بلغ الواقع الصحي بتركيا في السنوات الأخيرة مستوى عالياً من التقدم الصحي والاجتماعي، وأصبحت تركيا مقصداً لعلاج العديد من الأمراض الأكثر انتشاراً وصعوبة في العالم، كما أخذت العلاجات الطبيعية والسياحية قسطاً وافراً من الاهتمام الرسمي والأهلي، فقامت الحكومة بتوسيع مرافقها الصحية العلاجية ومستشفياتها لتأمين العلاج لكافة المواطنين والضيوف والقادمين لتركيا بقصد العلاج والسياحة والاستثمار معاً، كما قامت الشركات الخاصة بتوسيع استثماراتها الطبية والعلاجية، وخاصة أن الطبيعة الجغرافية التركية توفر لها مواقع علاجية وسياحية راقية وخلابة.
في السنوات الأخيرة، تطورت المرافق الصحية والمستشفيات والمراكز العلاجية التركية المتقدمة، وفتحت مراكزها العلاجية المتخصصة، فأصبحت مواقع العلاج الطبي والصحي على وسائل التواصل الاجتماعي، وتتواصل مع زوارها أو مرضاها عبر الإنترنت؛ بما يؤمن للزوار والمرضى المعلومات الكافية عن هذه المراكز وما فيها من تخصصات ونوعية العلاجات التي تقدمها.
هذا المستوى لم يكن هدفه الجانب التجاري المادي فقط، وإنما كان نتيجة توجه الحكومات التركية المتعاقبة لرفع مستوى قطاع الصحة منذ 20 عاماً تقريباً؛ لأن الحكومات الحزبية التركية تتقدم في مشاريعها الانتخابية ببرامجها الصحية بما يرضي الجمهور، فلا تخلو أجندة حكومة منتخبة من برنامج صحي أولاً، ثم لا يخلو نقاش برلماني أو تقييم لعمل الحكومة بنفسها أو مساءلتها من المعارضة عن الواقع الصحي وما يتطلبه من تحسينات أو إصلاح، وهكذا يبقى الحديث الحكومي أو التنافس السياسي بين أعضاء البرلمان التركي لبحث الوضع الصحي، وما يواجهه من عقبات، وما يتطلبه من أعمال أو إجراءات لتطويره ليكون في مصاف المستوى العالمي بالدول المتقدمة، وبالأخص أن تركيا تشارك كل دول الاتحاد الأوروبي في مستويات الوضع الصحي بمعايير ومقاييس الجهات المختصة بأوروبا، وبالتأكيد وفق معايير منظمات الصحة العالمية وحقوق الإنسان في هذا المجال.
لقد استفاد الواقع الصحي من استقرار الأوضاع السياسية في تركيا منذ مطلع القرن الحالي، حيث إن الحكومات السياسية المتعاقبة منذ عام 2002م تواصل تنفيذ برامجها الاجتماعية والصحية، ومنها:
– تحقيق إنجازات بواسطة برنامج التغيير في الصحة، وتصحيح مقولة “الإنسان قبل كل شيء” إلى “الصحة للجميع”، وهذا ما حقق تغيراً هائلاً ضخماً.
– تحسنت المؤشرات الصحية بسرعة، وبشكل لا مثيل له في العالم، فقد حققت الحكومة مثالاً عالمياً للنجاح، وثبت أن تركيا تستطيع أن تتجاوز كافة العوائق وتحقق أهدافها.
– الخدمات الصحية باتت متوافرة من قبل الدولة لكافة المواطنين سواء كانوا أغنياء أو فقراء دون تمييز.
– تقدمت تركيا بخطوات كبيرة لتسهيل معيشة الشعب، وتم توحيد كافة مستشفيات المؤسسات العامة تحت مظلة واحدة.
– إعطاء بطاقات خدمة الصحة المجانية إلى المواطنين ذوي الدخل المحدود، وتكفلت الدولة بتحمل تكاليف العلاج والأدوية، وبذلك تم تحريرهم من المصحات الخاصة، وإنقاذهم من التكاليف الصحية المرتفعة التي تثقل كاهلهم.
– تم تخفيض أسعار الأدوية؛ مما خفف أعباء الإدارة العامة والمواطن بشكل كبير.
– أمنت خدمة (112) الطوارئ ليس في المدن فقط بل حتى في القرى، وأضافت إلى ذلك وسائل النقل البري والبحري.
– وصلت مؤشرات مكافحة الأمراض المعدية إلى مؤشرات الدول المتقدمة.
– قامت الحكومة بحملة المقاومة الوطنية ضد التدخين والبدانة وعدم الحركة، وحققت تركيا رتبة متقدمة في مكافحة التدخين على المستوى الدولي.
– اعتبرت المناطق التي تنقص فيها الأدوات والكوادر الطبية منطقة أولية، وحققت الحكومة نجاحاً بالقضاء على عدم التوازن في هذا المجال.
– كانت الخدمات الصحية تقدم في مسقوفات تبلغ مساحتها 7 ملايين متر مربع منذ 70 عاماً، وأضافت الحكومة إلى ذلك 7 ملايين متر مربع أخرى، وقد شيدت الحكومة مستشفيات ذات جودة عالية.
– بواسطة برنامج “التغير في الصحة”، تم استخدام الموارد الصحية العامة بشكل مثمر، رغم التغير الهائل، حيث إن الزيادة غير الربحية للمصاريف للإدارة العامة بين عامي 2003 – 2011م كانت 265%، وكانت حصة المصاريف الصحية 225%، وبذلك تم تشكيل نظام صحي مستدام اقتصادياً.
– زادت مصاريف خدمات الصحة المعمولة في السنوات العشر الأخيرة بنسبة 1300%، وانخفضت نسبة المصاريف الصحية الصادرة من المواطن بشكل كبير، وارتفعت نسبة الرضا عن الخدمات الصحية من 39% عام 2003 إلى 76% خلال سنوات قليلة.
– وجد برنامج “التغير في الصحة” قبولاً عالمياً، وتم تطبيقه في الدول الأخرى كذلك، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية أن إصلاحات تركيا في مجال الصحة يعتبر درساً للدول الأخرى.
– يعتبر التغير بمجال الصحة في ظل الحكومات التركية منذ عام 2002م وحتى اليوم نموذجاً فريداً على المستوى الدولي؛ ما جعل تركيا ضمن الدول الكبرى التي تحدد جدول أعمال مجال الصحة العالمية.
إن الرؤية الحكومية التي تنطلق بها حكومات تركيا هي أن الواقع الصحي يعتبر نهضة متكاملة وليس في مجال صحة الفرد فقط، وإنما هو مشروع نهضة في الصحة الاجتماعية العامة، وهذا يقوم على أن للدولة والحكومة وظيفة اجتماعية متكاملة، وأن الخطة التي ينبغي أن توضع للارتقاء بالواقع الصحي التركي ينبغي أن يكون على أساس الصحة الاجتماعية أولاً، وتنظيم التأمين الاجتماعي الذي يشمل كل المواطنين دون استثناء ثانياً، لأن وظيفة الدولة خدمة كل المواطنين وليس بعضهم.
إحصاءات وأرقام
وقد تحقق في ظل حكومات حزب العدالة والتنمية بقطاع الصحة الإنجازات التالية:
1- البدء بالتأمين الصحي العام، فقد تم تأمين كل مواطني تركيا في العقدين الماضيين.
2- زيادة ميزانية قطاع الصحة 8 أضعاف (من 4 مليارات و576 مليون ليرة عام 2001م إلى 32 ملياراً و80 مليوناً عام 2010م)، وقد زادت أكثر من مرة في السنوات الأخيرة.
3- أنهت الحكومة معاناة المرضى الراقدين بالمستشفيات الذين كانوا يبحثون عن الدواء في الصيدليات، وستقوم المستشفيات بتزويدهم بالدواء بعد الآن.
4- انتشار مراكز الطب العدلي في مختلف أنحاء تركيا، فهذه المراكز لم تكن موجودة إلا في بعض المدن الكبرى؛ مثل إسطنبول وأنقرة وأضنه وبورصا وأزمير وملاطيا وطرابزون وديار بكر، ومن أجل تحقيق سرعة أكبر في ضمان العدل قامت حكومة العدالة والتنمية بإنشاء مديريات الطب العدلي في 40 ولاية أخرى، و16 بلدة تابعة لإسطنبول.
هكذا بلغ القطاع الصحي التركي مستوى عالياً بين دول العالم، حيث بلغ الدرجة الثالثة -وفق بعض الإحصاءات الطبية- بين دول العالم، وهذا بفضل السياسة الصحية التي اتبعتها الحكومات التركية، وما قدمته من تشريعات وتسهيلات للقطاع الصحي الخاص، والمساهمات التكنولوجية والمهنية، وكذلك الجامعات والمؤسسات التدريبية المتقدمة، وتوافر أطباء على مستوى عالٍ من التعليم والخبرة والتشخيص والعلاج، وقد بلغ عدد من يأتون للعلاج في السنوات الأخيرة نحو 150 ألف مريض من خارج تركيا، وهذا بفضل التزام الدولة التركية بجميع الاتفاقات الصحية الدولية.
_______________
(*) كاتب وصحفي تركي.