الاحتجاجات التي اندلعت أمس الجمعة في العاصمة المصرية القاهرة ومدينة الإسكندرية والتي قدرت أعداد المشاركين فيها بنحو ألفي شخص، هي العلامة الأحدث على فقدان عبدالفتاح السيسي للدعم الشعبي الذي اكتسبه في أعقاب سلسلة من الإجراءات الجريئة.
بتلك الكلمات علقت صحيفة “وول ستريت جورنال” على التظاهرات التي انطلقت أمس في مصر تحت مسمى “الأرض هي العرض” ضد ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتي سيتم بموجبها نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى الرياض.
وذكرت الصحيفة في سياق تقرير على نسختها الإلكترونية أنَّ تلك المظاهرات تعد من بين أكبر التجمعات العامة التي تشهدها مصر منذ العام 2013م الذي أشرف فيه السيسي آنذاك، بوصفه القائد العام للقوات المسلحة على تمرير قانون يجرم التظاهر في الشوارع بدون ترخيص مسبق من الأجهزة الأمنية.
واستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق التظاهرات المحدودة في القاهرة والإسكندرية، وتجمع زهاء 1500 شخص وسط القاهرة وتحديدًا أمام نقابة الصحفيين للاحتجاج على ما وصفوه بأنّه تنازل من السلطات عن الجزيرتين لصالح المملكة العربية السعودية.
وأغلقت الشرطة عددًا من الميادين العامة قبل الاحتجاجات، من بينها ميدان التحرير، مهد ثورة الـ 25 من يناير 2011م التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك بعد30 عامًا قضاها في سدة الحكم.
وأصدرت وزارة الداخلية أمس الأول الخميس بيانات حضت فيه المصريين على ألا ينساقوا وراء الدعوات المغرضة، محذرة في الوقت ذاته من مغبة أي محاولات للخروج على القانون.
وأضاف البيان أن الوزارة ستتخذ كافة الإجراءات القانونية الحاسمة للمحافظة على الأمن العام.
وردد المشاركون في الاحتجاجات شعارات عدة، من بينها “عيش، حرية، والجزر مصرية”، بالإضافة إلى هتافات مناوئة للنظام، تعيد إلى الأذهان نفس الشعارات التي كان يرفعها المتظاهرون ضد مبارك ورموز نظامه خلال ثورة الـ 25 من يناير.
وقالت منة هاشم (24 عاما)، إحدى المتظاهرات: حتى إذا ما انتهى هذا اليوم دون حدوث تغيير، فإنّه بداية شيء.
وتحدث فادي سمير (22 عاماً) والذي كان من بين المشاركين في الاحتجاجات أمام نقابة الصحفيين، لـ “وول ستريت جورنال” بقوله: الناس ينتظرون شرارة، مردفاً: اليوم هو الأمل.
وأشار سمير وآخرون إلى أنهم خرجوا في تظاهرات أمس للتعبير عن غضبهم من الاتفاق المصري السعودي الخاص بالجزيرتين والذي كشفت الحكومة المصرية النقاب عنه خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة الأسبوع الماضي، وأثار جدلاً واسعًا في الشارع المصري ووضع القيادة السياسية في مرمى الانتقادات.
يُشار إلى أن النظام المصري قد تعرَّض في الآونة الأخيرة لموجة انتقادات غير مسبوقة بسبب طريقة إدارته لعدد من الملفات المهمة، من بينها أزمة الاحتياطي الأجنبي لمصر والاعتقالات الواسعة للناشطين والصحفيين.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أكَّد مؤخرًا أنَّ مصر لم تفرط في حقوقها عندما وقعت اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع السعودية الذي تضمن أن جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر سعوديتان.
وقال السيسي في كلمة في اجتماع مع مسؤولين وسياسيين وإعلاميين الأربعاء الماضي: إننا لم نفرط في حقنا ولم نفرط في ذرة رمل واحدة وأعطينا الآخرين حقوقهم.
وأوضح أن ردود الأفعال حول هذه القضية لن تؤثر على العلاقات المصرية السعودية، مشيرًا إلى أن رد فعل المصريين والإعلام لم يخدم مصر فيما يتعلق بموضوع سد النهضة مع إثيوبيا.
ويذهب المسؤولون السعوديون والمصريون من مؤيدي قرار نقل تبعية تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية إلى أن الجزيرتين ملكية سعودية وكانتا تحت السيطرة المصرية فقط بعد أن طلبت الرياض من القاهرة فرض حمايتها عليهما في العام 1950م.
ولكن حتى المحللين الذين يقرون بأحقية السعودية في الجزيرتين لا يزالون يتحفظون على الطريقة التي أعلنت بها الحكومة المصرية عن الاتفاق بعد توقيعه.
يذكر أنَّ جزيرة تيران – وهي الكبرى – تقع عند مدخل مضيق تيران الذي يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر، وتبعد 6 كيلومترات عن ساحل سيناء الشرقي، وتبلغ مساحتها 80 كيلومتراً مربعاً، أما جزيرة صنافير فتقع شرق جزيرة تيران، وتبلغ مساحتها نحو 33 كيلومتراً مربعاً.
وتكتسب الجزيرتان أهمية إستراتيجية لأنهما تتحكمان في حركة الملاحة بخليج العقبة، وهما جزء من المنطقة “ج” المحددة في معاهدة “كامب ديفد” للسلام بين مصر و”إسرائيل”.