العقل البشري أداة رائعة وقوية، لكنها أبعد ما تكون عن الكمال، وهناك العديد من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها العقل
العقل البشري أداة رائعة وقوية، لكنها أبعد ما تكون عن الكمال، وهناك العديد من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها العقل، وتعرف في مجال علم النفس باسم «التحيزات المعرفية»، أو المغالطات المنطقية، وحدوثها شائع لدى الجميع بغض النظر عن العمر أو الجنس أو التعليم أو الذكاء.
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية عكفت على دراسة هذه التحيزات والمغالطات، حتى لقد قرأت العديد من الكتب عنها.
واليوم أريد أن أشركك في معرفة تسعة منها.. وهي الأمور التي ألاحظها مراراً في نفسي وفي المقربين لي.. وأملي هو أن تستطيع استخدام المعلومات في هذه المقالة لتحديد هذه الأنماط المدمرة في التفكير الخاصة بك، وتتحرر منها قبل أن ترسلك إلى الطريق الخطأ:
1- السلبية فيما تتوقع عن ذاتك وعن إنجازاتك:
النبوءة التي تتوقعها لإنجازك هي التي تدفعك إلى اتخاذ الإجراءات التي تحول هذا التنبؤ إلى حقيقة واقعة.
هذا النوع من التفكير عادة ما يمزق علاقاتك، ويصرفك عن تحقيق أهدافك ويقودك إلى الفشل، وها هنا مثالان نموذجيان:
أ- رجل يعتقد أن علاقته مع خطيبته «لن تستمر».. حتى أنه توقف عن بذل الجهد في هذه العلاقة، ابتعد عاطفياً، وبعد شهر فشلت العلاقة.
ب- خلال مرحلة الدراسة الجامعية طالبة ذكية في مجال الصحة تقنع نفسها أنها «لا تملك ما يلزم» لتصبح طبيبة، حتى أنها لا تكمل الشروط الأساسية لكلية الطب، وبالتالي لم تصبح طبيبة.
2- الاعتقاد أننا في مأمن من الإغراء:
الواقع أننا لدينا سيطرة أقل بكثير مما نعتقد على رغبات التسرع لدينا.
الجنس، والغذاء، والدواء، الإدمان.. أمثلة صارخة على ذلك.
فيعتقد كثير من المدمنين أنهم يمكنهم الإقلاع عن التدخين في أي وقت يريدون، ولكنهم في الواقع وببساطة يكذبون على أنفسهم.. ولا ينبغي أن تكون مدمناً لكي لا تكون عرضة للإغراء.
فالكثير من الأذكياء يستسلمون للإغراء في نهاية المطاف؛ لأن الاستسلام أسهل طريقة للتخلص من الإغراء.. وهذا يبدو سخيفاً، ولكنه صحيح.
فإذا كان شخص ما يريد أن يتخلص من آلام الجوع، فأسهل طريقة هي أن يأكل.
فكبت وتقييد السلوك المتهور في مواجهة الإغراء ليس من السهل، بل يأخذ قدراً كبيراً من ضبط النفس.
لذا كن حذراً؛ لأنه عندما يكون لدينا إحساس مبالغ من السيطرة على الدوافع لدينا، فإننا نميل إلى الإفراط في التعريض للإغراء، وهذا بدوره يشجع على السلوك المتهور الذي نريد أن نتجنبه.
3- تعميم وتمرير الحكم السطحي للحوادث المعزولة:
إن الانطباعات الأولى غير دقيقة، وهذا خير مثال على ذلك.. ولكن عند الإنسان ميلاً طبيعياً لتقييم أي شخص أو أي وضع من وجهة نظر عين الطائر، ومن ثم يفترض أنه يعلم ما يكفي لإصدار حكم معقول.
وهذا يحدث كثيراً في عالم العمل في الشركات.. موظفون قد يأتون في وقت متأخر إلى العمل بعد مواجهة مشكلة في السيارة، ولكن رئيسهم يظل مرتاباً في أنهم غير ملتزمين وغير مسؤولين، ويعاملهم كذلك لعدة أسابيع بعد ذلك.
الحل الواضح هنا هو أن ننظر إلى الصورة الكبيرة قبل البدء في توجيه أصابع الاتهام أو وضع افتراضات قد تكون خاطئة.
4- الاعتقاد بأننا قادرون على السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه:
تحدث هذه المغالطة في التفكير عندما يبدأ الناس في الاعتقاد بأن لديهم نوعاً من التأثير المباشر أو السلطة على حدث خارجي، وهذا اعتقاد عشوائي تماماً.
وذلك واضح بشكل خاص في أذهان المقامرين الهواة، خصوصاً أولئك الذين لديهم سلسلة أخيرة من حسن الحظ.. فعلى سبيل المثال: إذا طلبت من أحد أن يخمن العملة التي تقلبها وحدث أن كان تخمينه صحيحاً عشر مرات متتالية، فقد يعتقد بأن حظه سيظل سعيداً للأبد، وهو بالتأكيد مخطئ.
والحقيقة هي أن هناك دائماً احتمال 50% من الجواب الصحيح، وقد كانت العشرة تخمينات مجرد حظ.
5- تجاهل المعلومات التي لا تدعم الاعتقاد الخاص بنا:
الأطباء النفسيون يسمون هذا «تأكيد التحيز».. فنحن كبشر نميل بشكل طبيعي للبحث عن المعلومات التي تؤكد وتدعم معتقداتنا، ونحن نميل إلى التغاضي عن المعلومات التي لا تؤكدها.
نوع من الانتقائية في الأدلة التي نختارها حتى لا نطعن في طريقة تفكيرنا؛ لأنه من الأسهل عدم القيام بذلك.
هذا فخ من فخاخ التفكير المدمرة، وهو أمر شائع جداً، ويمكن أن يكون له آثار ضارة على إنتاجيتنا عندما نتخذ قرارات كبيرة على أساس معلومات خاطئة.
6- تفاؤل المبتدئين:
تفاؤل المبتدئين هو ميل الإنسان إلى التقليل من الوقت المطلوب لإكمال مهمة غير مألوفة.. ويحدث ذلك نتيجة لعدم وجود تخطيط والبحوث نيابة عن الشخص المتحمس لفعل شيء ما لم يفعله من قبل.
وبعبارة أخرى، عندما يتم تعيين شخص ما لمهمة جديدة، فإنه يحرص على البدء فوراً بدلاً من تأخير وقت البدء حتى يقوم بتقييم دقيق لمستوى الصعوبة والموارد المطلوبة، فيخمن ويبدأ.
وهكذا، تستند توقعاتنا لحجم العمل على التفاؤل الخام بدلاً من الخبرة السابقة والبيانات الموثقة.
وهذا كله يرتد علينا قليلاً في وقت لاحق عندما نجد أنفسنا غارقين في عمل كنا غير مستعدين له.
7- التمرد ببساطة لإثبات الحرية الشخصية:
وعلى الرغم من أن هذا النمط أكثر شيوعاً في الأطفال، فإن هذا النمط من المغالطة في التفكير يمكن أن يؤثر على الناس في أي عمر.. على أساس الرغبة الشخصية لفعل شيء قيل له: لا تفعله، وخوفاً من أن تسلب حريته في الاختيار.
هذا الشخص قد لا يريد بفعله أن يتمرد، إلا أن الحقيقة البسيطة التي لا تفترض أن يفعل ذلك تحفزه للقيام بذلك على أي حال.
وتكتيك علم النفس العكسي هو الطريقة التي تستخدم عادة لاستغلال هذه المغالطة في التفكير لدى الآخرين؛ ليتمردوا لمجرد التمرد!
8- الحكم على قدرات الشخص من خلال مظهره:
يحدث هذا آلاف المرات يومياً في جميع أنحاء العالم عندما يفترض شخص ما افتراضاً ما عن شخص آخر بشكل فوري على أساس مظهره.. على سبيل المثال، قد ترى شخصاً طويل القامة، مهندم في أوائل الخمسينيات من عمره، وهو يرتدي «بذلة» رسمية، فتفترض على الفور أنه ناجح وموثوق به، على الرغم من عدم وجود أدلة ملموسة لدعم هذا الافتراض.
خلاصة القول: لا يمكنك الحكم على الكتاب من غلافه.
9- محاولة لتقليل الخسائر من خلال الاستمرار في انتهاج وسائل الفشل السابقة:
ويطلق عليه أحياناً مغالطة تكلفة غارقة، وهذا الخطأ في التفكير هو الذي يدفعنا إلى مواصلة دعم مسعى فاشل مسبقاً.. ونبرر قرارنا لمواصلة الاستثمار في هذا المسعى الفاشل بأن ذلك يعتمد على الاستثمار التراكمي لدينا، رغم وجود أدلة جديدة تشير إلى أن التكلفة خاسرة، بدءاً من اليوم، والاستمرار في متابعة ذلك خسارة مؤكدة.. والشيء المنطقي الذي يمكن القيام به بالنسبة لنا لخفض خسائرنا هو التوقف وتغيير مسارنا لأعمال أخرى.
ومع ذلك، نشعر بأننا ملتزمون بأن نستثمر المزيد من الوقت والمال والطاقة في ذلك، على أمل أن يحدث عكس النتيجة المنطقية، ولكن ذلك لن يحدث.>