تأتي أهمية الكتابة في تطور المقاومة، للمرور على محطات مفصلية في كفاح الشعب الفلسطيني، بدءاً من انتفاضات يافا والبراق في العشرينيات، مروراً بثورة القسام في الثلاثينيات، وصولاً للمواجهات التي خاضها الفلسطينيون ضد العصابات الصهيونية قبيل وبعد احتلال فلسطين، ثم إعلان دولة الاحتلال في أواخر الأربعينيات، وما تبعها من بدايات الثورة المعاصرة خلال عقدي الستينيات والسبعينيات وما قدمته من بلاء حسن في مواجهة جيش الاحتلال.
وتأتي أهمية الكتابة في التطور التاريخي للمقاومة للتعرف على طبيعة الأسباب التي جعلت الفلسطينيين ينطلقون في مقاومتهم بعد 20 عاماً على الاحتلال «الإسرائيلي» للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، والتطرق لقدرة المقاومة على الخروج من الضربات القاسية التي وجهت لها بين حين وآخر خلال سنوات الانتفاضة، خاصة حملات الاعتقالات والإبعاد والتصفيات الجسدية، ووصل العدو لقناعة حقيقية تتمثل في فشل محاولاته لإنهاء المقاومة، مكتفياً بالحد من فعالياتها وإعاقتها.
ورغم ما حققته المقاومة خلال انتفاضة الحجارة من إنجازات تاريخية خلال فترة زمنية وجيزة، فقد بقيت إشكاليات حقيقية اجتهد الباحثون في الإجابة عن بعضها خلال سنوات الانتفاضة السبع، وهو ما وضعه الكاتب الفلسطيني د. عدنان أبو عامر في كتابه «تطور المقاومة في فلسطين من الهزيمة إلى الانتفاضة (1967-1993م) –صدر قبل نحو عام- ضمن أهدافه للإجابة عنها، ومن هذه الإشكاليات: هل كان انطلاق المقاومة خلال الانتفاضة أمراً عفوياً حدث بإرادة شعبية بحتة، ليس لقوى المقاومة دور فيها، أم كان مخططاً لها؟
اتبع الكاتب المنهج التاريخي بشقيه الوصفي والتحليلي، فركز على الجانب التحليلي بصورة معمقة بما يخدم فكرتها وأهدافها، مبتعداً عن الجانب السردي، إلا بالقدر اللازم لتوضيح بعض الجوانب في متنها.
واستعان بوثائق أرشيفية، خاصة بمختلف أطراف المقاومة، إضافة للبيانات العسكرية الصادرة عن جيش الاحتلال، والتقارير الصحفية التي صدرت تباعاً عن وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية و«الإسرائيلية»، والاستعانة بمجموعة قيمة من المصادر العربية، والأجنبية المترجمة، وأخرى بلغاتها الأصلية، مع الرجوع لعدد كبير من التقارير والدراسات التي نشرت في دوريات تاريخية وسياسية واجتماعية وعسكرية.
فصول الكتاب
ضمّ الكتاب 4 فصول، إضافة لتمهيد تاريخي، ومقدمة وخاتمة، حيث بدأ الكتاب بتوطئة تاريخية عن تاريخ المقاومة في فلسطين، بإعطاء لمحة تاريخية موجزة عن تطورها خلال القرن العشرين، خاصة المقاومة التي واجهت الانتداب البريطاني، ومرحلة حرب عام 1948م، وصولاً للاحتلال «الإسرائيلي» عام 1967م، ويتناول الفصل الأول انطلاق انتفاضة الحجارة، ويناقش أسبابها، معالمها، أهدافها.
يتطرق الفصل الثاني للتركيبة البنيوية للمقاومة خلال الانتفاضة على جميع الأصعدة، الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتنظيمية، وتقديم عرض مفصل للأجنحة المسلحة التي قادت المقاومة، ودورها في الدفع باتجاه تطوير مسيرتها، مع مقارنة تاريخية لطبيعة البنى المختلفة للمقاومة في مراحل سابقة.
فيما يركز الفصل الثالث الحديث عن المواقف السياسية للمقاومة، ومبادئها من مستقبل الانتفاضة، وتطوراتها السياسية، وتناول مواقف الأطراف الإقليمية والدولية من تطورها، المؤيدة منها والمعارضة، والمشاريع التي قدمتها لتحقيق أهدافها، مع استعراض لأبرز المواقف من المقاومة في تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر.
وينفرد الفصل الرابع بالحديث عن الفعاليات الميدانية للمقاومة، بإفراد مباحث لكل فعالية، بدءاً برجم الحجارة واستخدام المقلاع، مروراً باستهداف الجنود عبر الطعن والدهس، وصولاً لنصب الكمائن المسلحة وإطلاق النار على دوريات الجيش، وصراع الأدمغة الذي خاضته المقاومة مع المخابرات، وأسر الجنود والمستوطنين، وانتهاء بالعمليات الاستشهادية التي توجت عملها، مع عدم إغفال دور المقاومة الشعبية بمختلف أشكالها، وإفراد مبحث لوسائل المقاومة منذ بدايات الثورة المعاصرة في أوائل القرن العشرين.
يختتم الكتاب بتقديم تقييم موضوعي علمي لتطور المقاومة خلال انتفاضة الحجارة، من حيث قدرتها على إنزال الخسائر بالمحتل «الإسرائيلي» من جهة، ونجاحها أو إخفاقها بتحقيق مكاسب سياسية للفلسطينيين، ويورد الكتاب في نهايته عدداً من الملاحق المهمة، التي تناولت الإحصائيات الدقيقة لعمليات المقاومة، وأساليبها المتطورة، والخسائر «الإسرائيلية».