الصهيونية العالمية حركة سرية على غرار الماسونية نبتت من التلمود الرهيب، الذي هو مستودع شرور اليهود، وبدؤوا يضعونه بعد جمع أسفار التوراة بنحو قرنين، والتوراة أقفل بابه منذ 22 قرناً، بعد جمع الأسفار وتداولها والرجوع من بابل، وأما التلمود فهو الذي علا على التوراة بأساطيره الغريبة وفي التلمود البذور الشريرة كلها.
فظاهرة العنف قتلاً للنفس واقتلاعاً من الوطن وتدميراً للعمران ليست بجديدة على الصهيونية اليهودية، فقد أعادت كتابة التاريخ اليهودي وفسرته على أنه تاريخ تفوق واستكبار وطغيان، وهذه النظرة في كتابة التاريخ وتفسيره هي التي تربط بين «أسطورة ماسادا» و«طوفان الأقصى» حيث قُتل الفلسطينيون في وطنهم.
بذلك، فمنذ بداية ظهور العصابات الصهيونية على أرض فلسطين برعاية الانتداب البريطاني في بداية القرن العشرين أصبح واضحاً أن اليهود يؤسسون على أرض فلسطين مذهبهم التطبيقي في العنف والإرهاب، وتتحول تجربتهم الإرهابية إلى مثال نادر يتمسك بنظرية «عنف العصابات المنظمة المستندة إلى مقولات دينية محرفة».
نصوص من العهد القديم تأمر بالعنف والقتل
ومن جانب آخر، فإن هناك نصوصاً كثيرة من أسفار الكتاب المقدس وتحديداً التوراة تأمر بالعنف وقتل البشر من غير تمييز بين الذكر والأنثى، ومن غير تفرقة بين المقاتلين والنساء والأطفال والشيوخ، فضلاً عن ذلك فإنها تشرح بصورة لا لبس فيها الإستراتيجية الحربية المطلوب العمل بها عند دخول اليهود المناطق والمدن المراد الاستيلاء عليها: «فضرباً تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرّمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة» (سفر التثنية 18: 28).
«حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك» (سفر التثنية 20: 10- 15).
«فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها» (سفر العدد 31: 17).
«فالآن اذهب واضرب عماليق وحرّموا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً» (سفر صموئيل الأول 15: 3).
«كما أثكل سيفك النساء كذلك تُثكل أمك بين النساء» (سفر صموئيل الأول 15: 33).
«طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة» (سفر المزامير 137: 9).
«ليكن بنوه أيتاماً وامرأته أرملة، ليته بنوه يتماناً ويستعطوا ويلتمسوا خبزاً من خربهم» (سفر المزامير 109: 10- 11).
«تجازى السامرة لأنها قد تمردت على إلهها، بالسيف يسقطون، تحطم أطفالهم والحوامل تشقّ» (سفر يوشع 13: 16).
«وأطعمهم لحم بنيهم ولحم بناتهم فيأكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار والضيق الذي يضايقهم به أعداؤهم» (سفر إرميا 19: 9).
وبهذا الشأن لا بد من التطرق الى أهم فرقة يهودية مارست القتل والاغتيال ضد أعدائها، وتعد -أقدم فرقة في التاريخ- مارست هذا العمل، فلا عجب أن مارس الكيان الصهيوني هذا العمل الجبان طيلة أكثر من 75 عاماً على تأسيس كيانه، على نهج فرقة «القنائين»، وكلمة قنّاء العبرية تعني الغيور أو صاحب الحميّة، والمقصود هو الحميّة الدينية، وتشبه هذه الفرقة بعقائدها وطقوسها الفرِّيسيين، إلا أنها أشد تعصباً منهم، فأتباعها يتهمون الفرِّيسيين بالجبن والخيانة لأنهم رضوا بحكم الرومان وتعاونوا معهم فلا يُقبل أن يحكم وثني يهودياً، وهم إحدى الفرق اليهودية التي تشكّلت في فترة ظهور المسيح عليه السلام وتزعّمها يهودا الجليلي عام 6 ق.م زعيم المكابيين، لحضّ اليهود على رفض الخضوع للسلطات الرومانية، وقد تبعته في حركته الجماهير اليهودية التي أفقرها حكم أثرياء اليهود المتعاونين مع الرومان.
ويتّسم فكر القنائين بأنه فكر شعبي مشبع بالأساطير والخرافات، ويرى بعض المؤرّخين أن هذه الفرقة تضم مجموعة من المتعصّبين الذين لجؤوا إلى القيام بأعمال الاغتيال والفوضى ضدّ الرومان وضد اليهود أنفسهم، وكانوا يرتكبون جرائمهم علناً في الطرق ويمارسون أعمال النهب واللصوصية والفتك، ولهذا فقد أطلق عليهم اسم «السفّاكون».
ومن أجل هذا يعد المؤرّخون هذه الفرقة ضمن الفرق السياسية وفرق العصابات؛ وهذا ما دفع السلطات الرومانية الحاكمة إلى قمعهم بقوة، الأمر الذي رد عليه القناؤون بمزيد من التشدد وتشكيل الجماعات السرية، وكان القناؤون يقتلون كل من يخالف الشريعة اليهودية حتى أطلق عليهم الفريسيون اسم «سيقارين»؛ أي السفاحون، وكانوا شديدي العداء للسيد المسيح عليه السلام.
وبهذا الصدد يذكر المؤرّخ «الإسرائيلي» نخمان بن يهودا في كتابه «أسطورة مسادا» الصادر عام 1995م: «أن الأشخاص الذين احتموا بالقلعة «مسادا» هرباً من بطش الرومان كانوا في الواقع من اللصوص وقطّاع الطرق؛ ممن ارتكبوا العديد من المذابح، بينها مذابح ضدّ قرى يهودية..».
إرهاب العصابات الصهيونية
1- عصابة «الهاغاناه»: في يونيو 1920م، أُعلن تأسيس «الهاغاناه»؛ وتعني بالعربية «الدفاع»، بصفتها امتداداً لتنظيم «هشومير»، التي أصدرت دستورها في عام 1924م، بإعلان نفسها منظمة عسكرية سرية، هدفها حماية التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين، كما عقدت هذه العصابة صفقات لشراء أسلحة من خارج فلسطين وقامت بتهريبها إلى فلسطين، وأنتجت بعض الأسلحة في ورش صغيرة أقيمت في الكيبوتسات والمستوطنات، وبلغت المنظمة درجة من التنظيم مما أهّلها لتكون حجر الأساس لجيش «إسرائيل» الحالي، وقد بلغت قسوتهم أن قتلوا 360 فلسطينياً في «مذبحة دير ياسين»، وفيما بعد أصبح مؤسسها ديفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء للكيان «الإسرائيلي»).
2- عصابة «شتيرن»: أسس هذه العصابة، التي انفصلت عن عصابة «الإرغون»، أبراهام شتيرن في عام 1940م، على إثر خلاف نشأ بشأن رغبة هذه العصابة في مواصلة العمليات العسكرية ضد حكومة الانتداب البريطاني، ومعارضة تجنيد اليهود في الجيش البريطاني، والرغبة في التعاون، على أساس تكتيكي، مع أي جماعة تدعم القتال ضد البريطانيين في فلسطين، وتقف في مواجهة المؤسسات اليهودية التي انبثقت عن الانتداب، وقد دعا شتيرن إلى إقامة دولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات، وسعى إلى إجراء اتصالات مع الفاشيين في إيطاليا بغية إضعاف السيطرة البريطانية في الشرق الأوسط، وتحت قيادته، نفّذ هذا التنظيم عمليات سطو ومحاولات اغتيال استهدفت المسؤولين البريطانيين.
ففي 12 فبراير 1942م، قتلت الشرطة البريطانية شتيرن، في مخبأه في تل أبيب، فشكل أتباعه حركة سرية جديدة باسم «ليحي»؛ وهي اختصار لعبارة «المقاتلون من أجل حرية إسرائيل»، وقد اشتهرت «ليحي» باستخدام الاغتيال كأداة للإرهاب، وارتكبت 42 عملية اغتيال، وقد برز بين صفوف هذه العصابة إسحاق شامير، الذي أصبح رئيس وزراء «إسرائيل» في عام 1983.
3- عصابة «الإرغون»: في عام 1923م أسس زعيم الحركة الصهيونية التحريفية فلاديمير جابوتنسكي في مدينة ريغا، عاصمة لاتفيا، حركة الشبيبة «بيتار»، وفي عام 1931م وعلى قاعدة المبادئ العسكرية التي أشاعها هذا الأخير بين صفوف «بيتار»، تشكلت في فلسطين عصابة «الإرغون» بصفتها الجناح العسكري للحركة الصهيونية التحريفية، وذلك بعد انشقاق وقع داخل صفوف عصابة «الهاغاناه»، وقد عُرفت عصابة «الإرغون» باسم «المنظمة العسكرية الوطنية»، وقادها أبراهام تيهومي، الذي اعتبر أن العنف السياسي والإرهاب هما أداتان مشروعتان في النضال القومي اليهودي من أجل أرض «إسرائيل»، وكان مناحيم بيغن بعد وصوله إلى فلسطين في عام 1942م.
وكان من زعماء «بيتار» في بولونيا نجح في إعادة تنظيم صفوف هذه العصابة، وأعلن الثورة على الحكم الانتدابي البريطاني في فلسطين، وقام بتنظيم سلسلة من الأعمال الإرهابية ضد أهداف بريطانية وعربية فلسطينية، فأعلنته السلطات البريطانية مطلوباً للعدالة وخصصت جائزة لمن يلقي القبض عليه، وشنت العصابة سلسلة من العمليات الإرهابية بلغت 60 عملية خلال سنوات الثلاثينيات، وبعد نشوب الحرب العالمية الثانية، زاد الإرهاب الصهيوني الذي أسفر عما يزيد على 250 شهيداً من العرب الفلسطينيين في تلك الفترة، ومن أكبر العمليات الإرهابية التي نفذها الإرهابي مناحيم بيغن هي تفجير فندق الملك داود في القدس في 22 يوليو 1946م، أسفر عن سقوط 91 قتيلاً أغلبهم من المدنيين؛ وبينهم 41 فلسطينياً، و17 يهودياً، و15 بريطانياً.
وقد تم وسم هذه المنظمة بصفة الإرهاب من قبل صحيفة «نيويورك تايمز»، ومن قبل اللجنة الأنكلو-أمريكية للتقصي، إضافة إلى شخصيات عالمية بارزة ومنها يهودية أمثال: ونستون تشرشل، حنة آرنت، ألبرت أينشتاين، وغيرهم، وعلى أي حال توصل مناحيم بيغن بعد ذلك، إلى اتفاق مع الحكومة المؤقتة في «تل أبيب»، قضى بنزع أسلحة عصابة «الإرغون» وتحويلها إلى حركة سياسية اتخذت اسم «حيروت»؛ أي الحرية، وشاركت في عام 1973م في تأسيس حزب «الليكود»، وفيما بعد أصبح رئيساً للوزراء عام 1977م.
ولكن بعد عام 1948م والإعلان عن تشكيل الكيان «الإسرائيلي» بدأت مرحلة «إرهاب الدولة» ضد الشعب الفلسطيني، من خلال المناخ السياسي الذي يصل إلى حد الإبادة بحيث أصبحت القدرة على قتل وإرهاب الفلسطينيين معياراً لكفاءة الكادر العسكري والسياسي في مجال التنافس داخل المؤسسة الصهيونية، وأصبح زعماء العصابات الصهيونية الإرهابية قبل تأسيس الكيان الصهيوني جميعهم رؤساء وزراء «إسرائيل»، أمثال: ديفيد بن غوريون، مناحيم بيغن، إسحاق شامير وانتهاء بنتنياهو.
فمنذ قيامها عام 1948م، على أرض فلسطين، تبنت «إسرائيل» سياسة الاغتيالات والتصفية الجسدية كعقيدة راسخة في تعاملها مع الفلسطينيين، من دون التفات لأي تبعات سياسية أو قانونية.
ولم تمض سوى بضعة أشهر على إعلان قيامها، حتى شقّت الاغتيالات طريقها إلى تاريخ «إسرائيل»، حين اغتالت عصابات صهيونية وسيط الأمم المتحدة بين العرب واليهود الدبلوماسي السويدي الكونت فولك برنادوت، في 17 سبتمبر 1948م، الذي كان يقترح أفكارًا للسلام تضمنت وضع حد للهجرة اليهودية إلى الأراضي الفلسطينية، وبقاء القدس تحت السيادة العربية، ومنذ اغتيال برنادوت لم تتوقف الاغتيالات.
وخلال 75 عامًا، نفذ «الإسرائيليون» أكثر من 2750 عملية اغتيال بحق الشخصيات الأممية والفلسطينية والعربية، بمعدل 37 عملية سنويًّا داخل وخارج «إسرائيل»، وتتفوق «إسرائيل» في عدد عمليات الاغتيال على أي دولة أخرى، متجاهلة الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين والمواثيق الدولية.
ولتأكيد ما نوهنا به سابقاً من العمليات الإرهابية الصهيونية، نشرت مجلة «مومِنت» (Moment) اليهودية الأمريكية في مايو ويونيو 2009م، حواراً مع الحاخام الصهيوني مانيس فريدمان حول الطريقة المثلى لتعامل اليهود بفلسطين المحتلة مع جيرانهم من العرب، وقد أتت إجابة فريدمان صريحة واضحة بلا رتوش: «إنني لا أومن بالأخلاقيات الغربية، بمعنى أن عليك ألا تقتل المدنيين أو الأطفال، وألا تُدمِّر الأماكن المقدسة، وألا تقاتل في المناسبات الدينية، وألا تقصف المقابر، وألا تُطلق النار قبل أن يطلقها عليك الآخرون.. إن الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية هي الطريقة اليهودية: دمِّر أماكنهم المقدسة، واقتل رجالهم ونساءهم وأطفالهم ومواشيهم».
وقد علَّل فريدمان ذلك بأنه الرادع الوحيد والحقيقي للتخلُّص من ثبات الفلسطينيين ومقاومتهم المستمرة، وأن تلك هي قيم التوراة التي ستجعل «الإسرائيليين» النور الذي يشع للأمم التي تعاني الهزيمة بسبب هذه الأخلاقيات الغربية المُدمِّرة التي اخترعها الإنسان.