مع انطلاق الانتخابات الرئاسية والكونجرس الأمريكية، في 5 نوفمبر 2024م، يتوقع كثيرون انقلاباً في عملية تصويت العديد من العرب والمسلمين الأمريكيين، لصالح الرئيس السابق اليميني المتطرف دونالد ترمب، أو مرشحة الخضر جيل ستاين.
وبالمقابل، تصويت عقابي ضد المرشح الديمقراطية نائب الرئيس بايدن كاملا هاريس، بسبب إبادة غزة، معتبرين أن هذا لا يعني تفتيت أصواتهم أو ضياعها لأن الهدف هو إظهار قوة الصوت العربي المسلم، وإثبات موقف سياسي.
ويميل الأمريكيون العرب للتصويت للحزب الديمقراطي غالباً، وكانت أصواتهم ضمن أسباب فوز الرئيسين الديمقراطيين السابقين باراك أوباما، وجو بايدن، لكن نسبة منهم قررت هذا العام القيام بعملية تغيير وتحريك البوصلة نحو الجمهوريين.
قرروا أن يصبوا «لعنة غزة» على الحزب الديمقراطي بسبب موقف إدارة بايدن من دعم العدوان الصهيوني والمشاركة في إبادة غزة بشحنات سلاح غير مسبوقة وحشد الجيش الأمريكي براً وبحراً وجواً لدعم الاحتلال في محاصرة وقتل 2.3 مليون في غزة.
كانت الخطة في البداية هي رفض التصويت لبايدن حين كان المرشح الرئاسي، ونجحت حركة «غير ملتزم»، التي تضم عرباً ومسلمين وأقليات، في عقابه وأفقدته (قبل أن يتنازل لهاريس) نصف مليون صوت، في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وفق صحيفة «ذا هيل» القريبة من الكونغرس، في 6 يونيو 2024م.
لاحقاً، بدأ عرب ومسلمون يعلنون نيتهم انتخاب مرشحة حزب الخضر أو أي مرشح آخر بخلاف ترمب، وهاريس، وسط حيرة كثيرين ما بين الامتناع عن التصويت أو انتخاب هاريس باعتبارها أخف الضررين؛ لأن ترمب معاد بطبعه للعرب والمسلمين، أو انتخاب مرشح ثالث، ومع اقتراب الانتخابات بدأ بعضهم يصف مع ترمب.
وقد شجع نشاط ترمب بين الجالية المسلمة ووعوده للعرب والمسلمين بوقف حرب غزة ولبنان، دون أن يحدد كيف، بعض العرب والمسلمين على إعلان أنهم سيصوتون له، في مؤتمرات عقدها ترمب ودعاهم لها.
بينما اشتكى العرب والمسلمون من إبعاد الحزب الديمقراطي لهم عن منصات المؤتمرات الانتخابية وطرد آخرين والاعتداء عليهم، وعدم استماع هاريس لهم أو تخصيص مؤتمر لهم.
وقد لخص بلال الزهيري، وهو داعية إسلامي شارك في مؤتمرات دونالد ترمب، سبب دعمه هو وآخرين لترمب قائلاً: إن المرشح الجمهوري والرئيس السابق استطاع أن يبرهن لنا عبر الأفعال وليس فقط الأقوال، وأبدى اهتمامه بمخاوفنا، ومستعد أن يستمع لمطالبنا ويسعى لتحقيقها.
قال: إن الطرف الثاني (هاريس، والديمقراطيين) لا يريد أن يسمع منا، الطرف الآخر لم يدعنا إلى اجتماع، لا يريد أن يستمع لمخاوفنا، لا يريد أن يستمع لمطالبنا.
لذا، استبعد غالبية العرب والمسلمين تصويتهم لهاريس، عقاباً لإدارة بايدن بسبب مشاركة أمريكا في إبادة غزة، وحسم الكثير منهم أمرهم لانتخاب ترمب أو مرشح ثالث هو حزب الخضر.
ويبدو أن لقاءات ترمب مع بعض المسلمين والأئمة ووعده بإنهاء الحرب ومؤشرات استطلاعات الرأي، التي تشير لاحتمال حدوث انقلاب في النتائج، ربما تحسم النتيجة لفوز ترمب، وهذه المرة بأصوات العرب والمسلمين.
هل تغير عداؤه للمسلمين؟
كان موقف ترمب من العداء للعرب والمسلمين واضحاً في أول انتخابات شارك وفاز فيها عام 2016م، فحينها أكد لشبكة «إن بي سي نيوز» أنه سينفذ نظام قاعدة بيانات خاصة بتتبع المسلمين في الولايات المتحدة، وتسجيل بيانتهم (كأنهم مجرمون)، حينها ثار جدل كبير، واعتبر مسلمون وصحف أن حديث ترمب عن ضرورة إنشاء سجل «جنائي» للمسلمين إهانة لهم؛ لأنه يشبه ما كان يجري في ألمانيا النازية من تسجيل اليهود في لوائح شبه جنائية لتعقبهم.
وحين تولى الرئاسة عام 2017م، أصدر ترمب فوراً أمرا تنفيذياً يحظر دخول المسلمين من 7 دول مسلمة لأمريكا، هي: العراق وسورية وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن (ألغى بايدن الأوامر عام 2021م فور أداء اليمين).
لكن، عقب إصابة «لعنة غزة» لبايدن، وهاريس، بقرار العرب والمسلمين عدم التصويت لهما، استغل ترمب تجمعاً انتخابياً في ميشيغان، أكثر الولايات في عدد العرب والمسلمين، يوم 26 أكتوبر الماضي، ودعا عدد من الزعماء المسلمين الداعمين له إلى المنصة، وقال لهم: إنه سيحل مشكلاتهم.
وخلال مؤتمره الانتخابي معهم قال: إن الناخبين المسلمين والعرب في ميشيغان وفي مختلف أنحاء البلاد يريدون وقف الحروب التي لا تنتهي والعودة إلى السلام في الشرق الأوسط. هذا كل ما يريدونه.
كما كتب يقول، عبر حسابه على موقع «إكس»: إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فسوف يضع حدًا للمعاناة والدمار في لبنان، بعدما وعد بإنهاء الحرب في غزة إذا انتخب وإعادة السلام إلى الشرق الأوسط.
وقد دعمه قيام بلال الزهيري، إمام مسجد من منطقة ديترويت، بالقول في مؤتمر انتخابي له: نحن كمسلمين نقف مع الرئيس ترمب لأنه يعد بالسلام، ولأنه وعد بإنهاء الحرب في غزة ولبنان، ويلتزم بتعزيز القيم الأسرية وحماية رفاهة أطفالنا، فيما يخص المناهج الدراسية والمدارس، حيث يأمل ترمب في الحصول على دعم العرب والمسلمين في ولاية ميشيغان، التي فاز بها في عام 2016م لكنه خسرها عام 2020م؛ إذ تمثل ميتشغان حجر الزاوية في عملية الانتخابات، لأن بها أكبر تجمع للعرب والمسلمين في أمريكا (قرابة 300 ألف)، وبسبب الفوارق الضئيلة بين ترمب، وهاريس قد يكون لأصواتهم دور في الحسم.
وفي 9 مرّات من آخر 12 انتخابات رئاسية أمريكية، كان الفائز بولاية ميتشغان يفوز بالرئاسة.
ودفع ظهور مسلمين وأئمة على منصة انتخاب ترمب، رغم ما هو معروف عنه من كراهية وعداء للمسلمين، صحيفة «نيويورك تايمز» للتساؤل، في 26 أكتوبر: كيف يصوت له المسلمون وهو الذي اقترح إنشاء سجل «جنائي» لهم، ويسعى الآن لاستجداء أصواتهم؟! واعتبرت ما يجري في انتخابات 2024م تحولاً سياسياً لم يكن من الوارد تصور أن يحدث خلال حملة ترمب الانتخابية عام 2016م عندما كان يُكثر من استخدام الخطاب المعادي للمسلمين.
وقد تساءل الكاتب أيمن محيي الدين، في شبكة «إم أس. إن بي سي»، الأمريكية، في 28 أكتوبر، عن سر هذا الانقلاب في الدعم العربي والمسلم لترمب، قائلاً: كيف وصلنا إلى النقطة التي أصبح فيها بعض الناخبين العرب الأمريكيين والمسلمين يدعمون هذا الرجل، الذي أدلى بتعليقات بها كراهية للإسلام والمسلمين؟
وفسر المحلل شادي حميد، في صحيفة «واشنطن بوست»، في 22 أكتوبر، موقف عرب ومسلمين من دعم ترمب وأرجعه إلى المزاج المظلم واليائس، للعرب والمسلمين في كل أمريكا، بسبب تجاهل إبادة غزة ورفض الحزب الديمقراطي وقف إرسال أسلحة إلى «إسرائيل»، وأكد أن قادة الحزب الديمقراطي يعترفون أن غزة تعرضت للإبادة والدمار، ولكنهم غير راغبين في فعل أي شيء حيال ذلك؛ ما يغضب العرب والمسلمين الأمريكيين.
مع هذا انتقد الكاتب حسين إيبش في موقع «أتلانتيك»، في 30 أكتوبر، دعم المسلمين الأمريكيين لترمب ووصفه بأنه عمل تخريبي ذاتي، وقال: إن ولاية ترمب الثانية ستكون أسوأ بكثير بالنسبة لمجتمعاتنا من رئاسة هاريس، وفوزه سيكون صادماً؛ لأن السياسات المعلنة التي يتبناها ترمب بشأن فلسطين، والحرية، والوجود الإسلامي في أمريكا تتناقض مع ما يؤمن به مَن قرروا دعمه.
أخطاء هاريس والديمقراطيين
لم تكن حرب غزة «لعنة» على هاريس، نائبة بايدن، ولجوء عرب ومسلمين للتصويت لترمب، من فراغ، فلم تكتف هاريس وحزبها الديمقراطي بدعم المجازر والإبادة في غزة، ولكنها أظهرت عدم اكتراث بأصوات العرب والمسلمين كأنها مضمونه رغم علمها بحالة الغضب بينهم.
أيضاً لم تخصص هاريس، عكس ترمب، لقاء مع المسلمين، أو تدعو بعضهم لمنصتها الانتخابية، وتم طرد نشطاء مسلمين من حملتها مثل الناشط من حزبها أحمد غانم، ولم تمنح أي فلسطيني أمريكي فرصة للتحدث في مؤتمر الحزب، وتعامل منظمو مؤتمر حزبها مع مؤيدي فلسطين بعنف وأغلقوا الباب أمام المدافعين عن غزة.
كما صدرت تصريحات من قادة الحزب الديمقراطي تسخر من المسلمين والعرب، ومن شهداء غزة، مثل قول رئيسة مجلس النواب السابقة (الديمقراطية) نانسي بيلوسي لهم: يكفي أننا أنقذناكم من طرد ترمب خارج أمريكا!
وقال لهم الرئيس السابق بيل كلينتون: إن قتل «إسرائيل» آلاف الأطفال والنساء في غزة سببه اختباء «حماس» بينهم واتخاذهم دروعاً!
وقد اضطر الرئيس السابق باراك أوباما للتدخل واستجداء الصوت المسلم، محذراً المسلمين من خطر ترمب عليهم لو فاز، وخاطبهم في مؤتمر انتخابي قائلاً: إذا كنت أمريكياً مسلماً وكنت مستاء مما يحدث في الشرق الأوسط، فلماذا تضع ثقتك في شخص (ترمب) قام بحظر المسلمين ولا يعتبرك جزءاً من مجتمعنا الأمريكي؟!
ومع هذا، أعلنت قيادات إسلامية دعمها لهاريس، باعتبارها أخف الضررين، خشية وصول ترمب للرئاسة وتهديد الجالية المسلمة، وكتب 25 من الأئمة المسلمين رسالة تأييد مفتوحة لهاريس نشرتها شبكة «إن بي سي نيوز» الأمريكية، في 7 أكتوبر، يشيرون فيها لخطورة ترمب، واعتبروا أن دعم هاريس يعد الخيار الأفضل لإنهاء النزاع الدموي في غزة ولبنان مقارنة بالبدائل الأخرى.
ويشكل الناخبون العرب والمسلمين حالياً ما يزيد قليلاً على 1% من سكان الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات التعداد السكاني لعام 2017م، لكنهم يتمتعون بأهمية كبيرة في الولايات المتأرجحة الرئيسة مثل ميشيغان، وبنسلفانيا، وأوهايو، وغالباً ما تحدد هذه الولايات نتائج الانتخابات الرئاسية بسبب أصواتها الانتخابية الحاسمة وهوامشها الضيقة تاريخياً.
وفي استطلاع سابق للرأي، نظمه مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) بين الناخبين المسلمين، في 29 أغسطس الماضي، قال 29.4%: إنهم يخططون لدعم هاريس، أو مرشحة الحزب الأخضر جيل شتاين، بينما أظهر استطلاع آخر للرأي أجري بين الناخبين المسلمين المتدينين والمتعلمين بالجامعات، في 4 أكتوبر، أن دعم هاريس بلغ 14% فقط، بينهم.
وعقب لقائه مع ناخبين مسلمين بينهم أئمة مسلمون أعلنوا دعمهم له، أظهر استطلاع جديد أجرته وحدة البحوث والدراسات في صحيفة «عرب نيوز»، تفوق ترمب على هاريس بين الناخبين الأمريكيين العرب بنسبة 43% مقابل 41% سابقاً.