تدعو الزكاة في الإسلام إلى العمل وتحارب البطالة، وذلك من خلال عددٍ من التعليمات التي تصاحب عملية الزكاة، ومنها:
أولاً: إخراج الزكاة من المال النامي إذا بلغ النصاب:
فيه تحفيز لصاحب المال على استثمار أمواله وتنميتها، وعدم حبسها، حيث إن حبس المال تعطيل لوظيفته في توسيع ميادين الإنتاج، وتهيئة وسائل العمل للعاملين، فالمال في حاجة إلى من يستعمله في التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو غيرها، وكلها مجالات للعمل الشريف، بعيدًا عن الكسل والخمول، وقد شجع الإسلام على بذل الجهد واستثمار المال من خلال التأكيد على أن الإنتاج الذي يتطلب جهدًا واستثمارًا؛ يتمتع بإعفاءات جزئية من الزكاة، بالمقارنة بالإنتاج الذي يستدعي جهداً واستثماراً أقل، وتلك هي الحال في الثروة الحيوانية، حيث لا تؤخذ الزكاة عن الحيوانات العاملة في الإنتاج كالحرث والسقي، ولا عن الأواني التي تعرض فيها السلع، ولا عن الأشجار المثمرة، كما أن الزكاة تفرض بنسب أقل في حالة الثمار المزروعة بالآلة، فتكون 5%، بينما تكون في الثمار المزروعة بالري الطبيعي 10%، وتكون الزكاة في أعلى نسبها وهي 20% في حالة الركاز والمعادن التي لا يتطلب إنتاجها جهداً، ويكون لذلك أبعد الأثر على تشجيع الاستثمار، وتوسيعه بحيث يشمل كافة المجالات اللازمة للمجتمع(1).
ثانياً: لا يأخذ من الزكاة إلا من كان عاجزًا عن الكسب:
منع الإسلام إعطاء الزكاة للفقير القوي القادر على الكسب، حتى ولو لم يكن مكتسبًا بالفعل، لأنه غني بكسبه، فصار كالغني بماله، وإذا كان الإسلام قد فرض الزكاة على المال العاطل، لأنه لا يشجع على التقاعد؛ فمن باب أولى العمل العاطل، لأنه يمثل خطرًا على المجتمع أكثر من المال العاطل، وفي هذا حث لكل قادر على العمل أن يسعى ويكتسب المال من عمل يده، فالأصل في المسلم أن يعمل ويكتسب ويسهم بكسبه في الدورة النقدية، وفي تغذية تيارها النقدي، والإسلام يعتبر العمل عنصرًا أساسيًا من عناصر الإنتاج، بل يجعل العمل ضرباً من العبادة، وقد يكون المسلم قوياً قادراً على الاكتساب، فيجتهد في السعي والعمل، إلا أنه قد يعجزه الطلب، فإذا كانت هذه حاله؛ فإن له حينئذ حقاً في أموال المسلمين، لأنه يعاني من البطالة الإجبارية(2)، فالعاطل لا يأخذ من مال الزكاة إلا إذا كان مجبرًا على عدم العمل، كأن يمرض أو يمنعه مانع قهري.
ثالثاً: توفير الأدوات اللازمة للعمل والاستثمار:
حيث يُعْطَى محترفٌ ثمن آلة حرفته وإن كثرت، وتاجرٌ يُعْطَى رأسمال يكفيه من مال الزكاة(3)، حتى يقيم نشاطه التجاري، فإن كان غنيًا واحتاج إلى توسيع تجارته وزيادة نشاطه؛ فله أن يأخذ من مال الزكاة قرضًا حسنًا، حيث يجوز تقديم القرض الحسن من مال الزكاة للتاجر، لتنشيط تجارته، على أن يقوم المقترض برد أصل الدَّين إلى تلك الجهة(4)، فالزكاة تقوم بدور الممول لكل صاحب حرفة أو تجارة حتى يعمل، ويزيد في الاستثمار ويوظف المال في دعم الاقتصاد القومي، حيث إن أموال الزكاة باندفاعها في عروق المجتمع تعيد إليه قوته النابضة، وتنشر في خلاياه أسباب القوة، فيقوم الغارم ليتاجر من جديد، وينهض الصانع بعد أن كان عجزه عن امتلاك أدوات الحرفة قد أقعده، كما تستفزُّ الزكاة كل كسول بليد فيسعى لتثمير أمواله، فلا يبقى من طاقات المجتمع طاقة عاطلة أو خلية متبلِّدة، ولا شك أن هذا التوازن من شأنه زيادة الدخل القومي(5).
رابعاً: زيادة الإنتاج بسبب القوة الشرائية الناتجة عن صرف الفقراء لأموال الزكاة:
حيث يؤدي إخراج الزكاة إلى زيادة الإنتاج، وذلك من خلال جعل فئة الفقراء والمساكين تساهم في تدوير عجلة الاقتصاد، فهؤلاء المستفيدون من الزكاة يجعلون معظم عائداتهم من الزكاة تتسرب إلى السوق على هيئة طلب فعال، مما يجعل المنتجين يزيدون من إنتاجهم لمواجهة الطلب المتزايد في معدلات الاستثمار والتشغيل والدخل القومي(6)، وبهذا لا يعاني المجتمع من تكدس السلع أو تعطل العمل، لأن الزكاة تسهم في تحقيق التنمية المستمرة، حيث إن الفعل المضارع في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) (التوبة: 103)، يفيد أن تكرار الزكاة سنويًا يجعلها وسيلةً فعالةً للإصلاح والتنمية الشاملة والمستدامة للمجتمعات في كل زمان ومكان، فثبت بما ذكرنا إعجاز شعيرة الزكاة في تحقيقها غايات ومفاهيم التنمية الشاملة بأفضل صورها العملية في الواقع، وبهذا يتبين أن الزكاة في الإسلام تتفوق بجدارة على مفهوم التنمية الشاملة في الفكر الإنساني الحديث، الأمر الذي يجعل الزكاة تعتبر بحق بوابة إستراتيجية للتنمية الحضارية الشاملة والمستدامة.
خامسًا: توفير فرص العمل من خلال الزكاة:
تسعى الزكاة إلى تهيئة فرص عمل لمن هم في سن العمل، وتأهيل العاطلين عن العمل بتمكينهم من القيام بمشاريعهم الصغيرة، وإقامة المؤسسات الاجتماعية والمشاريع الخيرية التي تشغل الأيدي العاطلة، وكذا مساعدة أصحاب الحرف والمهن لإقامة المشاريع الصغيرة، كي يتمكنوا من إشغال أنفسهم، وتشغيل غيرهم، مما يترتب عليه الحد من البطالة والتقليل من تداعياتها، وتحسين الوضع المعيشي والرفع من مستويات الدخل الفردي للفئات العاملة، وتنشيط سوق الشغل وانتعاش الاقتصاد والحد من الركود، وتؤثر الزكاة إيجابًا على عرض العمل بزيادة كل من الطلب الاستهلاكي والعرض الاستثماري، الذي يستتبع زيادة الطلب على اليد العاملة؛ فضلاً عن توظيف العاملين عليها الذين يتم الإنفاق عليهم من الزكاة، حيث يُشكِّل هؤلاء جهازًا متكاملًا من المختصين ومساعديهم، لكون تحصيل الزكاة وتوزيعها على مستحقيها يتطلب أعواناً كثيرين، فمنهم الجابي، والمحصي، والمؤتمن على أموال الزكاة، والموزع لها، ومن شأن هذه الدورة أن تخلق حيوية في توظيف اليد العاملة، ومنه القضاء الجزئي على معضلة البطالة.
والخلاصة أن الزكاة تسهم بدور فاعل في مواجهة البطالة وتنشيط الاستثمار من خلال حث أصحاب الأموال على الاستثمار، ودعوة الناس إلى العمل، والتنمية المستمرة، وتوفير الأدوات اللازمة لذلك.
___________________
(1) الزكاة، د. نعمت عبداللطيف مشهور، ص 278 – 280.
(2) انظر: الأموال، الإمام أبو عُبيد القاسم بن سلاّم، ص 666.
(3) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، الإمام مصطفى بن سعد السيوطي، (2/ 136).
(4) مفاهيم ومبادئ في الاقتصاد الإسلامي، د. شوقي إسماعيل شحاته، ص 42.
(5) الزكاة عبادة مالية وأداة اقتصادية، د. أحمد إسماعيل يحيى، ص 233.
(6) مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام، د. سعيد سعد مرطان، ص 183.