تعقد الأمم عزائمها على شبابها، وتعدهم ثروتها الحقيقية، والركيزة التي تعلق عليها آمالها العريضة، وهدفها الأول في التنمية، والموجه والمحرك لها، حيث إن استثمار هذه الثروة غير المحدودة سيعود عليها بنتاج غير محدود، إذ إن الشباب ثروة هائلة تتسم بالحيوية، والقدرة على استيعاب الجديد في الفكر، وفي القيم الاجتماعية، وفي مواجهة التحديات ومحاولة التغلب عليها ، لكن في الوقت ذاته، ترتكب الأمم ذاتها أكبر خطأ تجاه فئة الشباب، وهو عدم وضع خطة جيدة لاستثمار هذه الثروة المتميزة.
ولعل أهم ما يجب أن تقره الدول هو النظر للشباب على أنه رأس المال الحقيقي لها، والذي إن أحسنت استثماره فتحت في وجه التنمية البشرية باباً لن يغلق أبداً.
ويمكننا القول: إن مشكلات الشباب تنبع أساساً من مشكلة المجتمع الذي يتطلب من كافة الفعاليات التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية، وأصحاب القرار والمسؤولية في الدولة والمجتمع أن يساهموا في إيجاد الحلول الناجحة لمشكلة المجتمع؛ وبالتالي حل مشكلة الشباب باعتبارهم الكتلة الاجتماعية الأكثر حيوية، والأكثر نشاطاً وقدرة وحساسية على التغيير، ومواكبة المتغيرات العالمية تكنولوجياً؛ من أجل النهوض والتطور واللحاق بركب الحضارة العالمية.
الشباب ليسوا سلبيين، وإنما:
تجبر الدول – العربية بالذات – شبابها على أن يظلوا طوال عمرهم دائرين في فلك تحقيق أدنى مستويات الحياة الآدمية الطبيعية، فالمشكلات التي تحيطهم عديدة، إلى جانب المنحدرات التي يصعدوها في طريق معاكسة، والعقبات التي يتخطونها، والعواصف التي يجابهوها وحدهم؛ ليس لأن الحياة صعبة ومعقدة، بل لأن هنالك ما هو أقوى من إرادة دولتهم لتمنحهم حق التفوق في ملعب قوى التحكم العالمية، فتضيع زهرة عمرهم وهم يحاولون تأمين معيشة مناسبة وحسب، فتحدّ من إبداعهم وتفوقهم، ولعل أهم ما عانى منه الشباب العربي حتى يصل إلى مستوى وصفه بالسلبي، يمكن تلخيصه في عشرة أسباب:
1- الفراغ التربوي: الشباب العربي هم أكثر فئات المجتمع العربي تأثراً بهذا الفراغ؛ مما انعكس على بناهم النفسية والعقلية وتوجهاتهم الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية.
2- أزمة التعليم وظاهرة الأمية الحضارية: إذ إن ما هو سائد حالياً في التعليم هو أسلوب الحفظ والتلقين، تغيب أجواء الأسئلة والنقاشات والحوارات، فالطالب يقوم بحفظ الكتاب وتخزينه في ذاكرته، دونما اعتماد على تمثل وتفهم ووعي معلومات الكتاب، وعندما يأتي الامتحان يقوم الطالب بإفراغ ما حفظ من الكتاب على ورقة الامتحان؛ وعليها يأخذ درجاته وعلاماته، وعليها يتم تقييمه سلباً أو إيجاباً.
3- صراع الأجيال: أغلب معاناة الشباب تأتي نتيجة الإحباط واليأس من الواقع، وعدم امتلاك السلطة والإرادة بالرغم من وجود الرغبة في التغيير وتحقيق الطموحات؛ لأن الآباء الذين يمتلكون زمام السلطة والمبادرة لا يفهمون مشكلات الشباب؛ لذلك يزداد وضع الشباب سوءاً وتفاقماً.
4- أزمة الشباب الثقافية والإعلامية: إذ يعطي الواقع الإعلامي والثقافي صورة يمكن التعبير عنها بـ “غياب الخطط الثقافية”؛ إذ إنه يستورد الغزو الثقافي عبر الأفلام والمسلسلات والبرامج والإعلانات والمنوعات، إلى جانب المعلومات بمختلف صورها، كما أن البرامج التلفزيونية المحلية دون المستوى المطلوب، ولا تساهم في تثقيف المواطن أو الشاب وزيادة وعيه وإدراكه.
5- البطالة المُقنَّعة واللامسؤولية: أبشع أنواع البطالة وأكثرها حدة في الدول المختلفة، وتعرف بأنها قوة العمل التي لا تعمل بشكل فعلي في النشاط المنتج، وتتمثل في:
– من يعمل في مجال غير راغب به بل مجبر عليه.
– من يعمل في غير اختصاصه لعدم وجود الحاجة لاختصاصه.
– من يعمل في مجال اختصاصه ولا يقوم بعمله على أكمل وجه.
6- مؤثرات الأسرة والتربية: واقع الأسرة التربوي والاجتماعي والنفسي يحتاج لإصلاح؛ لأن الأسرة هي النواة أو الخلية الأولى التي تبدأ شخصية الإنسان بالتبلور والتطور من اتجاهاتها وميولها الفكرية وأذواقها.
7- أزمة الشباب الاجتماعية: تعاني الحياة الاجتماعية للشباب من مشكلات جمة، وتمتد في الجذور العميقة لحياة الشباب، فأغلب الشباب مثلاً غير قادر على الزواج في ظل ظروفه المادية الصعبة، وفي ظل تعقيد مراحل الزواج وتكاليفه الباهظة.
8- ظاهرة الوصولية الاستهلاكية واختلال القيم: فالوصولي الاستهلاكي يحاول – تحت ضغط خوائه القيمي ولا أخلاقيته – أن يؤسس مطالب ذاتية كمقابل للمطالب الأخلاقية والاجتماعية العامة، من مبادئ وقيم، إلا أن مطالبه الذاتية تصطدم مع الضوابط الأخلاقية والاجتماعية للمجتمع، فتدفعه الوصولية نحو تحطيم كل الضوابط الأخلاقية والاجتماعية، في سبيل تحقيق مطالبه الذاتية، المفتقدة لمرجعية أخلاقية اجتماعية، فهو بذلك يستهلك القيم والمبادئ والمُثل.
9- ظاهرة الإدمان: والإدمان الذي كان مقتصراً على ما يضر، أصبح شاملاً لما من شأنه أن ينفع إذا استغل بطرق سليمة، وهذا الإدمان الرهيب على التكنولوجيا وعادات الهروب من المسؤولية والبحث عن الراحة يؤدي لانتشار ظواهر؛ كالسلبية والانحراف والجريمة، ويهدد المجتمع بانهيارات كبرى.
10- البطالة الكاملة والفراغ: اللذان يؤديان إلى الهجرة، سواء كانت هجرة كفاءات علمية، أو ما يعرف بـ”نزيف الأدمغة”، أم هجرة العمال والحرفيين، ويؤدي إلى نشوئها العامل الاقتصادي بالدرجة الأولى.
ممنوعون عن الإيجابية قسراً
لعل كل تلك الأسباب لا تعطي المبرر الحقيقي للشاب حتى يكون سلبياً في حياته وتعاملاته، إلا أن التهديدات تكون أكبر من استيعابه أحياناً، وفي المقابل فإن الدعوة للتغيير والإيجابية تظل قائمة ما استطاع الفرد ذلك في محيطه؛ لأن التغيير على المستوى الفردي سيؤدي إلى تغيير المنظومة كاملة.
ولكن الثقة في الشباب العربي تظل قائمة، إذ لطالما استطاع الشباب التغيير، وإن كان الحمل ملقى على كاهل الشباب فقط، في ظل تغييب دور الدولة والمسؤول وصاحب القرار، فإن على الشباب البحث المستميت عن ثغرات هذه القوانين الوضعية، ونقاط ضعف العقبات الحقيقية التي يمكن للشباب كسرها كما كسر الكثير من التقاليد والتبعيات والحواجز التي كانت تحول دون وصوله إلى ما يريد.
المصدر: موقع “بصائر”