“المناهج الإسلامية الحالية ما زالت لا تقدر على تخريج المسلم القادر على تلبية احتياجات المجتمع المعاصر”.. بهذه الكلمات، أطلق المفكر الإسلامي التايلاندي د. بان جونج بن كاسن، رئيس برنامج “تعريف الإسلام للمهتمين” في تايلاند، صرخة عبر “المجتمع” للمعنيين بالعملية التعليمية الإسلامية في تايلاند، بضرورة العمل على تطوير المناهج الدراسية في إطار تطوير شامل لمنظومة العملية التعليمية الإسلامية.
وأوضح د. كاسن، مراده من التطوير بقوله: “نحن بحاجة لمناهج إسلامية توصل المفاهيم الحضارية للإسلام للمدرسين والطلاب معاً، حيث المناهج الحالية تحصر الإسلام في طقوس تعبدية فقط!”.
وشدد د. كاسن، الذي قام بتأليف وترجمة أكثر من 100 كتاب باللغة التايلاندية، على أنه لا بد من تأهيل المدرسين لإدراك مقاصد المنهج الإسلامي حتى يستطيعوا تكوين الطلاب وفق أهداف ومقاصد الإسلام.
جاء ذلك خلال حواره مع “المجتمع”.
- نرجو التكرم بتعريف أنفسكم.
– بان جونج بن كاسن، ولدت عام 1951م، أنهيت دراستي من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية في معهد بانكوك المسيحي، وحصلت على البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة “تام سات” في بانكوك العاصمة.
حصلت على الدكتوراه الفخرية في الدراسات الإسلامية من جامعة “فطاني” بجنوب تايلاند، والدكتوراه الفخرية في دراسات السلام العالمي والقدوة الخلقية من “الجامعة العالمية للأخلاق” بالولايات المتحدة الأمريكية.
بشأن عملي، فأنا عضو في مجالس إدارات كل من شركة “موانج تاي” التكافلية، وشركة “موانج تاي” لتأمين الحياة، وشركة “موانج تاي” للتأمين، كذلك عضو المجلس الاستشاري لـ”صندوق المصرف الإسلامي”، و”بنك الفلاحين والتعاون”.
وحول أنشطتي، فأنا رئيس برنامج “تعريف الإسلام للمهتمين”، وعضو مجلس إدارة هيئة “سانج سوك مسلم تايلاندي”، وقمت بتأليف وترجمة أكثر من 100 كتاب، كما أنني كاتب بمجلة “العالم اليوم” الأسبوعية.
- نود نبذة تعريفية عن مؤسستكم التعليمية في العاصمة التايلاندية بانكوك.
– مؤسسة “سان تي شون” أنشئت قبل حوالي ثلاثين عاماً.
وللمؤسسة مشروع محوري أطلقته قبل نحو 25 عاماً، وهو برنامج “تعريف الإسلام للمهتمين”، الذي أتشرف برئاسته حالياً، وهذا المشروع ينظم محاضرات أسبوعية كل أحد للمهتمين بالتعرف على الإسلام للرجال والنساء من غير المسلمين.
وقبل نحو عشر سنوات أنشأت المؤسسة مشروعاً تعليمياً جديداً هو المدرسة الإسلامية “سان تي شون”، بالعاصمة بانكوك، وتشمل الدراسة بالمدرسة كافة مراحل التعليم قبل الجامعي بدءاً من الحضانة وحتى الثانوية، وتدرس مناهج وزارة التعليم التايلاندية، بالإضافة إلى المواد الإسلامية.
- ما أبرز الأهداف التي تسعون لتحقيقها؟
– تسعى مؤسسة “سان تي شون” لتحقيق ثلاثة أهداف محورية؛ هي:
1- العمل على تعريف كافة فئات المجتمع التايلاندي المهتمين بالإسلام.
2- المساهمة في العمل الخيري.
3- المشاركة في تنمية قدرات الشباب.
- عودة لمشروعكم التعريفي بالإسلام، هل من إطلالة سريعة على برنامجكم؟
– برنامج “تعريف الإسلام للمهتمين” له منهج دراسي خاص به، ويتم تدريسه للمشتركين فيه على مدار 15 أسبوعاً متتالية، وتتم الدراسة في كل يوم أحد على مدار 5 ساعات متواصلة من العاشرة صباحاً وحتى الثالثة عصراً.
ويشتمل المنهج على موضوعات مختارة من العقيدة والفقه وفي مجال التعاملات وهي الموضوعات التي من المهم لكل من يريد التعرف على الإسلام معرفتها، وعلى سبيل المثال، من العقيدة الإسلامية يتم تدريس قضايا الإيمان والإسلام والإحسان، ومن فقه العبادات والتعاملات يتم شرح قضايا الزواج، والحلال والحرام في الإسلام، ثم في نهاية البرنامج يتم تعليم الوضوء والصلوات فقط للذين يرغبون بمحض إرادتهم الخاصة اعتناق الإسلام.
كما أننا وفي كل شهرين ننظم امتحاناً اختيارياً للمشاركين في هذا البرنامج، ونعطي شهادة تقدير لكل مشترك حصل على 60% فأكثر من الدرجات، بينما كل من يريد منهم اعتناق الإسلام نطلب منه أن يقدم طلباً كتابياً بذلك ثم يمنحه البرنامج شهادة تفيد اعتناقه للإسلام بناء على رغبته الخاصة.
وحدث تطور مهم في هذا البرنامج قبل السنوات الـ5 الأخيرة؛ حيث طلب منا بعض الكتاب المثقفون أن نقوم بتدريسهم القرآن الكريم؛ فقمنا بذلك لهم ولغيرهم من المهتمين الآخرين.
- ماذا عن منابر التعليم الإسلامي الأخرى في تايلاند؟
– الأقلية المسلمة في تايلاند يعيش معظمها في المحافظات الجنوبية المجاورة لدولة ماليزيا، ويتمتع المسلمون في تايلاند بالحرية الدينية في أحسن حال، والملك التايلندي يعد داعماً لكل الأديان في تايلاند طبقاً لدستور البلاد.
وحول منابر التعليم الإسلامي في تايلاند؛ فهي على عدة مستويات، نلخصها في الآتي:
أولاً: حلقات التعليم في المساجد: مساجد تايلاند المسجلة لدى الحكومة يصل عددها لنحو ثلاثة آلاف مسجد، معظمها تقوم بتدريس العلوم الشرعية للأطفال يومياً في المساء بعد انتهاء الدراسة الإلزامية، وكذلك في يوم العطلة الرّسميّة للمدارس الحكوميّة، والتعليم الإسلامي في هذه المرحلة يعاني من النقص الحاد في المهارات التعليمية، وأدوات التعليم، والمدرسون من ذوي الكفاءة.
ثانياً: المدارس الثانوية الإسلامية: توجد مدارس ثانوية إسلامية سواء أكانت مدارس دينية خالصة، أو مدارس إسلامية عامة تدرّس فيها العلوم الإسلاميّة بجانب العلوم العصريّة.
ثالثاً: المعهد الإسلامي التايلاندي: كانت الحكومة قد أسست في بانكوك العاصمة، قبل نحو نصف قرن، المعهد الإسلامي التايلاندي، وذلك للمرحلة الثانوية بهدف تأهيل الطلاب لمواصلة الدراسة بالدول العربية، ولكن بعد كل هذه الفترة منذ التأسيس وحتى اليوم نجد أن الهدف لم يتحقق بعد!
رابعاً: المرحلة الجامعية وما بعدها: هناك جامعة “فطاني” الإسلامية، التي أنشئت قبل أكثر من عشر سنوات، وتدرس فيها أقسام العلوم الشرعية، وهناك كلية الدراسات الإسلامية بجامعة “الأمير سونكلا” فرع فطاني، وتدرس فيها أقسام إسلامية في مرحلة البكالوريوس وما بعدها.
بينما في جامعة “الأمير جولا لونكون”، وهي إحدى الجامعات العريقة ببانكوك العاصمة، يوجد مركز أبحاث العالم الإسلامي، الذي يقيم مؤتمرات حول العالم الإسلامي باستمرار، ثم مؤخراً بدأت بعض الجامعات الحكوميّة والأهليّة العامة تفتتح برامج للدّراسات الإسلامية.
- ماذا عن المناهج الإسلامية الحالية التي تدرس للطلاب؟ ما تقييمكم لها؟
– وزارة التعليم التايلاندية تقوم بتطوير المناهج الإسلامية الحالية التي تدرس للطلاب بالتعاون مع المدرسين من كل مراحل التعليم؛ ولكن ما زالت لا تلبي احتياجات المجتمع؛ بمعنى أنها لا تقدر على تكوين الإنسان والمجتمع حسب متطلبات المجتمع المعاصر في كل مناحي الحياة.
- إذن من وجهة نظركم، ما التطوير المطلوب لهذه المناهج؟
– التطوير المطلوب يتعلق بالمنظومة التعليمية، وما نأمله هو:
1- نحن بحاجة لمناهج إسلامية توصل المفاهيم الحضارية للإسلام للمدرسين والطلاب معاً، حيث المناهج الحالية تحصر الإسلام في طقوس تعبدية فقط!
2- لا بد من تأهيل المدرسين لإدراك مقاصد المنهج الإسلامي حتى يستطيعوا تكوين الطلاب وفق أهداف ومقاصد الإسلام.
3- البيئة التعليمية في تايلاند بحاجة ماسة لتوفير الأجهزة وأدوات التعليم الإسلامي المناسبة.
- معلمو المناهج الإسلامية، هل هناك شروط ومواصفات لهم؟
– كل من وزارة التعليم التايلاندية، وإدارات البلديات المختلفة، تشترط أن يكون معلمو المناهج الإسلامية سواء بالمدارس الحكومية أو المساجد من حاملي الشهادات في العلوم الشرعية؛ إلا أنهما لا تلزمانهم بمهارات التدريس؛ لذلك بعض المدرسين ينقصهم الكفاءة التدريسية، لكن في المدارس توجد برامج للتدريب، ولكن بالنسبة لمدرسي المساجد لا توجد برامج للتدريب إلا نادراً.
ومع هذا، فهناك عند كثير من مؤسسات تعليم الإسلام في تايلاند معلمون وافدون من بعض الدول الإسلامية مثل إندونيسيا ومصر.
- ما أبرز الإنجازات التي تحققت في مجال التعليم الإسلامي في تايلاند؟
– من أبرز الإنجازات تأسيس كل من كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأمير سونكلا، وتأسيس جامعة فطاني، وذلك في جنوب البلاد، وفيهما يتم تدريس العلوم الإسلامية، كما تقومان بالبحث العلمي على مستوى التعليم العالي.
- ماذا عن التنسيق مع المؤسسات المعنية بالدول العربية أو الإسلامية؟
– بعض مباني مدرسة “إسلام سان تي شون” بنيت بدعم من البنك الإسلامي للتنمية، توجد مذكرة تفاهم مع بعض المدارس من إندونيسيا وماليزيا للقيام ببعض الأنشطة مثل تبادل الطلاب وما إلى ذلك.
أما برنامج “تعريف الإسلام للمهتمين” فليس هناك تنسيق أو تعاون مع أي جهات خارجية.
- في ختام حورانا، ثلاثة أسئلة حول المستقبل، ونبدأ من برنامجكم، وما آمالكم من هذا النشاط التعريفي بالإسلام؟
– فيما يتعلق بعملي، وهو برنامج “تعريف الإسلام للمهتمين”، التابع لمؤسسة “سان تي شون”:
آمل أن يدرك غير المسلمين المشاركين معنا في هذا البرنامج مدى جمال الإسلام وسماحته، وأن يستفيدوا من قيم الإسلام التي أعجبوا بها في حياتهم، ثم يخبرون الآخرين عن تجاربهم واستفاداتهم من ذلك.
كما آمل أن نستطيع تأهيل المسلمين الجدد كي يكونوا سفراء الإسلام ومن ذوي الكفاءات الفعالة في مجتمعهم.
- وماذا عن توصياتكم المستقبلية لتطوير منابر التعليم الإسلامي الأخرى في تايلاند؟
– فيما يتعلق بمؤسسات التعليم الإسلامية الأخرى بتايلاند:
1 – آمل من مؤسسات التعليم الإسلامي الأخرى في تايلاند أن تطور الأجهزة والتجهيزات وأدوات التعليم الإسلامي المناسب لتنمية مهارة الإبداع لدى الطلاب.
2- أتمنى أن تشارك جميع المدارس الثانوية الإسلامية بتايلاند في أنشطة المسابقات العلمية لكي يرتفع المستوى العلمي لتلك المدارس الإسلامية.
3- آمل من مسؤولي التعليم الإسلامي في تايلاند أن يشجعوا المدرسين المتميزين في التعليم الإسلامي في نواحٍ مختلفة مثل تكنولوجيا التعليم والتأليف والبحث العلمي أو غيرها ببعض الهدايا التشجيعية مثل رحلة علمية لتفقد التعليم الإسلامي في الدول المختلفة لتطوير التعليم الإسلامي التايلاندي في المستقبل.
4- كما آمل أن أرى الجامعات العامة في تايلاند تدرس مواد إسلامية في بعض التخصصات العلمية مثل الحضارة الإسلامية والاقتصاد الإسلامي.
- هل من كلمة أخيرة؟
– نرجو من مجلتكم أن تدرسوا واقع التعليم الإسلامي في الدول المجاورة لتايلاند مثل ماليزيا، وإندونيسيا، وسنغافورة، وتنشروا للقراء التايلانديين عبر مجلتكم حتى يستطيعوا المقارنة وتطوير واقع التعليم الإسلامي.
(*) شكر وتقدير للدكتور غزالي بن مد، عميد كلية الدراسات الإسلامية والقانون بجامعة فطاني، مملكة تايلاند، لقيامه بدور التواصل والترجمة بين “المجتمع” وضيف الحوار.