يسهم الاستغفار في تحقيق العديد من الفوائد في الدنيا والآخرة، ومن هذه الفوائد:
أولاً: التمتع بالطيبات:
قال الله تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) (هود: 3)، وقال عز وجل: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود: 52)؛ أي إذا آمنتم بالله واستغفرتموه، أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد(1)، وهذه من الطيبات.
ثانياً: تلبية الاحتياجات:
روى أبو داود، وابن ماجه، عن عبدالله بن عباس قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ».
وقد كثرت حكايات الصالحين في هذا المقام، فأحدهم عاش سنين من غير ذرية ثم لزم الاستغفار فرزقه الله الولد، وآخر نسي إجابة سؤال فلزم الاستغفار فألهمه الله الإجابة، وأحدهم أراد أن يبيع سلعته، فأبطأت عليه، فلزم الاستغفار، فبيعت، وأحدهم غضبت زوجته، فلزم الاستغفار، فهدأت.. إلى غير ذلك من مواقف قضاء الحاجات.
ثالثاً: سعة الرزق ووفرة العطاء:
قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً {10} يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً {11} وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً) (نوح)، قال الإمام الشعبي: خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع فأمطروا فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) إلى آخر ذلك.
وشكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال: استغفر الله، وشكا آخر إليه الفقر فقال: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بساتينه، فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك، فقال: ما قلت من عندي شيئًا إن الله تعالى يقول في سورة «نوح»: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) إلى آخر ذلك(2).
رابعاً: الاقتداء بالأنبياء والمرسلين:
هذا سيدنا آدم عليه السلام وزوجته حواء يقولان: (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف: 23)، وهذا سيدنا نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) (نوح: 28)، وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقول: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء: 82)، وهذا سيدنا موسى عليه السلام يقول: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأعراف: 151)، ويقول: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) (القصص: 16)، وهذا سيدنا يونس عليه السلام: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء: 87)، وقد أمر الله سيدنا محمداً بالاستغفار فقال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) (محمد: 19)، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداوم على الاستغفار ويحث عليه، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، استغفروا الله وتُوبُوا إليه، فإنِّي أستغفر الله وأَتُوبُ إليه في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً»، وفي رواية: «فإنِّي أَتُوبُ في اليَومِ إلَيْهِ مِئَةَ مَرَّةٍ».
خامساً: التحلي بصفات المؤمنين:
المؤمنون يستغفرون الله تعالى دائماً، حيث قال الله تعالى عن المؤمنين: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) (آل عمران: 17)، وقال عز وجل: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذاريات: 18).
سادساً: استجلاب رحمة الله:
الاستغفار يجعل العبد أهلاً لرحمة الله، ويدل على هذا قوله تعالى: (قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النمل: 46)، وقال عز وجل: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) (هود: 90).
سابعاً: رفع العذاب:
الاستغفار يسهم في رفع العذاب عن الناس، حيث قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33)، وقال عز وجل: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا) (الكهف: 55).
ثامناً: كفارة المجلس:
أخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ: سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ».
تاسعاً: سبيل إلى المغفرة:
يدل على هذا قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: 110)، وقوله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) (النساء: 64)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى: يا ابنَ آدمَ، إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ لو بلغت ذنوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتَني غفرتُ لَكَ، ولا أبالي، يا ابنَ آدمَ إنَّكَ لو أتيتَني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتَني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيتُكَ بقرابِها مغفرةً»(3)، وما رواه مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ، فَيَغْفِرُ لهمْ».
عاشراً: سبيل إلى دخول الجنة:
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {135} أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران)، وفي صحيح البخاري عن شداد بن أوس قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ الِاسْتِغْفارِ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي؛ فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ»، قالَ: «ومَن قالَها مِنَ النَّهارِ مُوقِنًا بها، فَماتَ مِن يَومِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ومَن قالَها مِنَ اللَّيْلِ وهو مُوقِنٌ بها، فَماتَ قَبْلَ أنْ يُصْبِحَ، فَهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ»، وأخرج الطبراني والبيهقي عن الزبير بن العوام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أَحَبَّ أن تَسُرَّه صحيفتُه، فَلْيُكْثِرْ فيها من الاستغفارِ»، وأخرج البيهقي عَن عائشةَ رضي اللَّه عنها قالَت: «طوبى لِمن وجدَ في صَحيفتِهِ استغفارًا كثيرًا».
فإذا كان للاستغفار هذه الفوائد العظيمة؛ فما أحرانا أن نداوم عليه في الشدة والرخاء، وعند العافية والبلاء، وفي الصباح والمساء، بل في كل الأوقات، حتى يكتب الله لنا أجر المستغفرين في الدنيا والآخرة.
_____________________
(1) تفسير الطبري (15/ 359).
(2) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، القسطلاني (9/ 174).
(3) أخرجه الترمذي (3540) واللفظ له، وأحمد (13493).