بعد موجة تغييرات غير مسبوقة مست المؤسسة الأمنية والعسكرية في الجزائر، تسود البلاد هذه الأيام حالة ترقب حول مصير رئيس البرلمان سعيد بوحجة، إثر أزمة مع نواب الموالاة (المساندين للحكومة).
وتباينت آراء المراقبين حول أزمة البرلمان، بين من يرى أنها عادية، ومن يعتبرها بوادر صراع يسبق انتخابات الرئاسة.
ويعيش المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) منذ أسبوعين، أزمة داخلية بين نواب الموالاة الذين يرفعون مطلب رحيل رئيسه سعيد بوحجة، بسبب “سوء التسيير”، والأخير الذي يتمسك بمنصبه، ويعتبر التحرك “غير قانوني”.
وبعد سلسلة خطوات احتجاجية من خمس كتل للموالاة بالبرلمان، وصلت الأزمة في الساعات الماضية حد “شل” عمل الهيئة التشريعية نهائيا، بعد تجميد عمل أمانة البرلمان، وعمل اللجان النيابية، وكل اللقاءات مع السفراء والوفود الأجنبية.
وتسود البلاد حالة ترقب حول مآلات هذه الأزمة، لأن القانون الداخلي للبرلمان، وحتى الدستور، ينصان على أن تغيير رئيسه يكون فقط في حالات: الوفاة، أو العجز الصحي، أو الاستقالة، في وقت يتمسك كل طرف بموقفه.
** المطلوب رأس الرجل الثالث في الدولة
وإلى جانب أن بوحجة (80 عاما)، الرجل الثالث في الدولة، بعد رئيس الجمهورية (عبد العزيز بوتفليقة)، ورئيس مجلس الأمة (عبد القادر بن صالح)، فإن شلّ عمل البرلمان أدخل الهيئة التشريعية في حالة جمود، لأن عدة مشاريع قوانين في مقدمتها قانون المالية (الموازنة) لعام 2019 تم تجميدها.
وطيلة الأيام الماضية، شهدت الأزمة تصعيدا، وسط غياب بوادر حوار لتجاوز الخلافات بشكل جعل سياسيين بينهم محمد بن حمو، رئيس حزب الكرامة (موالاة) يدعو الرئيس إلى حل البرلمان.
وتنص المادة 147 من الدستور، أن رئيس الجمهورية يمكنه حل المجلس الشعبي الوطني، وإجراء انتخابات نيابية مسبقة، في مدة لا تتجاوز 3 أشهر، دون تحديد حالات معينة تستدعي الحل.
وأمس الخميس، سئل بوحجة، في حوار مع صحيفة “الوطن” الناطقة بالفرنسية، حول ما إذا كانت الأزمة في المجلس لها علاقة بانتخابات الرئاسة القادمة فقال “لا أظن ذلك بل لها علاقة بالمصالح الشخصية لمن يقفون وراءها”.
والأربعاء، اتهم القيادي في جبهة التحرير الوطني (الحاكم) عبد العزيز زياري، رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق (2007-2012) الأمين العام للحزب جمال ولد عباس، بالوقوف وراء الأزمة، لأنه حرض النواب ضد رئيسه، وتدخل في عمل مؤسسة دستورية.
** المعارضة “غير معنية”
وتعتبر الكتل المعارضة في البرلمان نفسها “غير معنية” بهذا الصراع، لأنه بين أحزاب الموالاة ورئيسه المنتمي للحزب الحاكم، لكنها تعتبر خطوة النواب “غير قانونية”، وتشكك في خلفية الأسباب التي قدموها لطلب تنحية رئيس المجلس بعد عام من تزكيته للمنصب.
يشار إلى أن بوحجة، انتخب في المنصب في مايو/ أيار 2017، لولاية من خمس أعوام، بعد الانتخابات النيابية التي فاز فيها حزبه “جبهة التحرير الوطني” بالأغلبية (161 مقعدًا)، كما حظي بدعم عدد من أحزاب الموالاة.
وتعتبر أحزاب معارضة أن خلفيات الأزمة تتعدى البرلمان، ولها علاقة بما تسميه صراعا داخل أروقة الحكم، بسبب اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المقررة ربيع 2019، وسط غموض حول موقف الرئيس بوتفليقة من دعوات الموالاة لترشحه لولاية خامسة.
والأربعاء، نشرت حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي في الجزائر)، بيانا، جاء فيه أن “التزوير المستدام الذي وضع مؤسسات الدولة في أيادي غير آمنة، والذي أنهى أي فرصة للرقابة على الشأن العام، وسمح لتجذر نظام خفي موازي للمؤسسات يسيّر الدولة بالتعليمات الهاتفية والشفوية”، دون تحديد من تصفه بالنظام الموازي.
** معركة تموقع
من جهته، اعتبر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (علماني/ معارض) في بيان سابق، أن أزمة البرلمان “تمتد حساباتها إلى أعلى هرم السلطة”، وأن “رئيس المجلس سعيد بوحجة، لم يعد له قبول لدى صناع القرار في البلاد”.
ويشار إلى أن تحرك الموالاة لتغيير رئيس البرلمان، جاءت بعد تغييرات غير مسبوقة طالت قيادات في الجيش منذ يونيو/ حزيران الماضي، ووصفت رسميا “بالتداول على الوظائف وفق معيار الكفاءة”.
كما طالت التغييرات خلال الأيام الماضية قرابة نصف الولاة (عدد الولايات 48) ومسؤولي إدارة هذه الولايات من أمناء عامين.
ويختصر الكاتب والمحل السياسي الجزائري عابد شارف، ما يحدث في أنه “تحركات للتموقع لمرحلة ما بعد بوتفليقة” في حال غادر الحكم.
وأوضح شارف، للأناضول، أن هناك جماعات “تتصارع من أجل ضمان مكان لها في حال ذهاب الرئيس واعتلاء آخر السلطة بعده”، دون تقديم تفاصيل أخرى حول طبيعة هذه الجماعات.