شتان بين واقع المرأة على شاشات التلفزة العربية، والمرأة في فلسطين الأبية، وشتان بين نساء يسرن على طريق التغريب والنسوية، وأخريات ينشدن النضال والجهاد والفضيلة.
هذا التناقض يفرض نفسه على مائدة الحديث مع عدد من العلماء التقت بهم «المجتمع» في محاولة للبحث عن مقومات نساء عصر النهضة المنشودة، ومتطلبات ذلك، حتى لا يكن، ونحن معهن، غثاء كغثاء السيل.
في البداية، يؤكد د. رمضان حسان، عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، أن المرأة حجر الزاوية أو عمود الخيمة في رقي ونهوض أي مجتمع أو انهياره؛ أي إنها ليس مجرد سقط المتاع أو جسد الهدف منه إمتاع الرجل والحمل والولادة، بل إنها مكرمة كالرجل تماماً ضمن التكريم الإلهي الشامل في قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70).
المرأة حجر الزاوية الرئيس في مشروع نهضة الأمة
ويضيف أن المرأة تؤدي دوراً رئيساً في استعادة النهضة المنشودة، فهي صاحبة رسالة في نفض غبار التخلف من خلال حسن تربية أبنائها وبناتها، وغرس الوعي الديني والحضاري بالماضي المجيد للأمة حين سادت العالم.
الموبقات الثلاث
وترى د. نهلة أنيس، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، أن افتقاد المرأة المسلمة حالياً للقدوة الحسنة سبب في تردي أوضاع أمتنا، فواقع المسلمات يؤكد أن غالبيتهن فريسة لثلاث موبقات؛ أولها: الاقتداء بالمرأة الغربية واتباع تعاليم المنظمات النسوية العالمية التي تعمل على تنفيذ سموم اتفاقية «سيداو» التي تخلع المرأة من دينها تماماً، وتحولها إلى مصارع ومنافس للرجل في حلبة الحياة وعليها ترويضه واستعباده ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
وتضيف: ومن يتأمل التحولات التي حدثت في كثير من تشريعات الدول العربية والإسلامية سيجدها -للأسف- تسير في هذا الاتجاه، حتى إن بعض الدول التي كانت ترفع شعار أنها تطبق الشريعة تحولت للسير في قافلة التغريب إرضاء لليهود والنصارى، بل الملحدين، مع أن سبحانه وتعالى أخبرنا بحقيقة موقفهم منا فقال الله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة: 120).
أما الحالة الثانية من الموبقات الثلاث للمسلمة المعاصرة، فهو العيش في حالة التطرف الديني الذي يسيء للإسلام والمسلمين، والمرأة هنا وسيلة لتدمير الإسلام من داخله والتنفير منه، وإعداد أجيال المتطرفين والإرهابيين الذين يقدمون خدمة ذهبية مجانية لأعداء الإسلام للطعن فيه، والغريب أن الحقائق تؤكد أن كثيراً من هذه المنظمات عميلة للأعداء ويتم استخدامها سواء عن عمد أو جهل، بحسب أنيس.
النسوية والتغريب من أشد الأخطار على المسلمات
تواصل حديثها لـ«المجتمع»، مشيرة إلى الموبقة الثالثة التي تعيش فيها المسلمات وتتعلق بحالة التوهان والضياع والإحباط، ما يجعلها تربي أجيالاً أبسط ما يمكن وصفهم بأنهم «إمعة»؛ وهي الحالة التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا تَكونوا إمَّعةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساؤوا فلا تظلِموا».
وأنهت د. أنيس كلامها مؤكدة أن الأمة تنهض حين تؤدي النساء المسلمات دوراً حقيقياً في النهضة، وأن تكون أمهات المؤمنين والصحابيات والصالحات هن القدوة والمثل الأعلى لهن، وليس شيطانات الإنس من الفنانات العاريات المفتونات بالمرأة الغربية التي نجحت في تغيير قوانين بلادها لإباحة الشذوذ تحت مسمى حرية الإنسان في جسده، بعيداً عن تعاليم الأديان أو حتى الفطرة السوية.
صانعة الرجال
تؤكد د. هيام صابر، أستاذ الدراسات النفسية بكلية البنات بجامعة شمس، أن المرأة المسلمة «صانعة الرجال» الأقوياء والطائعين لله ورسوله، ولهذا فإنها الركيزة الأساسية في النهضة المنشودة التي تعيد للأمة عزتها، ومن جميل ما قيل عن دورها «الأم صانعة الأمة»، فهي الأم والزوجة والأخت والابنة، فهي نصف المجتمع عدداً وصانعة النصف الآخر.
الأم صانعة الأمة.. والوعي الديني والحضاري ركيزة أساسية
وتشدد د. صابر على ضرورة نشر الوعي الديني والتربوي والنفسي بين أمهات عصرنا لتغرسه في أولادها وبناتها، وأن تشعر أنها صاحبة رسالة، ومسؤولة أمام الله تعالى عما استرعاها إياه ضمن الحديث الجامع: «.. والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا».
وتطالب باتخاذ العديد من الخطوات لتحقيق هذا الهدف، أهمها وضع إستراتيجية دينية تربوية نفسية ينشرها الإعلام ووسائل التثقيف في حياتنا ليعرفها الآباء والأمهات ويحرصوا على تربية أبنائهم وبناتهم على أنه لا صلاح للدنيا إلا بصلاح الدين، وأن يتم تغيير مناهجنا الدراسية لتحقيق هذا الهدف بدلاً من المناهج التي ترسخ للتغريب والتبعية، وأن يتم غرس الانتماء والاعتزاز بالدين والوطن وأنه لا عزة للمسلمين إلا بهما لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون: 8).
وأنهت د. صابر كلامها مؤكدة أن البناء النفسي والاجتماعي والتربوي، وقبل ذلك الوعي الديني الذي يعد البداية الحقيقية لنهضة أي أمة، فليس بالعلم وحده تتقدم الأمم، وإنما لا بد أن يكون الدين بما يتضمنه من قيم وأخلاق ملازماً للنهضة العلمية.