– خطبة الجمعة 4/ 8/ 2017م للشيخ حمد السنان
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مصرّف الأمور كيف يشاء ويختار، أحمده على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المحيط علماً بالأسرار، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صفوة العالم المختار، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه آناء الليل والنهار.
أما بعد..
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله وطاعته، واجتناب نواهيه وزواجره.
قبل سبعة وعشرين عاماً – في مثل هذا اليوم – وقد دخل علينا اليوم الثالث للغزو، وقد بلغت القلوب الحناجر، وظن الناس بالله الظنون، وزلزلوا زلزالاً شديداً، ومسخ كل منظر كان قبل يومين جميلاً، وانتزع الأمن من كل بقعة، وديست الأعلام المرفرفة، ومزقت صور رموز السلطة، وزاحمت الدبابات في الشوارع السيارات، وانقطع كل خبر إلا خبر سوء، ودخل كل أمل في نفق اللا أمل.. هنالك دعا الناس ربهم: “لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين”.. فأنجانا الله منها.. ثم ماذا؟
لن أتكلم في كفران النعم، فقد تكلمت عن ذلك في مواطن كثيرة لمثل هذه المناسبة، لكنني سأتكلم عن شهادة حق، أذكر فيها فضلاً، وأدفع فيها ظلماً؛ مبتغياً من ذلك وعد النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه حين يقول: “من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة..”، والذي دعاني إلى هذه الشهادة تخوين بعضهم لدعاة عملوا طيلة الشهور السبعة الشداد حباً لبلدهم، وابتغاء مرضاة ربهم، يخونهم بعض من أشباه الدعاة والمشايخ، يتابعهم على ذلك مفتونون من أتباعهم وعوام مستغفَلون بادعاءاتهم ودعاواهم، وشهادتي هي شهادة لأناس يعملون فيصيبون كما يصيب غيرهم، ويخطئون كما يخطئون.. وإليكم شهادتي:
وأقول: في الجمعة الثانية للغزو البعثي، صلى العصر عندي د. خالد المذكور، وأخبرني بأن الإخوة بصدد إنشاء لجان أمنية لمناطق الكويت من أجل تسيير الأمور.. فاستحسنت ذلك.. ثم جاءني بعد يومين أو ثلاثة – لا أذكر – فقال: لظروف احترازية قرر الإخوة تسميتها باللجان التكافلية.. انتهى.
وبدأت لجان التكافل بإدارة شؤون الدولة بعد أن سقطت حكومة الدولة.. ولا يفوتني قبل أن أشرع بتعديد أنشطة لجان التكافل بأن أشير إلى أن الجميع قد شارك؛ لكن تنظيم الأمور وإعادة هيكلة العمل كانت من مهمة لجان التكافل، أعني أن اللجان التكافلية بدأت العمل ثم شارك به الجميع… وقد بدأ عمل اللجان التكافلية منذ الأسبوع الثالث تقريباً للاحتلال.
واستقر في الأذهان مصطلح دولة الكويت المحتلة – لا أعادها الله من أيام – أقول: بدأت اللجان التكافلية أعمالها بإعادة تشغيل المرافق الحيوية في البلاد، فأعيد تشغيل المخابز، وأعيد فتح الجمعيات التعاونية، وفتحت أبواب المخازن العمومية، وتم الاتصال بمن بقي من كبار تجار المواد الغذائية، وأعيد تشغيل محطات الوقود، وأعيد فتح بعض المستوصفات التي أغلقت، وما أدراك ما يعني العمل في المستوصف آنذاك! وأقلها تهمة إيواء أو علاج أفراد المقاومة، فتشجع الجميع، وعمل الجميع.. لن أنسى ما حييت وكأنه ماثل أمامي اليوم منظر الشاب الذي يقود شاحنة جمع القمامة، والآخرين المتعلقين بها من الخلف يجمعون القمامة.
ولم يقتصر عمل لجان التكافل التي أنشأها شباب الإصلاح وشارك فيها الجميع لم يقتصر على تأمين الحاجات الضرورية، بل تعدى الأمر إلى التواصل مع حكومة المنفى باستلام النقود وتوزيعها على الناس في الداخل.. ولا أظن أن من عاش تلك الأيام في الداخل تجاهل عقوبة توزيع الأموال في الداخل، وكم رفضنا استلام أو تسليم لمن لا نعرفه خوفاً من هذه التهمة.. وإنْ أنسَ لا أنسَ صورة د. أحمد الهولي، أحد شباب الإصلاح حينها، وهو يدعو في ختام مؤتمر الشرعية بجدة بعودة الكويت، والشيخ سعد – رحمه الله – يؤمِّن خلفه.. بل ولم يقتصر عمل لجان التكافل على الأعمال المدنية والأنشطة السياسية، بل تعداها كذلك إلى المقاومة العسكرية جنباً إلى جنب مع باقي فصائل المقاومة.. كل ذلك! ثم يأتي اليوم من لم ينبت له شارب في الغزو، أو من لم يكن قد وجد بعد، أو كان موجوداً متوارياً داخل بيته أو فاراً خارج بلده ليخوِّن هؤلاء الذين بذلوا من أوقاتهم وعرقهم ودمائهم، ويشكك بولائهم ويطعن على وطنيتهم!
وبعد.. فهذا ما أحببت أن أدفع به ظلماً، وأذكر به من فضل الله، والله يقول: “ولا تنسوا الفضل بينكم”.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.