تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي جاءت ضمن المائة دولة الأولى في مؤشر احترام حرية الصحافة والتعبير من بين 188 دولة، في حين تربعت مصر في ظل حكم الجنرال السيسي في منزلة بين سورية والكيان الصهيوني، وهي المرتبة 159، هذا ما أفاد به آخر تقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، تم عرضه في تونس.
وفي الدول الغربية، حافظت فنلندا على موقع الصدارة، منذ عام 2010م تليها هولندا، ثم النرويج، واحتلت بولندا المركز47.
الاستبداد والإعلام
يعتبر التقرير أن العنف بما في ذلك المسلح ما هو إلا أحد إفرازات الاستبداد، حيث لم تتعود كثير من الشعوب على حل خلافاتها بالطرق السلمية كالانتخابات الحرة والشفافة، واحترام نتائج الانتخابات التي يجمع على نزاهتها وخلوها من التزوير، ولا عجب إذ تحتل الدول الاستبدادية، والتي تعيش صراعات مسلحة المراكز المتأخرة في سلم ترتيب مؤشر احترام حرية الصحافة والتعبير، فقد جاءت مصر تحت حكم العسكر بين ترتيب الكيان الصهيوني (101)، ونظام الأسد في سورية (177)، بل نجد دولاً متقدمة على مصر في ظل حكم العسكر، رغم أن التقرير انتقدها بشدة، مثل بوروندي التي جاءت في المركز (156)، والعراق (158)، والجزائر (129)، والمغرب (133).
ويخضع التقييم آنف الذكر إلى معايير؛ استقلالية وسائل الإعلام، والتعددية الإعلامية الحقيقية التي تعبر عن مختلف الحساسيات السياسية والثقافية، ومحيط العمل الإعلامي، والرقابة الذاتية أو السلطوية، والإطار القانوني لحرية الصحافة، والشفافية، والبنية التحتية، والاعتداءات المسجلة، إلى جانب نتائج الاستمارات التي تقوم المنظمة بتوزيعها على نشطاء المجتمع المدني، والسلطات الحاكمة، ثم عمليات التوثيق للمعلومات التي تنشر أو يتم تزويد المنظمات المدافعة عن الحريات ومنها الحريات الإعلامية بها من قبل مختلف الناشطين.
وقال رئيس مركز تونس لحرية الصحافة، محمود الذوادي لـ”المجتمع”: يستحضرني ما قاله الأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، كريستوف ديلوار، المناخ العام الذي يطغى عليه الخوف يؤدي إلى كراهية متنامية حيال الحوار والتعددية، وتابع رداً على سؤال بخصوص مصر وبعض البلدان الاستبدادية الأخرى: يخشون حرية التعبير أكثر من السلاح، ويكممون الأفواه بعلة الإرهاب، ويشترون ذمم الصحفيين بقوت الشعب وعلى حساب حقوقه، مشيراً إلى وجود ما وصفه “سوق نخاسة إعلامية” بكل ما تعني الكلمة من معنى.
وجاء في التقرير: البلدان التي تعيش في سلام، وإن كان سلاماً بوليسياً، فإن السلطات لا تتوانى في خنق الصحافة وتكميم الأصوات الإعلامية، أو إغلاق القنوات الفضائية، كما هي الحال في مصر التي احتلت المرتبة 159، حيث يواصل النظام الزج بالصحفيين في السجون، مكثفاً في الوقت ذاته ضغوطه على وسائل الإعلام بشكل مستمر، وأصبح المشهد الإعلامي قاتماً.
ويتابع التقرير: يتم استخدام قانون مكافحة الإرهاب للقيام بتتبعات لقمع الصحفيين، وبنفس اللهجة تحدث التقرير عن دول عربية مثل الجزائر التي بدأ ترتيبها متقدماً على مصر، (129)، بفارق 30 نقطة، والمغرب (131) بفارق 28 نقطة، والأردن (135) بفارق 24 نقطة، والكويت (103) بفارق 56 نقطة، وقد سبق ذكر تصنيف الكيان الصهيوني بفارق 58 نقطة.
الخطوط الحمراء والإعلام
تمثل ليبيا التي تعيش مخاضاً صعباً، وسورية (177)، والعراق (158) الذي جاء قبل مصر، واليمن (170)، وفلسطين المحتلة، من أصعب وأخطر مناطق العالم على الصحفيين، حيث يجد الصحفيون أنفسهم عالقين وسط دوامة العنف، سواء على أيدي الفصائل المتنازعة فيما بينها، أو الأطراف المتناحرة أو الحكومات الاستبدادية التوليتارية، وتمثل جميعها جمهوريات الخوف القائمة على الترهيب، بما في ذلك قوانين مكافحة الإرهاب التي تقيد من حرية التعبير، بل سنت تلك القوانين لذات الهدف، وهناك مناطق ممنوعة على وسائل الإعلام بعضها تمثل أعشاشاً للفساد والمحسوبية، حيث يستغرب البعض إدراج المستشفيات والمصانع المدنية في قوائم الأماكن الممنوع تصويرها.
وفي المناطق التي تشهد نزاعات، أو التي يسود فيها الحكم العسكري والاستبدادي عموماً تتنامى ظاهرة الإفلات من العقاب وتفاقم الأزمات السياسية الحادة، بما يجعل ممارسة مهنة الصحافة عملاً بطولياً بحد ذاته.
الاستثناء العربي
جاءت تونس في المركز (96) من بين 180 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة “مراسلون بلا حدود” في عام 2016م، وتقدمت بذلك 30 رتبة، وهذه المرة الأولى التي تتصدر فيها تونس قائمة الدول العربية في التصنيف العالمي للمنظومة المذكورة نهاية شهر أبريل 2016م.
ويشير التقرير إلى أن تونس رغم القفزة الكبيرة التي حققتها، حيث كان ترقيمها أثناء حكم بن علي عام 2010م قريباً من مصر تحت حكم العسكر في عام 2016م (164)، إلا أنها لا تزال دون المأمول، ودون مطالب ثورة الحرية والكرامة، ولا تزال تونس وللعام الخامس على التوالي تحقق تقدماً على صعيد حرية الصحافة والتعبير، وهناك العديد من المؤشرات تؤكد أنه سيستمر في السنوات القادمة، فقد كان ترتيب تونس في عام 2012 (133)، وفي عام 2015م (126).
وقالت مسؤولة مكتب شمال أفريقيا بمنظمة “مراسلون بلا حدود”، ياسمين كاشا، في ندوة صحفية، حضرتها “المجتمع”: تطور تونس يجب أن يشجع السلطات، ووسائل الإعلام، والمجتمع المدني، على مواصلة الجهود التي تبذل من أجل إصلاح قطاع الإعلام، فالتحديات تبقى عديدة وأولها قيام صحافة مستقلة حقاً عن سلطتي السياسة والمال.