في الغرب عندما ينجح حزب العمال في الانتخابات ويحل محل حزب المحافظين, فإن نتيجة الانتخابات تعني أن أسلوب إدارة المحافظين في معالجة الملفات الرئيسة غير مقبول
في الغرب عندما ينجح حزب العمال في الانتخابات ويحل محل حزب المحافظين, فإن نتيجة الانتخابات تعني أن أسلوب إدارة المحافظين في معالجة الملفات الرئيسة غير مقبول، أو فاشل، ولهذا أفسح الناخبون الفرصة لأسلوب آخر عرضه العمال في الانتخابات ووعد بتطبيقه بطريقة فعالة .
إذن في وارد مفهوم ” تداول السلطة ” أنت تتحدث عن أساليب إدارة في المقام الأول، وليس عن ولاء لشخص له جاذبية، صحيح أن أسلوب الشخص في الكلام وقدراته المميزة في عرض أفكاره بطريقة مثيرة تخاطب الجماهير أمر مؤثر, ولكن التفكير هو في المضمون أكثر منه في الشكل، في حين يكون المواطن العربي مبهوراً بالشخص حتى وإن أثبت فشله لعشر سنوات أو أكثر، فقد كان في تاريخنا العربي زعماء ميكروفونات رائعون، ولكنهم في معادلة “الإدارة الناجحة” فاشلون تماماً، وبالعكس في نماذج أخرى قليلة الكلام, مثل الشيخ زايد- يرحمه الله – الذي حقق لبلاده ما لم يحققه أحد من زعماء الميكروفونات في بلاد عربية كثيرة.
ما تحتاجه الدولة من الحاكم هو معالجة الملفات الرئيسة بحزم واقتدار، لا بالتفرج والانتظار, وهدر الوقت الثمين, وبحسب جودة القرارات وكفاءة التنفيذ يتم تقييم الحاكم, لهذا يمتدحون الحاكم في تركيا بسبب النتائج التي حققها, وبالطبع تتقدم ملفات وتتأخر بحسب حاجة الدولة, فإذا كانت الدولة في حالة حرب مثلاً فإن الأولوية هي للإدارة التي تناسب الحال، مثلما حدث في بريطانيا بعد نشوب الحرب العالمية الثانية, حينما تم اختيار “ونستون تشرشل” لرئاسة الحكومة بالنظر إلى أن سلفه “نيفين تشامبرلن” كان يطرح نهجاً رخواً لمواجهة “هتلر”, بينما كان “تشرشل” يدعو منذ بداية تصعيد هتلر إلى الاستعداد للأسوأ بغير تردد، فلما صدقت رؤيته لهذا الحدث الجلل, تمت دعوته فوراً لمواجهة ذلك الخطر الداهم, ثم بعد إنجازه لمهمته لم يجدد له الناخب البريطاني في “دواننج ستريت”, وأخرجه من الوزارة في انتخابات 1946م، لأن بريطانيا كانت بحاجة إلى إدارة الإعمار، وهي تتطلب مهارات تختلف عن مهارة إدارة الحرب .
في الكويت، كانت فترة الاحتلال العراقي بحاجة إلى الشيخ سعد العبد الله يرحمه الله, وبسبب نهجه الحازم تمكنت الإدارة الكويتية من مواجهة الأزمة بما يناسبها, فهي إذن مراحل، ولكل منها رجال, ومواصفات إدارية, وينسحب ذلك على الصف الثاني من القيادة المحيطة بالقائد، فلكل مرحلة صف ثان يناسبها, وبشكل عام فإن العامل الاقتصادي يتصدر الأولوية في إدارة أي دولة تتطلع إلى القوة والمنعة, وقد كان القادة المتسلطون يتطلعون إلى تحقيق القوة الاقتصادية بالقفز على أسوار الجيران وسرقة الطعام منهم وهو تفكير لصوصي, في حين يتميز القادة المبدعون في تحقيق الاكتفاء الذاتي مهما كانت موارد الدولة محدودة مثلما هو حال جزيرة سنغافورة, أو فنلندة المجاورة للقطب الشمالي, وكلاهما بغير موارد طبيعية تذكر، ومع ذلك فهما تتصدران قائمة أغنى دول العالم .
نعم, أسلوب إدارة الحاكم, هو الهدف من تداول السلطة, هذه الحقيقة يمارسها بعض الملوك المعاصرين في تغيير رئيس الوزراء حسب متطلبات المرحلة, ويمنحه ووزراءه الدعم الكامل لتحقيق الواجب الذي أنيط به, وفي الكويت تتسم عملية اختيار طاقم الفريق الحكومي بشكل متردد بين الرغبة في تحقيق الكفاءة الاقتصادية, وبين إشباع نهم السياسيين الذين يطالبون بشيء، فإذا تحقق – وهو اختيار وزراء أقوياء- فإنهم يمارسون عليهم الضغط والإقصاء بلا هوادة, ويسكتون عن الوزير الضعيف مهنياً وإدارياً، والسبب الرئيس لهذا السلوك هو ” تسخير هذا الوزير الضعيف صلاحياته لمراضاتهم وتلبية مطالبهم غير القانونية”, ولو صدر قرار يحظر على الموظفين إنجاز أية معاملة تقدم إليهم من النواب، لتغير الحال، حيث يتسبب الضغط حالياً على النائب من قبل الناخب في تغيير سلوكه من ” برلماني رقابي” إلى شخص نهم في (المطلبية), وكثيراً ما أدى ذلك إلى إغراء نواب ينجزون 5 معاملات للناخبين ومعها 10 معاملات لهم ولأقاربهم، وجميعها غير قانونية وتمثل تعدياً على أموال الدولة .
نعم, مثلما أن هناك حاجة للإصلاح في دوحة الحكم بما يناسب كل مرحلة على نحو ما أسلفنا، فلا بد أن يواكب ذلك إصلاح في الجانب النيابي, كي تختفي معه صفة ” نائب معاملات” .. إلى الأبد, وهذا يعني أن يعدل الناخب توجهاته, فهؤلاء النواب هم في النهاية إفراز لتلك التوجهات ” كيفما تكونوا يول عليكم ” فلنبحث عن رجل الدولة الذي لا يتسلى بالميكروفونات على حساب الإنجاز الحقيقي, وبالتبعية, لا يجوز أن يقيم الناخب النائب بحس قدراته على الظهور الإعلامي والإثارة, الذي يعني إحداث فرقعات صوتية دون تحقيق إنجاز فعلي ينفع “عموم” الناس, ويمكث في الأرض.