«لا إله إلا الله» هي كلمة التوحيد والإسلام، ومفتاح دار السلام، وبراءة من الشرك، ونجاة من النار، ومعناها: الإيمان بوحدانية الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، لا شريكَ له في مُلكه وتدبيره، وأنّه سبحانه هو المستحقّ للعبادة وحده.. ومن المعلوم أن الله عز وجل خلق الخلق، وأرسل الأنبياء والرسل من أجل توحيده وعبادته.
وقد كان كل رسولٍ يدعو قومه إلى التوحيد الخالص بأقرب الطرق وأيسرها على أفهام الناس، بحيث كان القوم كلهم يفهمون ما يريده رسولهم منهم بكل وضوح ويسر، حتى جاء آخر الرسل ونبي الإنسانية كافة محمد صلى الله عليه وسلم الذي أنزل الله عليه القرآن هدىً وشفاءً ورحمة للمؤمنين، وداعياً إلى عقيدة التوحيد، متبعًا في ذلك منهجًا واضحاً يناسب جميع الناس ومختلف الفئات.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يفهمون هذه العقيدة من القرآن الكريم مباشرة، ومن النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إن للعقيدة الصحيحة والقائمة على الحق مكانتها العظمى في إصلاح حياة الناس ونشر الطمأنينة والاستقرار، في جوانب النفس وفي ربوع الأرض (عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، ملكاوي، ص1).
والتوحيد أمرٌ وقضيةٌ خلق الله الجن والإنس من أجلها؛ فقال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، إذن فالغاية العظمى والهدف الأسمى من خلق الجن والإنس هي قضية التوحيد وإفراد الله بالعبادة، والخلاص من الشرك؛ قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (النحل: 36)، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 25).
فهي الكلمة الأولى التي دعا إليها الأنبياء أممهم (وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (الأعراف: 65)، فمن أجلها أرسل الله تعالى الرسل وأنزل الله الكتب، ومن أجلها قامت القيامة وحقت الحاقة ووقعت الواقعة، من أجل لا إله إلا الله، ومن أجل أن يوحد الله فلا يشرك به، وأن يطاع فلا يعصى، ومن أجل أن يشكر الله فلا يكفر، وهي حق الله على عبيده جميعاً.
إذن، فقضية التوحيد قضية عظيمة يجب أن تصرف الأعمار والأوقات والأموال في نصرتها، والدعوة إليها، والدفاع عنها، والحرص على كل ما من شأنه نصرة هذا الدين العظيم (التوحيد بين الواقع والمأمول، الفيفي، ص2).
وفي الصحيحين، عن معاذ بن جبل قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فقال لي: «يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً»، قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا»، فحق العباد على الله أن يوحدوه بالعبادة ويفردوه، ويتجردوا من الشرك صغيره وكبيره، فمن أشرك بالله خسر الدنيا والآخرة.
والتوحيد إذاً من أوجب الواجبات وأعظم العبادات، رتب الله لمن حققه الثواب العظيم والأجر الجزيل في الدنيا والآخرة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح في الأرض، فسببه توحيد الله وعبادته وطاعة رسوله، وكل شر في العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسلّط عدو وغير ذلك، فسببه مخالفة الرسول والدعوة إلى غير الله، ومن تدبر هذا حق التدبر وجد هذا الأمر كذلك في خاصة نفسه عموماً وخصوصاً. (الشرح الميسر لكتاب التوحيد، القاسم، ص9).
إن شهادة وكلمة التوحيد أصلُ الدِّين وأساسه، وعنوان النجاة وبرهان الفلاح، وسبب النجاة من النار ومغفرة الذنوب، ومفتاح دخول الجنة، ومن أجلها خلق الله تعالى العباد، وكلما زادت معرفة العبد بالله كانت عبادته أكمل، ولا تكون العبادة من دون التوحيد، فالتوحيد فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، ولا يخالف هذه الفطرة إلا من عرض لفطرته عارض فأفسدها.
والتوحيد شرط في النصر والتمكين والأمن والاهتداء، ويُقسّم الناس من خلاله إلى مؤمن وكافر، والمسلم يجني ثمار التوحيد في حياته وعند موته وفي قبره ويوم حشره، ويكون سبباً في دخول جنات ربه ورضوانه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» (الإيمان باليوم الآخر، الصلابي، ص42).
__________________
1- الإيمان باليوم الآخر، علي محمد الصلابي، دار الأصالة، إسطنبول، 2023م.
2- عقيدة التوحيد في القرآن الكريم، محمد ملكاوي، مكتبة دار الزمان، ط1، 1985م.
3- التوحيد بين الواقع والمأمول، محمد الفيفي، المكتبة الشاملة.
4- الشرح الميسر لكتاب التوحيد، عبدالملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم، المكتبة الشاملة.