قال أستاذ العلوم السياسية د. شفيق الغبرا: إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية في هذه الأجواء المشحونة إقليمياً سيضيف شحنات جديدة على وضع متفجر؟ كيف ستبدو هذه السياسة الأمريكية في ظل منع الرئيس ترمب مواطني عدد من الدول الإسلامية والعربية من دخول الولايات المتحدة؟ بل كيف ستعبر هذه السياسة عن نفسها في ظل استقالات احتجاجية هي الأكبر والأوسع في تاريخ الخارجية الأمريكية؟ وكيف سيرى المسلمون والعرب عملية نقل السفارة بينما تمنع الولايات المتحدة رعايا العراق من دخول أراضيها؟ ألم يسجل التاريخ بأن الولايات المتحدة ساهمت بتدمير العراق في عام 2003م ولعدة سنوات بعد ذلك؟ كيف سيخدم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس شعار «أمريكا أولاً»؟ إن نقل السفارة سيظهر الولايات المتحدة وكأنها امتداد للمستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية وفي القدس.
وأضاف في مقال له على صحيفة الوطن: كما أن قيام الرئيس ترمب بالمقارنة بين الجدار الذي سيقوم ببنائه على حدود المكسيك بالجدار “الإسرائيلي” العازل يعبر عن طبيعة سياسة الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترمب، الولايات المتحدة اليوم تبني جدراناً تتخلى عن إرثها الحقوقي والتاريخي وتزداد ابتعادا عن العدالة. ليس غريباً أن سياسة ترمب تزداد تطابقاً مع واحدة من أكثر الحكومات يمينية وعنصرية في “إسرائيل”.
وتابع: لقد وقعت القدس الشرقية تحت الاحتلال “الإسرائيلي” عام 1967م، لكن منذ حرب 1967م أصبحت القدس الشرقية أرضا محتلة. ووفق القانون الدولي فإنه يجب المحافظة على الأراضي المحتلة وعدم تغيير معالمها خاصة الديمغرافية والقانونية بانتظار التسوية. ووفق القرار الدولي (242) يجب العودة للحدود التي كانت قائمة قبل حرب 1967. ومنذ قبول الفلسطينيين بمبدأ إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس أصبحت القدس الشرقية رمزا لحل الدولتين. وحتى اللحظة مازال التأييد الدولي للفلسطينيين مرتبطا بحقوق الإنسان وحق تقرير المصير في ظل إمكانية حل الدولتين.
وبين أن نقل السفارة الأمريكية للقدس يمثل تحولاً كبيراً، فهو يعني أن الولايات المتحدة تقبل عمليا وجود ثلاثمائة ألف مستوطن “إسرائيلي” غير شرعيين في القدس الشرقية ومحيطها، كما وتقبل بنفس الوقت مبدأ الاستيطان في الضفة الغربية حيث 350 ألف مستوطن “إسرائيلي”، إن نقل السفارة يعلن بأن الولايات المتحدة تخلت عن مبدأ تسوية سلمية تتضمن الانسحاب “الإسرائيلي” من الأراضي المحتلة عام 1967م، وهذا سيؤدي لتشريع الاحتلال “الإسرائيلي”، وعلينا أن نتذكر في المقابل بأن الموقف الرسمي للولايات المتحدة غير ذلك، فهو ملتزم علنا برفض الاستيطان وبضرورة انسحاب إسرائيل من حدود 1967م، وفي هذا تناقض كبير. إن نقل السفارة الأمريكية للقدس مضر للولايات المتحدة نظرا للثمن السياسي الذي ستحدثه عملية النقل فلسطينيا وإقليميا وعالميا.
وأكد أنه من نتائج قيام الولايات المتحدة بنقل السفارة مزيد من الإضعاف للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فمبرر وجود السلطة قائم على مبدأ حل الدولتين وانسحاب “إسرائيل” من مناطق 1967 ومن القدس الشرقية. ورغم عدم التوصل حتى اللحظة لحالة يؤدي لقيام دولة فلسطينية، فإن الإجراء الأمريكي سيترك السلطة الفلسطينية بحالة فراغ، وستنحصر حينها خيارات السلطة في مدى مقدرتها على الاتفاق مع حركة “حماس” وتشريع النضال والمقاومة المدنية والشعبية ضد الاحتلال.
واختتم الغبرا قائلاً: بغض النظر عن طبيعة الحوار الفلسطيني بين مؤيدي حل الدولتين ومؤيدي الدولة الواحدة الديمقراطية، إلا أن شعار دحر الاحتلال من جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م يحتوي على الكثير من المصداقية، إن دحر الاحتلال من الضفة الغربية كاملة ومن القدس الشرقية تمثل مهام مقاومة للحركة الوطنية الفلسطينية بكل أجنحتها، ويضاف لهذه المهام السعي لرفع الحصار عن غزة ومواجهة العنصرية الإسرائيلية في داخل الكيان “الإسرائيلي” تجاه كل العرب والفلسطينيين، إن نقل السفارة لو تم لن يغير وقائع الاستيطان الصعبة، لكنه سيؤدي بطبيعة الحال لمزيد من التدهور في وضع الدولة الكبرى الأولى في العالم.