تضاعفت شكوى الزوجات من البرودة العاطفية مع الأزواج ومن انصرافهم عنهن، وتعمّد تقليل التعاملات معهن، واقتصارهم على متابعة شؤون الأسرة، والمتطلبات المادية والرد عليهن بفتور، قالت زوجة: أثق أن زوجي لو رآني بالشارع لن يتعرف علي؛ فمنذ سنوات لا ينظر لوجهي عندما يكلمني، ويرد على تساؤلاتي بأقل كلمات، وأتحسر على تدهور علاقتنا، وعلى النهاية المؤلمة التي لم أتوقعها!
مع احترامنا البالغ لمشاعر هذه الزوجة ومثيلاتها، فإن هناك علامات كثيرة ومقدمات صنعت النهاية المؤلمة، ويمكن تغييرها بعد الاستعانة بالرحمن؛ بمحو أسباب “الطلاق العاطفي”، وهو الاسم الدقيق للفتور المتواصل بين الزوجين، وللتراجع الحاد بالاهتمام بالزوجة، والاكتفاء بأداء الواجبات الأسرية والمادية، وكأن الزوج يقول للزوجة: هذا أقصى ما يمكنك الفوز به؛ فاقبليه بلا اعتراض.
ومن أكثر أسباب الطلاق العاطفي شيوعاً تعامل الزوجة مع الزوج وكأن اهتمامه أمر مضمون وحتمي مهما أساءت إليه، والمؤكد أننا إذا واصلنا السحب من أي رصيد دون الانتباه لإضافة الجديد فسنفاجأ بانتهائه، وهو ما تنساه بعض الزوجات.
وما يضاعف رصيد الزوجة بقلب وعقل زوجها حرصها على التعامل معه بلطف ورقّة وأنوثة ليس باللقاء الزوجي فقط، ولكن بكل تفاصيل الحياة اليومية، فلا يعلو صوتها عليه، ولا تسفّه منه ولا من آرائه ولا من أسرته مهما اختلفت معه أو معهم، ويسود الاحترام تعاملاتها معه، وتزرع في أولادها احترامه واحترام أسرته.
تُسرف بعض الزوجات في لوم الزوج لدفعه لتغيير ما ترفضه الزوجة، والمؤكد أن اللوم المستمر يتسبب في ضيق الزوج، فلا أحد يحب الشعور أنه سيئ أو مقصر دائماً، وعلى الزوجة إتقان تجاهل الأمور الصغيرة التي لا تحبها في تصرفات زوجها، والتركيز على مزاياه وإسعاد نفسها بها، فلا أحد كامل، وجميعنا لدينا عيوب.
فتتجاهل عيوب زوجها أو بعض التقصير غير المتعمد، وهذا ليس تضحية أو تنازلاً، بل ذكاء، وتشجع زوجها باللسان الحلو واللفتات اللطيفة معه ومع أسرته ليحسن معاملتها.
سخط وتحريض
لا تنتبه الزوجة أحياناً للجدار الذي ينشأ بينها وبين زوجها، فبعدما كان الحوار بينهما متصلاً، إذا به يتناقص تدريجياً، وتبهت المشاعر وتتراجع، وينشأ الفتور بينهما، وغالباً ما يكون لمحاولة الزوجة إجبار زوجها على التغيير أو سخطها الدائم من أي أخطاء يرتكبها، وكأنه لا يفعل أي شيء جيد، وتذكيره بأخطائه السابقة كلما حدث بينهما خلاف، وأخبرني زوج أن زوجته تبدأ بتذكيره بكل أخطائه منذ الخطبة فور حدوث مشكلة، رغم مرور 20 عاماً على زواجهما، فتسبب في رفضه العاطفي لها.
وقد تخضع الزوجة لنصيحة قاتلة من الصديقات إثر تزايد الخلافات مع الزوج، وتتلخص بالاستمرار في الزواج لأجل الأولاد فقط وإهمال الزوجة للزوج، وغالباً إهمالها لنفسها وتراجع أنوثتها وذبول جمالها وتوديعها للرشاقة.
والأذكى السعي بلطف وبمثابرة وبلا إلحاح لإذابة الخلافات ومنع تصعيدها، والتوقف للأبد عن الشكوى للصديقات؛ فهي تؤجج الخلافات وتزرع المرارة في نفس الزوجة، فغالباً تحصد الانحياز لرأيها ومجاملتها والتحريض ضد الزوج، فتشتعل نيران الخلافات بدلاً من إطفائها.
وننبه لخطأ إطالة الخصام مع الزوج وتوقع مسارعته بمصالحتها، ومع تكرار الخصام يكره الزوج هذا الأسلوب، وتقل رغبته في إنهاء الخصام، وإذا أنهاه لتسير الحياة يحتفظ في داخله بمرارة تتراكم مع تكرار سوء المعاملة، وتتضاعف إذا لجأت الزوجة للامتناع عن اللقاء الزوجي، أو التعامل معه بلا مبالاة، والأذكى الاستفادة من هذا اللقاء الحميم بتحسين العلاقة مع الزوج وزرع الدفء بالزواج.
من أكثر أسباب الطلاق العاطفي شيوعاً وإيلاماً للرجل تعالي الزوجة عليه لثرائها أو جمالها أو حب الزوج الزائد لها، والتعامل مع لطفه وتدليله لها وكأنه حق لا يملك التراجع عنه ولا تقدم المقابل من حقوقه عليها، وتتجاهل علامات ضيق الزوج وانزعاجه، وتراهن على سيطرتها العاطفية عليه حتى تُفاجأ بانصرافه عنها، كما قالت زوجة: إن زوجها فعل المستحيل ليتزوجها وعاملها لسنوات كملكة متوجة، ولا تدري لماذا يتجاهلها مؤخراً!
وتتجاهل الزوجة أن زوجها يكره ويتألم من معايرتها له بأنه أقل من أزواج صديقاتها، وهناك من يفضله تقدم لخطبتها، ولسوء حظها اختارته هو، وهذا الكلام يقتل مشاعره نحوها، وقد يتجاهله في البداية ثم يرد بكلام قاس وحاد، فتقول الزوجة الأسوأ، ويدخلان في دائرة لعينة، من الذكاء عدم الاقتراب منها.
أخطاء شائعة
قد يحدث الطلاق العاطفي لأن الزوجة لم تواكب تطور اهتمامات زوجها بالحياة، وأحياناً انتقاله لطبقة اجتماعية أعلى بعد نجاحه بالعمل، وتصر على التعامل معه كما كان في بداياته، وعدم الاهتمام بتطوير نفسها ثقافياً واجتماعياً، ولا تكتفي بذلك وتعايره أحياناً بماضيه بدلاً من مدحه والفخر به أمام الأولاد وتشجيعهم على التحسين من أنفسهم كما فعل والدهم.
وقد تتوقع الزوجة أن تكون “رقم واحد” في حياة زوجها؛ لأنها تجعله “رقم واحد” في حياتها، فتكثر من الاتصال الهاتفي به، وتحاصره عندما يكون بالمنزل، حتى لو كان مشغولاً، وتكلمه في اهتماماتها الخاصة، وتتجاهل أنها اهتمامات تخص “حواء” فقط، وبإمكانها الحديث عنها مع أمها وصديقاتها؛ فيضيق الزوج، ويظهر الغضب؛ فتبالغ بالانسحاب وكأنها تعاقبه بالإهمال ويحدث التباعد ويزيد مع الأيام.
والأفضل أن يكون الزوج من أهم مكونات حياة الزوجة، على أن يكون لديها حياتها الخاصة وهواياتها وتتعلم فنون الاقتراب بلطف والابتعاد بذكاء؛ ليفتقدها وتحترم رغبته بقضاء بعض الوقت وحيداً أو مع عائلته أو أصدقائه، ولا تجعله يشعر بالذنب أو تحرضه على الكذب هرباً من المضايقات، وبإمكانها استغلال هذا الوقت بالعناية بجمالها وممارسة هواياتها وزيارة أهلها وصديقاتها، وتحسين علاقتها بأولادها وقضاء أوقات لطيفة معهم.
لا يكره الأزواج شيئاً مثل كراهيتهم لحب بعض الزوجات للجدال، والإصرار على الرأي والتراجع عما اتفق عليه الطرفان قبل الزواج، فقد بدأ الطلاق العاطفي بين زوجين لإصرار الزوجة على العمل بعد الإنجاب رغم اتفاقها مع الزوج على عدم العمل قبل الزواج، وخضع الزوج لمنع الطلاق بينهما، واستمرا مع حدوث انفصال عاطفي، فلم يسامحها الزوج.
ويضيق الأزواج بتفضيل الزوجة لآخرين على زوجها بالمبالغة بالاهتمام بالأولاد على حساب الزوج، وكأنها تقصر وجوده على دور الممول، ومن يحل مشكلات الأسرة، ولا بد أن تشعر الزوجة زوجها –بلا مبالغة- بأهميته في حياتها وحياة الأولاد عاطفياً وليس مادياً فقط، وألا تهمله أبداً، ولا تهمل مسؤولياتها الأسرية، وألا تُكثر من الاعتماد النفسي عليه بكل تفاصيل الحياة، فهو يريد شريكة لحياته يعتمد عليها، ويطمئن لنجاحها بتدبر أمور الأسرة وليست طفلة تلجأ إليه بكل صغيرة وكبيرة.
ومن المهم تجديد الزوجة لأسلوب تعاملها مع الزوج بتفاصيل الحياة، وفي اللقاء الزوجي، فالتكرار يقتل اللهفة ويصنع الملل والفتور ويقود للطلاق العاطفي ولو بعد حين.
ويجب الاعتدال مع الزوج، فلا مبالغة بسؤاله عن أدق تفاصيل يومه، ولا تجاهل؛ حتى لا يصبحان غريبين يعيشان في بيت واحد.
معايرة وإيذاء
الضغوط المادية ليست سبباً في الطلاق العاطفي، ولكن معايرة الزوج وعدم التعاون لاجتيازها بأقل أضرار، وإشعاره دائماً بالتقصير، هو الذي يؤذي الزوج نفسياً ويتسبب في الطلاق العاطفي.
ومبالغة الزوجة بالاستقلال المادي وعدم المشاركة في الإنفاق على الأسرة والتعامل بحذر زائد معه بالأمور المادية يجعله يشعر بخوفها منه وكأنه خائن أو غير جدير بالثقة؛ فتتراجع عاطفته نحوها.
ويجب أن تتجنب الزوجة إفشاء أسرار زوجها أو إقحام أهلها في مشكلاتها الزوجية وطرد عناد الزوج، وألا تترك بيت الزوجية أبداً، ففرص تراجع الزوج ورغبته في إرضائها ستقل بعد تركها للبيت، وستتضاعف عند مكوثها رغم الخلاف، وأن تتعامل مع زوجها بذكاء، فقد عرفت بحكم العشرة ما يثير غضبه فتتجنب فعله ولا تكرره وتتوقع أن يتقبله، وألا تتعامل بخشونة معه، فهي زوجته وليست صديقه، فلا بد من التعامل بأنوثة، فتكون صديقته وحبيبته، وتمنع مسببات الطلاق العاطفي من الاقتراب من مملكتها لتنعم بالسعادة والنجاح، وتصنع أسرة سعيدة تفتخر بها وتجدد رضاها عنها كما أدعو لكل بنات حواء.
_________________________
(*) كاتبة ونائبة رئيس تحرير “الأهرام”.