وأخيراً انطفئت الومضة، وأغطش الليل وهوي الكوكب الساطع وارتحل الشيخ أبو أيمن عصام العطار القامة السامقة، والقلعة الشامخة، والقائد الفذ والمفكر المسدد، والخطيب المفوه والشاعر الاديب، والداعية الموهوب علي حكمة وبصيرة و المجاهد المثابر والصابر المحتسب، صاحب العقل الراجح، والهمة المتوثبة والقدوة الصالحة والخلق الرفيع ،موطأ الأكناف خفيض الجناح، كريم العطاء ،صافي النفس ،نقي السريرة مهذب العبارة، باسم الثغر، هادئ الطبع، سمح السجية، يألف ويؤلف.
كان الأستاذ أبو أيمن امتداداً لجيل العظماء من قادة العمل الإسلامي المعاصر، ووضع بصمات مباركة لا تخطئها عين فاحصة، وترك أثراً مفعما بالحيوية في أجيال متعاقبة، وكان مرفوع الرأس، عالي الهامة لم ينحن لطاغية، بل صدع بالحق ولقي في ذلك من عنت الغربة المتوحشة واستهداف زوجته الشهيدة أم أيمن فما لانت له قناة ولا وهنت له عزيمة، بل واصل المسير وواجه المصير في جد، وعزيمة، وفضل، ومثابرة.
جسد نموذجاً نادراً من الوفاء لزوجته وأسرته وخلف في ذلك ميراثاً من النثر والنظم.
كان مرتفعا عن الخلاف، منصفاً لمخالفيه، يبسط يده لكل حوار هادئ وتعاون على البر والتقوى، ثاوياً يحمل هموم أمته ودعوته في سعي منبسط وأمل فسيح.
يا شام يا شام يا أرض المحبينا هان الوفاء وما هان الوفا فينا
نحيا على البعد أشواقا مؤرقة لا الوصل يدنو ولا الايام تسلينا
إنا حملناك في الأضلاع عاطفة وصورة من فتون الحسن تسبينا
إن موت الأكياس الأطهار هو نقص للأرض من أطرافها.
عفاء على دار رحلت لغيرها فليس بها للصالحين معرج
كدأب علي في المواطن قبله أبي حسن والغصن من حيث يخرج
ألا رحم الله حبيبنا الغالي وأستاذنا الأثير أبا أيمن وأسكنه فسيح جناته وتقبله في الصالحين وأنزله منازل الأبرار وأخلفه وذريته هادية وأيمن وأصحابه وتلامذته ودعوته ومحبيه والأمة خيراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.