جاءته الفكرة فجأة قبل عدة سنوات، فسارع في توثيق أرض عائلته المصادرة في منطقة الشمعونية التابعة لأراضي قلقيلية من الناحية الغربية داخل أراضي عام 1948، فرسم خارطة لها بحدودها التي كانت موجودة قبل النكبة ووزع نسخاً من هذه الخارطة إلى كل من كان يجاور أرضه من كبار السن أملاً في العودة إليها.
لا أفقد الأمل
يقول المربي المتقاعد محمود عفانة (79 عاماً) لـ”المجتمع”: عندما كانت النكبة كان عمري عشر سنوات، وأعرف تفاصيل أرضنا في الشمعونية نسبة إلى مقام النبي شمعون غرب قلقيلية الذي ما زال حتى الآن قائماً يحاول الاحتلال تهويده باعتباره مقاماً يهودياً حسب زعمهم.
ويضيف: قبل عدة سنوات، جاءتني فكرة بتوثيق خارطة لأرض الآباء والأجداد حتى تكون وثيقة مهمة، ووضعت عليها الحدود كاملة.
تفاصيل الخارطة
ويضيف عفانة: حجم الخارطة بعرض 60 سم وارتفاع متر، عليها حدود أرضنا المعروفة بكرم عفانة، فمن جهة الشمال والشمال الغربي مقام النبي شمعون، ومن جهة الشرق بيارة زهران وباقي جيران الأرض، وهذه الخارطة تم تصويرها وتوزيعها على أقاربي الذين هم شركاء في الأرض، فهذا أقل الواجب تجاه أرضنا التاريخية أن تكون موثقة في كل المجالات في القلب وعلى أرض الواقع.
الذاكرة بحجم الحب
يصف المربي عفانة بقاء ذكرياته في أرض عائلته وحفظه كل التفاصيل بالرغم من تقادم الزمان لسبعة عقود ماضية قائلاً: دائماً الذاكرة مرتبطة بحجم الحب والانتماء للأرض، فطفولتي عشتها في الأرض أحرسها وأنام فيها وأذهب إلى المنزل في قلقيلية لإحضار الطعام لأهلي، فأنا عشت فيها لحظة بلحظة وكل ذرة تراب فيها، أعشقها وتعشقني، وخلال رسم الخارطة كانت التفاصيل حاضرة في ذاكرتي وكأنها يوم أمس بالرغم من مرور قرابة السبعين عاماً على هذه الذكريات، وعندما انتهيت من رسم الخارطة أصيب من حولي بالذهول، فلا تفاصيل منسية فيها، ويعجز عنها مهندس محترف، إلا أن قلب المحب لأرضه أقدر من أي مهندس مهما كان بارعاً.
معالم في الخارطة
تضمنت الخارطة معالم في المنطقة ما زالت موجودة حتى الآن منها مقام النبي شمعون والمقبرة التي كان يدفن فيها أطفال العمال من الأتراك العاملين في محطة سكة الحديد، إضافة إلى طريق المحطة التابع للدولة العثمانية ثم استخدمه الإنجليز بعد هزيمة الدولة التركية.
وكتب عفانة أسفل الخارطة التاريخية: هذا رسم تقريبي قام بإعداده الحاج محمود محمد خضر عفانة حسب ذكرياته أيام الطفولة، وهو من مواليد عام 1938، وقد غادرنا أراضينا بعد الاحتلال والنكبة، ونطلب من الجميع المسامحة إن كانت هناك بعض الهفوات البسيطة.
الجدار يعزل الأراضي
يقول الحاج محمود عفانة: قبل إقامة الجدار العنصري حول قلقيلية كان بالإمكان زيارة الأراضي والمقام الديني، إلا أن الاحتلال استكثر علينا الزيارة، وأقام الجدار لمنع أي تواصل مع الذكريات والواقع، إلا أن الذكريات ستبقى منقوشة في عقولنا وقلوبنا، وسنورثها للأجيال القادمة.