* الشخصية النبوية شخصية متفائلة منشرحة، برغم كل الابتلاءات التي تعرض لها المصطفى عليه الصلاة والسلام.
* يمر على آل ياسر وهم في أتون المحنة والتنكيل فيصبّرهم “صبراً آل ياسر فإن موعدَكم الحنة”.
* والتفاؤل شعاع إيجابي يسري في الروح فيصنع الأمل، المؤذِن بالتحرك والانطلاق.
* ولكن هذ التفاؤل يسبقه إيمان بقطعيات الكتَاب والسُّنة، وعقيدة راسخة تستعصي على الذوبان والانهيار من عوادي الدهر (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146}) (آل عمران).
* وفِي رحلة الهجرة يهمس في أذن أبي بكر رضي الله عنه بعد الحالة التخوفية الحزينة التي اعترته “ما ظنك باثنين اللهُ ثالثهما” (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) (التوبة:40).
* وحين المواجهات القتالية وفِي أول مشهد عسكري صادم، خفف عليهم ووعدهم النصر، وأراهم مصارع الصناديد القرشيين في بدر..!
* في الخندق هو وأصحابه قالوا: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) (الأحزاب:22).
* ويُفترض في أتباعه ومحبيه التعلم من ذلك وارتداء زي التفاؤل في كل المحن والتقلبات.
* وفِي الخندق بشرهم بانهيار حضارة فارس والروم واليمن وحيازة كنوزهم، رغم الخوف والخطر المحدق (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً {21}) (الأحزاب).
* القرآن كتاب يبعث على الانشراح، والسُّنة غاصة بنصوص السعادة والدأب وإن العاقبة للمتقين الصابرين.
* ومن حكمه الرائعة “ويُعجبني الفأل”؛ ففي كل محنة سلِّ نفسَك بعبارات الظفر والطمأنينة، وأن الله ناصر دينه وممكن لأوليائه.
* العبارات التشاؤمية قاتلة، وذات إيحاءات سلبية توهِن الطاقات، وتحطم الجهود، وتحكم بالعزلة.
* بعض الناس تفكيره سلبي ظلامي إحباطي، لا يرى إلا السوء والسواد، فيقبّح ويتشاءم من كل شيء ومن أحسن الردود عليه (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {120})(آل عمران).
* وفِي الحديث “ليَبلُغَن هذا الأمرُ ما بلغ الليل والنهار “.
أَيهذَا الشاكِي! وَما بِك دَاءٌ كَيْف تَغدو إِذَا غَدوتَ علِيلا!
إِنَّ شَرَّ الْجنَاةِ فِي الأَرضِ نَفسٌ تَتَوَخَّى قَبْل الرحِيلِ الرحِيلا
وَتَرَى الشوكَ فِي الْورود وَتَعْمَى أنْ تَرَى فَوْقهَا الندَى إكليلا !
والذي نفسُه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئا جميلا..!
* التفاؤل يعني السرور الداخلي والانشراح، وهما عاملان يبعثان على العمل والإنجاز.
* وختام ذلك التفوق والتقدم وإحراز نتائج مثمرة.
* بينما التشاؤم سينتهي للتشكي والضعف والانهزام، ثم العزلة الدفينة،،،! وهو مما لا يليق بمن قرأ الكتَاب والسُّنة.
* والتفاؤل معنى حاضر مع رسول الله، في حضره و أسفاره وأسماء الناس والأماكن، وفِي الحديبية وقد انسدت السبل، لما رأى سهيل بن عمرو قال “قد سهُل عليكم أمرُكم”. فتسهلت المفاوضات وتم الصلح، وأعقبها فتح وتوفيق {إنا فتحنا لك فتحا نبيلا} سورة الفتح.
* لا يمكن للعامل والداعية والمربي أن ينتج والإحباط يتقمصه، أو التشاؤم يعتليه، لا بد من محوهما من الذاكرة ولو تبدّت في الواقع.
* تفاؤل الدعاة من أسباب نجاحهم وتحقيق أهدافهم، ومضاعفة جهودهم.
* لا تزيد المحن الداعية الموقن إلا أملا ويقينا في النصر والتمكين {ألا إن نصر الله قريب} سورة البقرة.
* والمهم ألا يدع العمل والحرص على نفع الناس وتعليمهم {وجعلني مباركاً أينما كنت} سورة مريم.
* لذا ينبغي إشاعة مثل هذه المعاني في حياة الناس اليوم، وألا يطغى في خطابنا الدعوي الحزن والتشكي، فينوبهم الإحباط وتضعف العزائم.
* غالبا المتشائم قليل العلم نزر البصيرة، وتخفى عليه مشاهد السرور والانتشار الإسلامي الكبير، وقد قيل: عند التشاؤم طالع الوردة..!
* وللدعوة وردٌ قد زها، وثمار تناسقت، وغصون أثلجت، وحدائق شعّت وأسرت..!
* يعلمنا رسول الله وفِي شِداد المحن أن نتفاءل وننظر بعيون الأمل والاستيثاق أن الظفر قادم، وأن التمكين دانٍ بعز عزيز أو بذل ذليل، فقال بعد حادثة الطائف وطردهم له وهو صافح عنهم: “لعل الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد اللهِ وحده لا يشرك به شيئا” كما في الصحيحين.
* ومن الحكم العالمية: إن من أعظم أنواع التحدي أنّ تبتسم، وفي عينيك تذرف الدموع.. !
* وقال لخبّاب وقد آلمتهم شدة المشركين: “والله ليُتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئبَ على غنمه ولكنكم تستعجلون “.
* ولم يترك صلى الله عليه وسلم الدعوة على إثر ذلك، بل علمهم الصبر مع العمل، والجد مع التعب والتفاؤل مع البلاء..! {إن مع العسر يسرا} سورة الشرح.
* وفِي الوصية الذهبية لابن عباس رضي الله عنهما “واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”.
* المصدر: نوافذ.