كما فرحنا بالأمس بإعادة الاعتبار الى اللحمة الخليجية والقرار الخليجي، في الوقت الذي استاء فيه البعض من هذا التطور في الموقف الخليجي، يفرح اليوم هذا البعض بالاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع شيطانها الأكبر! بينما نشعر نحن بالامتعاض من هذا التصرف الأميركي الذي أدار ظهره لحلفائه الأزليين، وتوجه نحو عدوه القديم! وأعتقد أن السبب في تباين مشاعر الفرح والغضب بين قطاعات الشعب الواحد هو معايير الحب والولاء، فمن أحب الكويت ودول الخليج فرح لعزّتها وعلو مجدها، ومن كان حبه لما وراء البحار فرح لرفع العقوبات عنها وتمكّنها من بسط سيطرتها على دول المنطقة.
اليوم أثبتت أميركا، مرة أخرى، أنها دولة لا تحترم مبادئها، وإنما مصلحتها، ومصلحتها فقط. اليوم أميركا بعد أن مصّت دم دول الخليج واستخدمت تحالفها معها لتنفيذ أجندتها في محاربتها لخصومها، سواء في أفغانستان وحربها على «القاعدة» أو غزو العراق وإسقاط الطاغية صدام، أو تحجيم دور الإخوان المسلمين في المنطقة العربية، وأخيرا محاربتها للتنظيمات السنية التي تقاتل نظام بشار الأسد بحجة حربها على تنظيم داعش، الذي هو بلا شك صنيعة استخباراتها، اليوم أميركا تؤدي الفصل الأخير من هذه المسرحية لتضع يدها بيد آيات الله أعداء الشيطان الأكبر أصحاب الشعار الخالد «الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل»!
إذا أرادت دول الخليج تصحيح الميل في ميزان القوى في المنطقة، فعليها أولاً أن تعيد علاقتها مع شعوبها على أساس من الثقة المتبادلة والاحترام المتبادل، فهذه الشعوب أثبتت أنها مخلصة ووفية عند الشدائد، وأنها تتنازل عن كثير من حقوقها من أجل الوطن ومصالحه؛ ولذلك تستحق أفضل مما هي عليه اليوم، إذ لا يستوي أن تضحي وتستمر في تضحياتها من أجل بعض حكومات تعاقب شعوبها فقط لأنها طالبت بإصلاحات تشريعية، أو حكومة تحول أبناء شعبها إلى النيابة من أجل تغريدة هنا وأخرى هناك، أو حكومة تسجن مواطنيها سنوات من دون محاكمات! اليوم نعيش في زمن البحث عن المصالح.. مصالح الدول التي تنعكس في رفاهية الشعوب وازدهارها. ولذلك ضحّت إيران بمبادئ «ثورتها»، وأسقطت شعاراتها الخالدة من أجل بعض مسؤوليها وطموحاتهم اللامحدودة.
اليوم أمام دول الخليج فرصة لتكوين حلف جديد يعوّض الفراغ الذي تركته أميركا طواعية منها ورغماً عنا، حلف يضم تركيا وباكستان، فالأولى تعتبر من أكبر الاقتصادات في العالم والثانية دولة إسلامية نووية، وبالتجربة أثبتت أنها صادقة في حماستها للدفاع عن ديار المسلمين. فإن أضفنا إلى ذلك دول الخليج التي تمسك بعصب الاقتصاد العالمي، فإننا نكون بذلك قوةً تفرض احترامها على الآخرين. أما مصر، التي كم تمنينا أن تكون حجر الأساس لأي حلف عربي – إسلامي، فمع الأسف الشديد ربما سقطت في أول اختبار.