتحدة.
منظمة «حماية الطفولة» رصدت خلال عام 2021م 7 تحديات كبرى أمام الأطفال عالمياً؛ هي: الجوع، والعودة إلى المدرسة بعد عامين من التعليم المضطرب بسبب جائحة كورونا، والتغير المناخي، والتعايش مع الصراعات، وفقدان الحقوق الأساسية بدعوى مكافحة الإرهاب، والتهجير القسري، والوفاة.
وهناك تحديات فرضتها أنماط المعيشة في البلدان النفطية، ذات الدخل المرتفع، منها زيادة الرفاهيات، والتفكك الأسري، والطلاق، والإدمان، والعمالة المنزلية، من سائق وخادمة ومربية، من جنسيات وديانات مختلفة، ما تسبب في كوارث تربوية، وفرض تحديات خطيرة على الأسرة الخليجية والطفل الخليجي.
بالطبع، لكل بلد خصوصيته، فمثلاً التحديات التي تواجه الطفل المصري تختلف بالتأكيد عما يواجه الطفل الفلسطيني مثلاً أو السوري أو اليمني، وما يعانيه الطفل في بلاد النزاعات لا يقارن بحال قرينه في الدول المستقرة نسبياً، أو في بلدان الخليج.
لكن الحقيقة الماثلة على أرض الواقع أننا أمام قضية مصيرية تتعلق بمستقبل أطفالنا، أياً كانت التحديات والأخطار، وفق خصوصية كل مجتمع، وهوية كل بلد، مع وجود قواسم مشتركة، تتعلق بأن الطفل العربي، يواجه تحديات تتعلق بالهوية والانتماء والوازع الديني، والتخطيط التربوي، والتطور التعليمي واللغوي، والجودة المجتمعية، والممارسة الديمقراطية، وغيرها بما ينعكس عليه جسدياً وعقلياً ونفسياً وذهنياً وتربوياً.
لسنا بصدد الحديث فقط عن مأكل ومشرب وملبس ومسكن لائق لكل طفل، بل نحن معنيون بتربية طفل سليم جسدياً، سوي نفسياً، واع دينياً، ناضج عقلياً، متطور فكرياً، حتى ينهض بنفسه ووطنه وأمته.