الأطفال لا يعرفون التمييز ولا التفرقة ولا العنصرية، ولكن أنا الذي رأيت الفرق الكبير بين أطفالنا وأطفالهم، بالتأكيد ليست فروقا جسمانية فربما أطفالنا أكثر وسامة وأسرع بداهة، لكن الفرق في السلوكيات والتعامل.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه.
سوف أتناول أساليب التربية العملية التي يتبعها غالبية الأروبيين مع أبنائهم فما وافق منها ديننا وتقاليدنا أخذنا به، وما خالف ذلك طرحناه جانبا.
الأبوان الأروبيان عندما يرغبان في الإنجاب يخططان لذلك حيث يبحثان عن دورات متعلقة بالأمومة والأبوة، ويطلبان إرشادات من الجمعيات المتخصصة، ويستشيران أهل الخبرة والدراية، وعادة يتفقان على عدد الأطفال الذين يرغبان في إنجابهم، ثم يبدآن بتهيئة الظروف بحيث يستعد أحدهما لتخفيف عمله، وترتيب الإجازات بحيث يجدان وقتا لاستقبال مولودهم استقبالا لائقا، وغالبا إذا رغبا في إنجاب أكثر من طفل يكون متتابعا بحيث يتعبان سنوات قليلة سواء في الإنجاب أو التربية، ومن الترتيبات المهمة جدا أن يحصلا على بيت كاف، وسيارة وغيرها من الضروريات التي تكفل الراحة لأطفالهما.
يستشعر الأب الأروبي مسؤولية كبيرة تجاه زوجته في مرحلة الحمل، فيراعي أحوالها النفسية، ويقوم على خدمتها بكل طاقته، وفي أثناء الولادة يبقى بجانبها يشجعها ويخفف عليها آلآم المخاض، ومن ثم تبدأ الأسرة مرحلة الفرحة والسرور والتوثيق للطفل في كل مرحلة من مراحل حياته، ويتحدثان معه كأنه طفل واعٍ لأنهما يدركان أن الكلام الذي سوف ينطق به مكتسب، وغالبا لا يميلان إلى تكسير اللغة أو التقليل من مفرداتها، ولذلك فالطفل الأروبي ينطق سريعا وبمفردات وافرة، وتكون غرفته مليئة بكل الأولوان التي تعبر له عن الفرحة والسرور والمعرفة، ويستغلان كل مساحة متوفرة في الغرفة، وتكون الأدوات والألعاب المستخدمة تتوفر فيها عوامل السلامة فلا تكون الطاولات ذات زوايا حادة، والكراسي لا تكن مرتفعة والسرير تكون فيه حواجر، وأدوات الكهرباء مؤمنة، والألعاب ناعمة أو بلاستيكية ولا تصدر اصواتا مرتفعةجدا، ولا انوار خاطفة للأبصار.
الطفل تنظم له ساعات طعامه، ونومه بشكل دقيق جدا، فلا يمكن أن تجد طفلا خارج سريره بعد الساعة الثامنة ليلا سواء كان في فترة الدراسة أو العطلة، لأن الوالدين عادة يكونان في حاجة للراحة، والجلوس مع بعضهما، والترتيب للغد، ثم ينومان مبكرا بالكثير بعد ساعة من نوم الطفل بحيث يستيغظان معه، وأول ما يبدء الطفل محاول الأكل بيده، أو يحاول النزول أوالصعود فإنهما غالبا لا يساعدانه الاّ إذا لم يستطع، وحتى إذا سقط في الأرض فيطلبان منه النهوض بنفسه.
يعلمان الطفل منذ صغره المسموح والممنوع، فإذا سمحا الوالدان وإلاّ فلا يمكن التراجع، وكنت أعتقد في بداية قدومي على أروبا أن هذا شيء من القسوة، فكنت أرى الطفل يطلب مثلا أن يلعب في داخل السوق في الأماكن المخصصة للعب الأطفال، أو يرغب أن يشتروا له لعبة أعجبته، فيرفض الوالدان فيبكي الطفل ويتعلق بهما ويتوسل لهما، ولكنهما يعتذران له ويفهمانه لماذا لا يريدان الشراء له، فإذا أصرَّ تركاه حتى يسكت، ولا يتبرمان أو يستحيان من كثرة بكائه، وتوسلاته بل مستحيل أن يرجعا في كلامهما حتى لو خرجت روحه نفسا نفسا، ولذلك يتعلم الطفل منذ نشأته: نعم ولا.
عادة توجد في كل بيت أروبي مكتبة متنوعة، وغالبا يكون للطفل في غرفته مكتبة صغيرة خاصة به، وصندوق توضع فيه الألعاب، ومن المعتاد أنهما يقرءان له كل يوم من هذه الكتب وخاصة قبل النوم، ويكون عنده دفاتر وأقلام وكتب رسومات كافية، وعندما يستخدم هذه الأدوات مطلوب منه أن يرجع كل شيئ في مكانه، وأن يرتب الغرفة كما كانت، فلا يمكن نهائيا أن يترك الأشياء مرمية في الأرض، وإلا يحرم من كل شيئ حتي اللعب في الخارج، وحتى اللعب مع الوالدين، ولا يمكن الشفقة عليه قط حتى يقوم بترتيب كل شيئ كما كان .
عادة عندما يخرجون خارج المنزل يضعان للطفل في شنطته مجموعة من الكتب الصغيرة المختارة بعناية بحيث تناسب المشوار فإذا كانت زيارة مشفى فربما تكون القصة تدرو حول المجال الطبي، وإذا كانت رحلة خلوية ربما تدورحول الطبيعة والحفاظ عليها، وإذا كانت إلى حديقة الحيوان تدرو حول الحيوانات، وأنواعها وأسمائها، فالأم الأروبية تجدها في لحظات الإنتظار في الأماكن العامة، أو في أثناء السفر في المواصلاة العامة تقرء لإبنها أو تستمع له وهو يقرء لها أو تناقشه في أمر ما.
في الأماكن العامة غير مسموح للطفل أن يجري أو يتكلم بصوت عال، أو يعبث بأغراض الآخرين، وغير مقبول البتَّة تخطي الصفوف لشراء شيء أو دخول حمام، مهما كانت ضرورته وحاجته، وإذا حدث منه خطأ في حق شخص آخر مطلوب منه الاعتذار مباشرة ومن غير تردد.
يعلم الطفل المشاركة في شؤون البيت على حسب عمره، وعادة عندما يكون عمره عشرين عاما يستطيع أن ينظف ويطبخ ويغسل ويكوي، ويقود السيارة، ويمتلك حسابا في البنك، ويكون عنده عمل ودراسة بحيث يستطيع الاعتماد الكامل على نفسه بل يكون من سن الثامنة عشرة في كامل الجهوزية.
إذا وعدا الوالدان بشيء فلا بد أن يحققان له ذلك ولذلك لا يمكن أن يقولا لكل طلب: حاضر! كويس! طيب ! من غير تفكير ولا نظر، وإذا وعد بشيء فلا بد أن يحرص على القيام به سواء كان لهما أم للآخرين.
الوالدان يحرصان كل الحرص على عدم الكذب على ابنهما، ولا يتسامحان معه قط إذا كذب في شيء، ولا يعاقب في الصدق أبدا ولكنه يعاقب إذا كذب، ولذلك فالأبناء صفحة مكشوفة أمام الوالدين مهما كانت المخالفة والخطأ، فإن الخطأ في نظرهم يمكن تداركه لكن الكذب لا يمكن علاجه.
يتعلم الطفل الانضباط في المواعيد فإذا قالوا له: “سوف نخرج غدا إلى الحديقة في الساعة كذا”، تجدهم يتحركون في نفس الوقت تماما، ويعودون في الوقت المحدد بالضبط، وإذا قالوا: الوقت المسموح للعب أو المشاهدة ساعة مثلا فمطلوب منه أن يلتزم تماما، وإلا يتعرض للحرمان والغضب، ويوصلانه للمدرسة على الأقل قبل عشر دقائق من بداية الدراسة، وينتظرانه عند نهاية الدراسة في باب المدرسة بكل شوق وترحاب، وإذا خصصوا له مصروفا كل أسبوع فعليه تدبير احتياجاته وفق ميزانيته المحددة، وإلا فلا يمكن إعطاؤه أي فلس آخر مهما كانت مبرراته، وهذا عند الجميع سواء كان ابن ملياردين أو ابن فقير.
يعلمون الأطفال المغامرات، والتجريب، فتجدهم يعلمونهم ركوب الخيل، والرماية، والسباحة، والتزحلق الجليدي، والرحلات البرية والجبلية، ويسجلانه في نوادٍ رياضية.
لن أتناول جانب التربية عندنا، ولكن يستطيع القارئ أن يقارن بنفسه تربيتنا الأخلاقية والسلوكية مع تربيتهم.
—–
* المصدر: الإسلام اليوم.