القرآن الكريم نور، والسُّنة النبوية نور، قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا)(التغابن:8)، وتتجلى إشراقات هذا النور في قلب المؤمن على قدر التزامه وطاعته وهجرانه للمعاصي والآثام، قال ابن عباس: «إن للحسنة ضياء في ال
القرآن الكريم نور، والسُّنة النبوية نور، قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا)(التغابن:8)، وتتجلى إشراقات هذا النور في قلب المؤمن على قدر التزامه وطاعته وهجرانه للمعاصي والآثام، قال ابن عباس: «إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب»، وقد جربنا في دنيا الناس لذة الطاعة وشؤم المعصية.
إن محبة الله سبحانه والإقبال عليه تعالى إيماناً وتوحيداً من العوامل الحاسمة في امتلاء القلب المؤمن بهذا النور، نور الله الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {35})(النور).
الله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل، وهو المرسل لهذا النور في قلوب أوليائه في الدنيا؛ (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) ممن يفتحون قلوبهم للنور فتراه، شائعاً في السماوات والأرض، فائضاً دائماً فيها لا ينقطع، ولا يحتبس، ولا يخبو، فحيثما توجه إليه القلب رآه، وحيثما تطلع إليه الحائر هداه، وحيثما اتصل به وجد الله تعالى، وحينما تطوى صفحة الدنيا، يشيع النور بين أهل الإيمان في الآخرة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {12})(الحديد)، وقال تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {8})(التحريم)، فأيّ قلب لا يهفو لذلك النور في ذلك اليوم؟ وأيّ قلب لا يستجيب لله تعالى أملا في أن يكون من هؤلاء المؤمنين؟
ويجسد النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً عملياً رائعاً في اكتساب هذا النور الإيماني – وضوءاً وصلاة ودعاء – فيما يرويه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند ميمونة، فقام النبي فأتى حاجته فغسل وجهه ويديه ثم نام، ثم قام فأتى القربة فأطلق شنافها، ثم توضأ وضوءاً بين وضوءين، لم يكثر وقد أبلغ، فصلى فقمت فتمطّيت كراهية أن يرى أني كنت أتقيه، فتوضأت، فقام يصلي فقمت عن يساره فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأذنه بلال بالصلاة فصلى ولم يتوضأ وكان يقول في دعائه: «اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً».
إن الإيمان بالله معرفة بالحقيقة الأولى التي لا تقوم في النفس معرفة صحيحة لشيء في هذا الوجود إلا من طريقها.. حيث ينشأ إدراك لحقيقة هذا الوجود، وأنه من خلقه تعالى، ومن ثم يستطيع الإنسان أن يتعامل مع الكون وهو يعرف طبيعته، كما يعرف قوانينه التي تحكمه.
ويستطيع أن ينسق مع حركة هذا الوجود ولا ينحرف عن النواميس الكلّيّة فيسعد بهذا التناسق، ويمضي مع حركة الوجود كله إلى بارئ الوجود في طاعة واستسلام وعبادة شاملة غير منقوصة، وإذا كانت هذه الصفة لازمة لكل إنسان مؤمن على حده، فإنها ألزم ما تكون للجماعة التي تقود البشريّة إلى بارئ الوجود.
والإيمان هو الطمأنينة النفسيّة والثقة في وعد الله وحكمته، وألزم ما يكون للقائد الذي يرتاد الطريق، وقيمته البعد عن الهوى والغرض الشخصي، إذ يصبح القلب متعلّقاً بهدف أبعد من ذاته ويحسّ قدرة الله تعالى في كل شيء.
وهذا الشعور ألزم ما يكون لمن توكل إليه مهمة القيادة البشريّة من المسلمين، ولقد آمن السلف الصالح إيماناً كاملاً أثّر في نفوسهم وأخلاقهم وسلوكهم أثراً كبيراً، وأشاع في حياتهم النور.
ولأن صورة الإيمان قد بهتت وغمضت في النفس البشريّة في وقتنا الراهن، حتى فقدت تأثيرها في أخلاق الناس وسلوكهم، فلا سبيل للنجاة إلا بالعودة إلى الإيمان عودة حيّةً فاعلة، تصلح بها الحياة.
ولا شك أن نور الإيمان الذي يسكن في قلوب المؤمنين يتفاوت على قدر تفاوتهم في الطاعة وقربهم من الرحمن، فهذا قد مُلئ نوراً وإيماناً، وهذا أضعف منه نوراً، ولعل هذا التباين في مستويات الطاعة، فضلاً عن الإقبال والإدبار في الإيمان لدى المسلم، من الخصائص التي ترتبط بالضعف البشري، وتستدعي بين الفينة والأخرى تجديداً في الإيمان، وخاصة صلاة الليل، فقد سئل الحسن البصري: لماذا أهل صلاة الليل أحسن الناس وجوهاً؟ قال: خلَوْا بالله فألبسهم نوراً من نوره، اللهم هب لنا من لدنك نوراً، واقذف الإيمان في قلوبنا، وثبتنا على الطاعة، واجعلنا ممن يسعى النور بين أيديهم، إنه ولى ذلك والقادر عليه.