تمت أغلب عمليات اختطاف الطائرات إما لأسباب شخصية أو إجرامية؛ حيث إنه منذ القديم كان يستعملها البعض بهدف طلب اللجوء السياسي أو للحصول على فدية مالية، وليس من أجل لفت اهتمام الرأي العام العالمي نحو قضايا القتل الجماعية ذات النزعة المتطرفة، ولكن منذ تلك العقود بدأت عمليات الاختطاف الإرهابية تتطور، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر القاتمة، أصبحت تلك الأحداث أقل شيوعاً وتكرراً.
وحتى الوقت الراهن، لا تزال الأسباب التي دفعت بذلك الرجل لاختطاف طائرة ركاب مصرية غير واضحة، وعلى الرغم من أنه تمّ اعتقاله يوم الثلاثاء الماضي، حيث كانت هذه الحادثة بمثابة سبق إجرامي لم يكن له مثيل في تاريخ الإجرام الجوي، وكانت مفاجأة حقيقية لكثير من المراقبين؛ لأن أغلب التهديدات السابقة التي استهدفت الطيران الجوي كانت على شكل تفجيرات، هجمات صاروخية، طيارين غير شرفاء، محاولة لتحويل وجهة طائرة أو تهديد حياة الركاب الموجودين على متن الطائرة، حيث كان من المرجح، أن تُخلف هذه الحادثة كارثة إنسانية تُحطّم كل المقاييس القديمة.
ومنذ الحرب الباردة، كانت جُل عمليات الاختطاف عبارة عن محاولات يائسة وفاشلة، وتنتهي برمي منفذيها وراء القضبان الحديدية في أغلب الأحيان، في سنة 1953م، قام قائد طائرة تشيكوسلوفاكي بتحويل وجهة طائرة إلى فرانكفورت، ملتمساً اللجوء السياسي هناك، وقد تلت خطة اللجوء الجريئة هذه العديد من العمليات المماثلة في السبعينيات، حيث قام عشرات آخرون بالاستيلاء على رحلات جوية أمريكية متوجهة إلى كوبا.
ومنذ تلك الأحداث، أصبحت الطائرات أهدافاً جذابة للمجرمين الفارين من العدالة، الذين لطالما استخدموا الطائرات وركابها كورقة ضغطٍ في المفاوضات للحصول على فدية مالية، وفي بعض الأحيان استطاعوا تحقيق أهدافهم ونجحوا في مساعيهم الشريرة.
ومن أشهر عمليات الاختطاف الجوية تلك التي قام فيها الرجل الملقّب باسم د. ب كوبر باستقلال طائرة في بورتلاند، متجهة إلى أوريجون عام 1971م، حاملاً قنبلة معه، حيث قام هذا الأخير بإجبار الطائرة على الهبوط في مدينة سياتل غرب أمريكا، ومن ثم قام بطلب فدية مالية قدرها 200 ألف دولار لإطلاق سراح الركاب، وعندما حقق مبتغاه وتمّت تلبية مطالبه، أمر الطائرة بالإقلاع من جديد، وقيل: إنه قفز من على متن الطائرة باستخدام مظلة حاملاً حقيبة النقود، ومنذ ذلك اليوم لم تتمكن السلطات الأمريكية من العثور عليه.
في منتصف السبعينيات، تمّ خطف قرابة 150 طائرة في الولايات المتحدة فقط، وأصبحت الجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط رمزاً من رموز عصابات الخطف، التي تهدف لسرقة أضواء الشهرة وكسب صيت في مجال القرصنة المنظّمة.
وفي عام 1968م، استولت مجموعة من الخاطفين على رحلة متجهة إلى تل أبيب قادمة من روما وقاموا بإجبارها على الهبوط في الجزائر واحتجاز 22 رهينة، ولم يتم الإفراج عن 12 رهينة إلا بعد مرور أكثر من شهر.
في عام 1970م، اختطف مسلحون فلسطينيون خمس طائرات، تتجه أربعة منها إلى نيويورك وواحدة إلى لندن بهدف المطالبة بإطلاق سراح النشطاء المسجونين من قبل “إسرائيل”، واضطرت ثلاث من الطائرات إلى الهبوط في ميدان داوسون، وهي قاعدة سلاح الجو البريطاني السابق في منطقة نائية في الأردن، في حين تمّ تحويل الرابعة لمصر، أمّا أطقم الطائرة الخامسة، فتم تحويل وجهتها إلى نيويورك من أمستردام، وتمكّن الخاطفون المتواجدون على متن الطائرة من إرغامها على الهبوط الاضطراري في لندن.
وفي هذا السياق، قال مستشار ومدير الأمن السابق في مطار هيثرو القريب من لندن، نورمان شانكس: كانت هذه أول محاولة اختطاف إرهابية تهدف بالأساس لجذب اهتمام وسائل الإعلام، ولم تكن تهدف بتاتاً إلى قتل الناس، بل كانت مجرد وسيلة للحصول على الشهرة.
كما أضاف السيد شانكس أنه منذ حادثة ميدان داوسون، بدأ المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات منسّقة لمنع عمليات الخطف الجوي، وفي أواخر السبعينيات، قامت منظمة الطيران المدني الدولية، التي تعمل مع الأمم المتحدة، باتخاذ تدابير أمنية تلزم الركاب بالمرور عبر أجهزة الكشف عن المعادن، وتفتيش الأمتعة بالأشعة السينية قبل الصعود إلى الطائرة.
ووضّح شانكس أيضاً أن تعزيز هذا النظام الأمني يهدف أساساً إلى منع الركاب من اصطحاب أسلحة معدنية مثل بندقية، سكين أو قنبلة على متن الطائرة، ولكن ليس بالضرورة أن تكشف وجود القنابل، حيث إن هذا الاعتقاد خاطئ.
بعد سقوط طائرة ركاب أمريكية تابعة لشركة طيران بان أمريكان أثناء تحليقها فوق قرية لوكربي بأسكتلندا عام 1988م نتيجة انفجار قنبلة، بدأت المطارات بإدخال أنظمة فحص إضافية للكشف عن المتفجرات.
خفّضت تلك التدابير الأمنية بشكل كبير من عدد عمليات الخطف، ولكنها لم تلغِ تواجد هذا الخطر، وفي العديد من البلدان، استخدمت إجراءات الفحص الأمنية فقط في رحلات الطيران الدولية، ولكن بقيت الرحلات الداخلية أكثر عرضة للخطر.
وقد استغلت هذه الثغرة الأمنية من قبل عناصر من “تنظيم القاعدة”، عندما قاموا بالاستيلاء على أربعة رحلات جوية محلية في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001م، حيث لم تكن مثل هذه الطائرات محظورة من التحليق في المجال الجوي المحلي آنذاك.
وقد جاءت هجمات 11 سبتمبر بموجة جديدة من الإجراءات المشددة الاحتياطية، حيث تمّ ربط شبكات أمن مراقبة المطارات في الولايات المتحدة بإدارة الأمن الداخلي، وقامت الخطوط الجوية بتدريب طواقمها ليكونوا أكثر يقظة وحرصاً مع الركاب ذوي الطابع العنيف والتعامل معهم بشكل أكثر فعالية وصرامة، وتمّ إحكام غلق أبواب قمرة القيادة وفرض غلقها طيلة فترة الرحلات.
وفي هذا الإطار، قال المدير العام لشركة الضوء الأخضر، وهي شركة أمن استشارية في الطيران في لندن، ومؤلف الكتاب الذي نُشر مؤخراً حول تاريخ عمليات خطف الطائرات والتفجيرات، فيليب باوم، ساهمت هذه الخطوات وغيرها من تقليص حجم المخاطر، على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية.
كما أضاف السيد باوم، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تغيرت الكثير من المعطيات وبالتأكيد تغيرت حتى عقلية التعامل، ومن المتوقع أن تصبح العلاقة بين طاقم الطائرة والركاب أكثر عدوانية.
وعلى الرغم من كل التدابير الأمنية الإضافية التي اتخذتها العديد من المطارات، مازالت عمليات الخطف تحدث، ولكن هوية الخاطفين ليسوا دائماً من ضمن قائمة الركاب، ففي عام 2000م، اختطفت طائرة الخطوط الجوية العربية السعودية المتجهة إلى لندن من جدة، من قبل اثنين من حراس المطار، الذين كانوا مواطنين سعوديين، وقاموا بإجبار قائد الطائرة على تحويل وجهة الطائرة إلى بغداد، أما في عام 2014م، فقد قام مساعد طيار من طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية بإخراج القبطان من قمرة القيادة، أثناء رحلة تتجه إلى روما من أديس أبابا، وتحويل مسار الطائرة إلى جنيف، من أجل طلب اللجوء السياسي لا غير.
ويقول المحللون: إن وجود شك ضئيل يمكن أن يُهدد أمن المطار يجب أن يُؤخذ على محمل الجد في بعض المطارات، وللأسف يشعر بعض عناصر أطقم الطائرات بعدم الثقة للإدلاء بإمكانية تسلل بعض الخاطفين الحاملين للسلاح على متن الطائرة.
وفي هذا السياق، يقول مدير أمن مطار هيثرو السابق، السيد شانكس: اليوم يمكنك اختطاف طائرة بمجرد حصولك على تصريح بالمرور، وكل الحلول مبنية على مبدأ الشك.
المصدر:
http://www.nytimes.com/2016/03/30/world/middleeast/airline-hijacking-history.html?_r=0