تواظب الجالية المسلمة في ميونخ على زيارة مساجد المدينة خاصة يوم الجمعة
تواظب الجالية المسلمة في ميونخ على زيارة مساجد المدينة خاصة يوم الجمعة، حيث يتجمع المسلمون لإقامة الصلاة، لكن نظرات الشك والريبة التي يرمقهم بها بعض جيرانهم، باتت تشكل لهم مصدر قلق دائم لا يشعرون معه بالارتياح.
هل فعلاًً أصبحت مساجد المسلمين في ميونخ تعيش في عزلة ولا يربط بينها وبين الجيران الألمان أي تجاوب أو ود؟ ولماذا ينظر لها بعض الألمان أحياناً بشك وريبة؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال بشكل قطعي ومحدد، فهناك بالفعل مساجد في ميونخ معزولة كالتي تقع في شقق سكنية صغيرة، أو في أقبية تحت الأرض، أو في مصانع مهجورة بعيدة عن الأحياء السكنية، كما أن هناك أيضاً مساجد تلقي نوعاً متحفظاً من الترحيب كالتي تقع في مناطق أغلبية سكانها من المسلمين، وهناك نوع ثالث من المساجد منفتح بشكل أكبر على المجتمع الألماني وتربطه علاقة رسمية بالسلطات كالمركز الإسلامي في ميونخ.
مساجد صغيرة وكبيرة
المساجد التركية على سبيل المثال، تقع في أحياء غالبية سكانها من الأتراك، وهي أكبر جالية إسلامية في المدينة، تمتلك مشاريع تجارية وعقارات في قلب ميونخ؛ لذلك فهي بعيدة عن الاحتكاك المباشر مع الجيران الألمان، يشرف عليها ويديرها أفراد من الجالية التركية.
وفي هذا الإطار يقول «عيسى ديميريل»، من المسجد التركي في شارع «شفانتلرشتراسه»: «نحن قوم مسالمون نمارس شعائرنا في سلام وننصرف بعدها إلى منازلنا».. أما «د. أحمد خليفة»، مدير المركز الإسلامي في ميونخ فيوضح: «لسنا معزولين في المجتمع، ونحن نمارس شعائرنا الدينية في إطار حقوق ممارسة العقائد التي نص عليها الدستور الألماني بالسماح للديانات الأخرى بحق إقامة دور العبادة»،، مضيفاً أن المركز الإسلامي في المدينة مفتوح للجميع، ويزوره باحثون ودارسون من كل الجنسيات.
من جهة أخرى، يقول إمام مسجد الجالية الإريترية الواقع في أحد شوارع وسط ميونخ الضيقة: إن المسجد عبارة عن شقة من غرفتين وصالة، تقع في عمارة سكنية، وهناك عدد كبير من المصلين العرب يفدون إلى المسجد لموقعه في وسط المدينة، وكذلك لأن خطبة يوم الجمعة تكون باللغة العربية، ويقول: إن العلاقة التي تربطهم بالجيران الألمان هي علاقة طيبة، أما شكوى الجيران فهي تتلخص في الأصوات العالية التي تخرج من المسجد، والأذان بصوت مرتفع، أو ترك الأحذية خارج عتبات المسجد، والضوضاء التي تحدث من المصلين خارج المسجد بعد انقضاء الصلاة.
تحفظ على بناء المساجد: تختلف مواقف الألمان تجاه بناء المزيد من المساجد بين التسامح والتشدد، إلا أن المعارضة الأكثر ظهوراً في ميونخ يمكن رصدها في وسط المدينة أثناء المظاهرات التي تنظمها بعض الجماعات المتشددة، وفيها ترفع اللافتات تربط بين الإسلام والإرهاب، كما يتم جمع التوقيعات بغرض غلق المساجد لمنع ما يصفونه بـ«أسلمة ميونخ» حفاظاً على هوية بافاريا المسيحية، إلا أنه لا يمكن وصف كل من يعارض بناء المساجد بالمتشدد، فهناك من لا ينظر بعين الرضا لاكتساح دور العبادة للأماكن العامة في دولة فيها فصل تام بين الدين والدولة، كما أن هناك البعض الآخر الذي يرى في انغلاق بعض المسلمين على أنفسهم عائقاً أمام اندماجهم في المجتمع الألماني.
في قلب إحدى المظاهرات، اقتربتُُُ من أحد الناشطين المعارضين الذي علق على ظهره لافتة كبيرة يعترض فيها على بناء مساجد في ميونخ، سألته: لماذا ترفض أن يقيم المسلمون شعائرهم في دور العبادة الخاصة بهم؟ رد قائلاً: إن المساجد هنا تهدد هوية ولاية بافاريا المسيحية، وإنها تعتبر أوكاراً للإرهابيين ويجب غلقها، لكن على الجانب المقابل تقف مجموعة أخرى من الشباب الألماني يحمل أحدهم لافتة تؤيد التعددية الثقافية والتنوع العرقي في المدينة، ويقول: نعم.. يجب أن يؤدي المسلمون شعائرهم في دور العبادة الخاصة بهم؛ لأننا نؤمن بأن أهم ما يميز ميونخ هو ذلك التنوع العرقي واختلاف الجنسيات فيها.
استقرار الدول الإسلامية
وتظل أزمة الثقة تجاه الإسلام في المجتمعات الغربية قائمة، فأخبار القتل والاغتيالات وعدم احترام حقوق الإنسان في عدد من الدول الإسلامية يضر بصورة الإسلام، ويزيد من حذر الكثيرين تجاهه لدرجة الخلط أحياناًً بين المسلمين المتطرفين والمسلمين العاديين، وهناك من يتخوف فعلاً من تحويل المساجد إلى أوكار للأصوليين والجمعيات التي تحاول استغلال الدين لأهداف سياسية، كل هذه العوامل تخلق جواً سلبياً يزيد من عدم الفهم تجاه دين شوهه المتطرفون في السنوات الأخيرة، وبه يبررون أعمالهم الإرهابية.
ويشتكي المسلمون من أن مجالس البلديات تعرقل في الغالب إصدار تصاريح جديدة لبناء مساجد لهم؛ بحجة عدم وجود أماكن لانتظار السيارات، أو وجوب حماية المساحات الخضراء، أو الخوف من التأثير على شكل المدينة المعماري، أو حتى الحد من الضوضاء.
وتتباين آراء الألمان أيضاً في هذه القضية، فمن جهتها ترى «فروا نيجاميير»، الطالبة في جامعة ميونخ، أن من حق المسلمين ممارسة شعائرهم دون خوف قائلة: «لقد تعرفت على طلاب مسلمين في الجامعة، وهم يتحلون بأخلاق جيدة، وبعضهم كان يؤدي الصلاة في الجامعة»، مضيفة أن منهم من ولد على هذه الأرض، وألمانيا أصبحت بالنسبة لهم وطناً ومكان عمل.
ويشاركها في هذا الرأي «أحمد طاهر»، وهو مصري مقيم في ألمانيا، معتبراً أن ألمانيا أصبحت وطناً له بعد حصوله على الجنسية، والدستور يضمن له حق ممارسة شعائره الدينية بكل حرية، وهو يرى أن المسجد بالنسبة له ولأولاده يمثل الرابط الوحيد بثقافته الإسلامية، ففيه يتعلم الصغار تعاليم الإسلام واللغة العربية.>