لفت نظرها منظر الناس وهي تمشي في الشوارع مكممة الفم والوجه بـ«الكمامة» التي لبسها الجميع بأمر القانون الذي يعاقب من يخالفه ويخلعها، كانت تنظر إلى الناس وهم في هلع وخوف من الاقتراب من بعضهم بعضاً مع أنهم يلبسون الكمامة! فقد كان فيروس «كوفيد» المنتشر آنذاك عنيفاً عنيداً ينتظر لحظة ضعف من البعض في مخالفة الأوامر بخلع الكمامة عن الوجه؛ لينقض عليهم كالوحش المفترس الذي قد يودي بحياتهم، فعرفت أن في عدم المخالفة خيراً كثيراً ووقاية لها ولغيرها، وكما يقال: إن الوقاية خير من العلاج.
دول أوروبية تتشدق بالحرية وحقوق الإنسان تمنع المسلمة من ارتداء الحجاب وتعاقبها على النقاب!
تأملت ذلك وقد ذكَّرتها تلك الكمامة بالطبيب حين يلبسها هو الآخر مع ملابس العمل، يغطي معها شعر رأسه وكفيه عند إجراء جراحة ما لمريضه؛ حتى لا يؤذيه أو يضره، وحتى لا يؤذَى هو الآخر، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
وتعجبت من حال بعض الناس حين لا ينكرون ذلك وقد أصبح أمراً واقعاً تقبلوه ولم يعترضوا عليه أو يصفوه بتخلف أو رجعية، بينما ينكرون على المسلمة أن تغطي شعرها امتثالاً لأمر ربها وتستر جسدها طاعة له وحفاظاً على نفسها ومجتمعها!
بل يصل الأمر في بعض الدول الأوروبية التي بينما تتشدق بالحرية وتأخذ بالديمقراطية، وتدّعي رعايتها لحقوق الإنسان، وتطلب المساواة للمرأة بالرجال، لكنها مع كل ما تدَّعيه من هذه الشعارات البراقة والكلمات الرنانة، تمنع المسلمة من ارتداء الحجاب، ولبس العباءة، وتعاقبها على النقاب إذا غطت وجهها، وتحرمها من المشاركة في الأنشطة الرياضية ما لم تخلع حجابها! ولو كان منديلاً مربعاً صغيراً تستر به شعرها! فلماذا هذه الحرب المستعرة على حجاب المسلمة، ولماذا يؤرقهم هذا المنديل الصغير ويضج مضاجعهم؟! ألا يدعو ذلك للعجب؟!
المرأة المسلمة وحقوق المرأة
لقد زعم أقوام أن للمرأة الحق في حريتها والمساواة بالرجل، وتعالت الأصوات تهتف تطالب بذلك، فدافع البعض عمن تخرج عن دينها فتتركه، أو تخلع حجابها وترفضه، أو من تتمرد على والديها وأسرتها، ومن تتجرد من ملابسها وتحلق شعر رأسها أو تزيله، وقالوا: إنها حرة، وإن هذه حرية! فلماذا لا يقال ذلك عن المسلمة حين ترغب هذه المسلمة في التمسك بدينها وتصر على حجابها فتظهر إسلامها وهويتها به؟! ولماذا تُضطهد في عملها وتُساء معاملتها وتُهان لأنها مسلمة؟ ولماذا تُحرم من حقوقها لأنها محجبة؟ أليست هي الأخرى حرة، أم أن الحرية مقصورة على الجميع إلا هي؟!
المرأة المسلمة حرة لكنها لا تخرج على أوامر ربها حفاظاً عليها وعلى المجتمع
وهل نالت المرأة حريتها حقاً وهي في كل مكان الضحية الأولى للحروب المستعرة والصراعات المسلحة، محرومة من الأمن والأمان، ثكلى في فقْد زوجها أو أولادها وذويها، وبيتها ومسكنها؛ وتكون مطمعاً للذئاب البشرية التي لا ترحم، وإن منهم لمن يتشفى من المسلمين ويخرج حقده الدفين على الإسلام فيتجرأ على الله عز وجل وينزع عن المسلمة حجابها تنكيلاً بها وإذلالاً لها؟!
الحرية في الإسلام
إن الحرية في الإسلام مكفولة للجميع، وهي حرية لها ضوابط تضمن لها الاستمرار، وتحفظ الإنسان من الإضرار بغيره ومجتمعه بحجة أنه حُر، لذلك فإن حرية المسلم مشروطة بموافقة الشرع وعدم مخالفته، فللمسلم أن يأكل ما شاء من الأطعمة ما لم تكن مما حرمها الله تعالى، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (البقرة: 168)، وكذلك في المشرب والملبس، وقد جعل الله تعالى دائرة المباح كبيرة واسعة تغني عن الوقوع في المحرم.
والمرأة المسلمة حرة كذلك لكنها لا تجعل من حريتها سبباً في الخروج على أوامر ربها سبحانه وتعالى، وقد ميزها الله تعالى بحجابها؛ حفاظاً عليها وعلى المجتمع، فلها أن تلبس ما تشاء بشرط ألا تخالف أمر الله في شروط لباسها، فهي مأمورة بالحجاب وهو فريضة عليها، وقد قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً) (الأحزاب: 36)، فلا يحل لها أن تُظهر شعرها ولا شيئاً من جسدها لغير محارمها امتثالاً لأمر الله: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31)، ومما جاء في تفسير قوله: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أنه الوجه والكفان، أما الخُمُر فهي جمع خمار، وهو ما يخمر به؛ أي: يغطى به الرأس على النحر والصدر، فلا يُرى منه شيء، ليسترن بذلك شعورهنّ وأعناقهن وقُرْطَهُنَّ. (انظر: تفسير الطبري، وابن كثير).
أنت مسلمة
لقد شرفك الله بالإسلام وجعلك لؤلؤة مصونة بالحجاب، فكلفك به وأمرك بالحفاظ عليه، فهو علامة إسلامك ورمز تميزك واستعلائك عن اتباع الأهواء، أنتِ به داعية إلى الله عز وجل دون أن تتكلمي بكلمة واحدة، فتمَسَّكي به، ونافحي عنه وطالبي بحقك في لبسه، ولا يصدنك عنه قطَّاع الطريق من شياطين الإنس والجن المنتشرين في الأرجاء، الذين يزينون المعاصي ويكثرون من الأماني، ويصدون عن سبيل الله.
أنت مسلمة جعلك الله مربية للصالحين فلا تميلي عن طريق الله ولا تداهني مَن يعاديه
أنت مسلمة جعلك الله تعالى مصنعاً للرجال والأبطال المغاوير، ومربية للعباد الصالحين، وداعية إليه بثباتك، فلا تميلي عن طريق الله ولا تداهني مَن يعاديه على طول الطريق، بل كوني قوية وتمسكي بدينك، وحجابك، ولا يغرنك قلة السالكين، فإن الطريق طويل والزاد يحتاج للزيادة، والموعد الحوض، وفي الجنة الملتقَى، فشمري لها ولا تضعفي.
أنت مسلمة، حجابك لا يخضع لهوى نفسك لأنك اخترت الله ورسوله والدار الآخرة، اختاري منه ما تشائين دون أن تتجاوزي شروطه، فحجابك كما ذكر العلماء يجب أن يكون واسعاً فضفاضاً لا يصف تفاصيل الجسد ومواطن الفتنة فيه، صفيقاً لا يشف عما تحته، غير زينة في نفسه، وليس معطراً ولا ثوب شهرة، فهو حجاب متميز في نفسه، وفي أثره، وفي الثواب المترتب على التزامك به، لأن الله تعالى هو الذي أمرك به، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الأحزاب: 59)، وأبشري أيتها المسلمة المطيعة الثابتة على أمر الله، أبشري بالفوز والأجر العظيم.