كاتب المدونة: أنس شودهري (*)
رأينا حكومة الهند منذ سنوات طويلة تصف نفسها بأنها الجارة الصديقة والوفية لبنغلاديش، وأنها تكن لها النصح والخير، لكن في الواقع نرى الأمر مختلفاً تماماً، فالحكومة الهندية تتعامل مع بنغلاديش كأنها خاضعة لها، تفعل كما تأمرها به الهند، فالهند تأخذ ولا تبذل، فقد رأيناها تسيطر على مياه بنغلاديش، فلا تعطيها الحصص المستحقة من المياه من الأنهار المشتركة بين البلدين، بل الهند وحدها تتحكم بمياهها، بتشييد السدود ومشاريع الطاقة والري على الأنهار العابرة لبنغلاديش، فتخزن المياه أيام الجفاف، لسقي أراضيها الزراعية، ثم تفتح سدودها على بنغلاديش أيام هطل الأمطار الغزيرة، لتغرقها بالمياه والسيول، تفعل كل ذلك دون مبالاة بالقوانين والأعراف الدولية.
كما أنها تتدخل في الانتخابات في بنغلاديش، فهي تؤيد رابطة عوامي، حزب الشيخة حسينة، رئيسة الوزراء المخلوعة، تأييداً سافراً، وذلك لمصالحها ومفاداتها التي تسهلها لها الحزب المذكور، وبتأييد منها استطاعت الشيخة حسينة أن تستمر في حكم بنغلاديش لمدة 15 سنة، وعاثت في البلاد فساداً ودماراً، فقتلت الآلاف واعتقلت من المعارضين والناقدين لها بدون أي اعتبار، وسنت القوانين التي تحميها وحزبها.
وفي المقابل، أعطت الشيخة حسينة الهندَ في هذه السنوات ما لم تعطها حكومة سابقة في تاريخ بنغلاديش، فسيطرت الهند على التجارة والمشاريع التطويرية، واستولت على وسائل الإعلام، كما أنها بذلت الجهود المكثفة على نشر الثقافة الهندوسية بشتى الوسائل، ووظفت الآلاف من العاملين في مختلف المجالات، كما أنها حصلت على تسهيلات العبور عبر أراضي بنغلاديش مقابل رسوم قليلة، وفعلت الهند أشياء غير ما ذكر لإضعاف بنغلاديش؛ سياسياً واقتصادياً وتعليمياً.. لكن السؤال: لماذا تفعل الهند كل ذلك؟
وراء هذه التصرفات غير العادلة من الحكومة الهندية مع بنغلاديش أسباب متنوعة ومركبة، وأود أن أتحدث عن سبب خطير، قلما يتحدث الناس عنه.
الهند دولة اتحادية، تضم 28 ولاية و8 مناطق اتحادية، والواقع أن الحالات العامة والأوضاع الاقتصادية لسكان الولايات الهندية ليست سواء، بل هي متفاوتة تفاوتاً كبيراً، وهناك اختلافات بين هذه الولايات فيما بينهم وكذلك بينها وبين الحكومة المركزية، لأسباب تعود إلى اللغة والثقافة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية العامة، ومن ثم تخشى الحكومة المركزية أن تنشأ الحركات الانفصالية في بعض ولاياتها، خصوصاً في تلك الولايات التي تقع بعيدة عن المركز والعاصمة، منها الولايات السبع المجاورة ببنغلاديش: تريبورا، ومانيبور، وميزورام، وناجاليند، وآسام، وميغاليا، وأروناجال بروديش، وهي التي تسمى بـ«الشقيقات السبع»، وهذه الولايات تشترك في كثير من الأمور، من أنماط الحياة والجغرافيا وغيرها، وفعلاً توجد في الولايات حركات عاملة في فصلها عن الحكومة المركزية الهندية.
وهنا تكمن خشية الحكومة الهندية، من أن بنغلاديش إن صارت قوية مستقلة بنفسها، وخارجة عن السيطرة الهندية، لا يبعد أن تمد بنغلاديش يد العون إلى الحركات الانفصالية، التي تحلم باستقلال ولاياتهم عن الهند، وبناء دولة مستقلة في أراضيها! وهذا الذي يؤرق الهند وحكومتها، ويجعلها تتدخل في شؤون بنغلاديش حيناً بعد حين.
وهناك خوف آخر للهند، ليس بأقل مما سبق، وهو أننا إذا نظرنا إلى الأوضاع الاقتصادية في بنغلاديش وفي الولايات الهندية المجاورة لها، نكتشف أن بنغلاديش تتقدم الولايات الهندية وتفوقها بدرجات، ولنفهم هذا الواقع جيداً نسرد قائمة الناتج المحلي الإجمالي للفرد في بنغلاديش، ففي عام 2022م كان ذلك 2688.3$، بينما كان الناتج المحلي الإجمالي لولاية بنغالا الغربية أقل من بنغلاديش بنسبة 80%، وولاية تريبورا أقل بنسبة 60%، وولاية ناجاليند أقل بنسبة 57%، وولاية ميزورام أقل بنسبة 19%، وولاية ميغالايا أقل بنسبة 147%، وولاية مانيبور أقل بنسبة 166%، وولاية آسام أقل بنسبة 148%، وأما الناتج المحلي الإجمالي لولاية بهار فكان أقل من الناتج المحلي الإجمالي لبنغلاديش بنسبة 414%، كما فصله الخبير الاقتصادي والسياسي بيناكي بهاتاشارزو في إحدى مقاطعه.
مع أن كلكتا كانت في زمن من الأزمان عاصمة الهند أيام الاحتلال الإنجليزي، وكانت عاصمة غربي وشرقي بنغال، وكان أهل بنغلاديش أيام الاحتلال الإنجليزي يذهبون إلى كلكتا للتجارة والتعليم والعلاج وكل شيء، لكن كيف صار هذا التفاوت الكبير بين المنطقتين؟ وكيف تطورت بنغلاديش إلى هذه الدرجة؟ وكيف انحطت الأوضاع الاقتصادية في الولايات المجاورة لبنغلاديش إلى هذه الغاية؟
هذه أسئلة تدور في كثير من سكان هذه الولايات، فلا يجدون جواباً إلا هذا الجواب بأن بنغلاديش دولة مستقلة، تملك قراراتها وتنفذها بحرية، لا تخضع لحكومة أخرى، كما تخضع هذه الولايات للحكومة المركزية، هذا هو السر لتطور بنغلاديش ونمو اقتصادها، وهذه الأسئلة في الوقت نفسه تؤرق الحكومة المركزية الهندية، فإنها تمهد الطريق إلى أن يحلم كثير من سكان هذه الولايات بالاستقلال والانفصال عن الحكومة المركزية.
فترى الحكومة الهندية في تطور بنغلاديش ونمو اقتصادها وأمنها واستقرارها تهديداً لاتحاد ولاياتها وخطراً عظيماً يؤدي إلى انفصال بعضها عن الهند، لذلك لا تتحمل الهند تطور بنغلاديش وازدهارها، بل تسعى دائماً لإضعافها وزعزعة أمنها واستقرارها السياسي، بما لديها من المخابرات والإعلام والعملاء، وتبذل الجهود القصوى لكي يحكم بنغلاديش حزب سياسي أكثر خضوعاً لرغباتها، وأشد فساداً وخراباً، وأقل رعاية لمصالح بنغلاديش وتطورها، لذلك أيدت الحكومة الهندية رابطة عوامي؛ كي تنحط بنغلاديش اقتصادياً وتعليمياً وإدارياً، وكي لا تبقى متفوقة على الولايات الهندية المجاورة لها.
لكن أليس من العقل والحكمة أن تبذل الحكومة الهندية الجهود المعقولة لتطوير الولايات النائية والمجاورة لبنغلاديش وتنميتها، إذا أرادت أن تبقى متحدة معها؟ لكن الهند آثرت أن تسلك الطريق الأقصر، فسعت لإفشال بنغلاديش وإضعافها من النواحي كلها، كي تنحط إلى ولاياتها المجاورة، ولا تتقدمها وتتفوق عليها، وهذا الظلم والعدوان لن يأتي بالخير للهند وحكومتها أبداً، ها هو ذا، لقد سقطت حليفة الهند الشيخة حسينة، وبذلك باتت الجهود المكثفة التي بذلتها للسيطرة على بنغلاديش، بالفشل السريع، ونشأت في الناس اليقظة والنهضة غير المسبوقة ضد السيطرة الهندية، وصاروا ينادون باسترجاع الحقوق والعلاقات العادلة بين البلدين!
__________________________
(*) مُترجِم وباحث وأستاذ الفقه والعربية بدار الإرشاد والدعوة- بنغلاديش.