رأفت مرة
أدى الهجوم الذي قامت به جماعة “داعش” على مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب العاصمة السورية إلى إعادة خلط الأوراق داخل المخيم، وفي المنطقة المحيطة، وفرض وقائع جديدة على الأرض ربما لم تخطر ببال أحد.
وتشير المعلومات إلى أن السبب الرئيس الذي دفع جماعة “داعش” لمهاجمة المخيم، هو ورود أخبار عن مصالحة كانت ستوقّع عليها المجموعات المسلحة داخل مخيم اليرموك مع النظام السوري، وهذا يعني فرض تهدئة في تلك المنطقة.
وتقول المعلومات: إن هذا الأمر لو حصل كان يعني بشكل ما محاصرة جماعة “داعش” في المنطقة المعروفة بـ”الحجر الأسود” في جنوب دمشق، وبذلك ينضم مخيم اليرموك إلى المصالحات التي جرت في جنوب دمشق، في مناطق يلدا وببيلا وبيت سحم.
وتشير المعطيات إلى أن “داعش” هاجمت المخيم بالتحالف مع جبهة النصرة لإفشال هذا المخطط الذي يؤدي إلى إضعافهم ومحاصرتهم.
الخاسر الأكبر من هذه المعارك كان مخيم اليرموك، فقد سيطرت عليه “داعش”، وقتلت العشرات من أبنائه، وهجّرت المئات، وزادت أوضاعه سوءاً، إذ استشهد فيه 175 فلسطينياً بسبب الجوع والحصار، ودمرت مئات المنازل.
هنا، صار واقع المخيم أصعب، “احتلال داعش” للمخيم عقّد الأزمة، ودفع النظام إلى قصف المخيم والتمهيد لاقتحامه بالتعاون مع المجموعات الفلسطينية والسورية المتحالفة معه.
وازداد الوضع الإنساني تعقيداً، وهذه المعارك أحرجت الكثير من المجموعات السورية المسلحة، وأحرجت “داعش” التي ظهرت بأنها تقتل الفلسطينيين وتدمر ممتلكاتهم وتدوس العلم الفلسطيني.
هذه الأزمة دفعت السلطة الفلسطينية إلى إرسال ممثل عنها هو أحمد مجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، الذي وصل دمشق وأجرى مباحثات مع المسؤولين السورييين، ثم اجتمع بـ14 فصيلاً فلسطينياً في دمشق.
المجدلاني أيّد خطة النظام السوري لاقتحام المخيم، وقال: وُضعنا أمام خيارات أخرى لحلّ أمني نراعي فيه الشراكة مع الدولة السورية صاحبة القرار الأول والأخير في الحفاظ على أمن المواطنين، أضاف: الجهد الفلسطيني هو جهد تكاملي مع دور الدولة السورية في تطهير المخيم من الإرهاب.
وقال ممثل منظمة التحرير في سورية أنور عبدالهادي: الفصائل الفلسطينية توافقت في الاجتماع على دعم الحل العسكري لإخراج “داعش” من المخيم.
كشف هذا الكلام قبل وأثناء اجتماع الفصائل الفلسطينية في دمشق، عن وجود قرار سوري باقتحام المخيم، وهذا يعني شنّ هجوم عسكري ومواجهة “داعش” والمجموعات المعارضة للنظام؛ الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من التعقيد، والمزيد من الخسائر والدمار وربما إزالة المخيم، وتدميره، وهو أهم مخيم فلسطيني في سورية.
لكن كلاً من حركة “حماس” التي لم تكن مشاركة في اجتماع الفصائل بدمشق، ومنظمة التحرير الفلسطينية، رفضتا اقتحام المخيم.
وكان من اللافت صدور بيان من اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله يرفض اقتحام المخيم، ويقول: إن المنظمة ترفض أن تكون طرفاً في صراع مسلح على أرض مخيم اليرموك بحجة إنقاذ المخيم الجريح.
هذه المواقف الرافضة أعادت القضية إلى المربع الأول.
الآن وبعد كل ما جرى هناك عدة سيناريوهات لمخيم اليرموك، أهمها:
1- أن يصرّ النظام على الحلّ العسكري لأزمة المخيم، وأن يقوم هو ومن يعاونه باتخاذ قرار بدء المعركة لطرد “داعش” والمجموعات الأخرى، وهذا القرار ممكن، لكنه صعب بسبب تعقيداته السياسية والعسكرية.
2- أن يبقى الوضع في المخيم على ما هو عليه اليوم من أزمات: حصار، وإغلاق، ومعارك جانبية.
3- أن يسعى النظام إلى اكتساب الوقت وإلى حشد أكبر عدد من القوى والمناصرين، وأن يجري مصالحات مع مجموعات مسلحة متضررة من “داعش” فتتحد هذه القوى وتهاجم “داعش”، ويجري بعدها إيجاد حل للمخيم.
4- أن تقوم “داعش” بخطوة مفاجئة تسحب البساط من تحت الجميع، فتنسحب من المخيم، وتعود لقواعدها السابقة، فتسحب مبرر مهاجمة المخيم.
كل هذه السيناريوهات مطروحة، وكل طرف يجري حساباته بناء عليها، والأيام القادمة ستظهر أي سيناريو ستكون له الغلبة بناء على المصالح والموازين.
لكن مصالح الفلسطينيين، والقاسم السياسي المشترك لمعظم القوى الفلسطينية، تتمثل في إيجاد حل سياسي للمخيم، وإخراج المسلحين منه، وتحييد المخيم عن الصراعات، وإعادة المخيم لحياته الطبيعية.