صوّت المجلس البلدي لبلدية تونس العاصمة يوم 31 ديسمبر 2018 على مبادرة لأحد أعضائها أحمد العزي تنصّ على إصدار قرار يجبر المتاجر على كتابة معلقاتها باللغة العربية تطبيقاً للفصل (39) من الدستور وللقوانين الجاري بها العمل حتى لا يتعرض أصحابها لعقوبات مالية.
وقال أحمد بوعزي، صاحب المبادرة، لـ”المجتمع” في اتصال هاتفي: صوت المجلس البلدي استجابة لمبادرة شخصية تحث على إصدار قرار بلدي يجبر المتاجر على كتابة معلقاتها على أبوابها باللغة العربية تطبيقاً للفصل (39) من الدستور وللقوانين الجاري بها العمل حتى لا يتعرض أصحابها لعقوبات مالية.
مشهد نشاز
وتابع بوعزي: إن اللغة العربية هي من بين المظاهر المهمة التي تعرّف بهوية شعب ما مدينة ما، غير أن المتجول اليوم في عاصمتنا يستغرب من غياب اللغة الوطنية في اللوحات واللافتات والمعلّقات على اختلاف أنواعها الموضوعة على واجهات المحلاّت التجاريّة والصناعيّة في أغلب الشوارع والساحات العموميّة وينتابه الشك في استقلال البلاد، وأردف: كما أن غياب اللغة العربية يفسد للسائح لذّة الاغتراب التي كان ينتظرها عند زيارة بلاد تختلف لغتها عن لغة بلاده.
استكمال لمشروع الاستقلال
واعتبر العزي ذلك إكمالاً لمشروع الاستقلال، ووفاء لمن بذلوا دماءهم من الحرية قائلاً: لقد قام آباؤنا وأجدادنا بمحاربة الاستعمار وإخراج جنوده ومعمّريه من البلاد وإرساء منظومة حكم وطنية، وقد ساعدت هزيمة فرنسا في فيتنام سنة 1954م واندلاع حرب التحرير الجزائرية في نفس السنة على التسريع في تتويج كفاحنا ضد الاستعمار بنجاح، فقد أعطت فرنسا الاستقلال إلى تونس والمغرب الأقصى سنة 1956م، كما أعطت استقلالاً صورياً للبلدان الأفريقية سنة 1960م، وثبّتت فيها رؤساء موالين لها وجعلت من اللغة الفرنسية لغةً رسمية.
أمّا الدولة التونسية، فقد كانت منذ عام 1955م في علاقة مضطربة مع فرنسا، وبدأت بُعيْد الاستقلال السياسي سنة 1956م ببناء الجيش الوطني والإذاعة وشرطة الحدود والديوانة (الجمارك). وفي 12 مايو 1964م، أعلن بورقيبة عن تأميم أراضي المعمّرين مع تأميم الأوقاف، وتأجّل الاستقلال الثقافي الذي كانت فرنسا ترفضه معتمدة في ذلك على اتفاقية 3 يونيو 1955م بين البلدين، التي أمضاها الطاهر بن عمّار، وإدغار فور قبل الاستقلال وبقيت معمولاً بها حتى اليوم، ونجد في مادتها السابعة ما يلي: “إن اللغة العربية هي اللغة القومية والرسمية للبلاد التونسية والفرنسية ليست لغة أجنبية”، كما نجد في المادّة الخامسة ما يلي: “تنشر السلطات العمومية التونسية ومصالحها جميع النصوص التشريعية والترتيبية بالعربية والفرنسية”، وهو سار حتى اليوم.
وتضيف المادة الخامسة: “وتلتزم السلطات التونسية بمخاطبة الأجانب باللغة الفرنسية، كما عليها استعمال الفرنسية في علاقاتها ومعاملاتها مع الأجانب في إداراتها العمومية”، وهو سار حتى اليوم، لقد كانت فرنسا تتمسّك بتثبيت لغتها في تونس لعلمها أنها تضمن لها السيطرة الاقتصادية والثقافية والفكرية والسياسية أكثر ممّا يضمنها الوجود العسكري وبقاء المعمّرين، ومخطّطو السياسة في فرنسا يعرفون جيّداً أنّ استعمار العقول أقل كلفة وأكثر تأثيراً من الاستعمار المباشر، واللغة تمكّن من تعويض الاستعمار العسكري بالاستعمار الناعم.
قرار دستوري
وحول تلاوم القرار مع الدستور أفاد: لقد أهدتنا الثورة التونسية دستوراً وفاقياً قبله كل التونسيين، وكانت رئيسة البلدية سعاد عبدالرحيم (النهضة) ممن حبّروه في المجلس التأسيسي، وقد مكّنتنا الديمقراطية المضمونة في الدستور من الوصول إلى هذا المجلس.
وقرار المجلس البلدي بتونس العاصمة (مشيخة تونس الكبرى) هو استجابة لمطالب المواطنين الذين يتمسّكون باستعمال لغتهم في بلادهم المستقلّة.
وشكر العزي أعضاء بلدية تونس وحدتهم في الموافقة على إصدار قرار بلدي يُجبر كلّ التجّار على الالتزام بما ورد في المنشور (33/ 94) ليبرزوا اللغة العربية على واجهاتهم بحجم مساو أو أكبر من الأحرف اللاتينية، وإن أرادوا استعمال لغة واحدة على واجهاتهم فلتكن العربية، وخاطبهم قائلاً: إنكم بموقفكم اليوم لا تكتفون بتطبيق الدستور فقط ولا بإعادة هيبة الدولة وشخصية البلاد، بل أنكم تسيرون على درب آبائنا وأجدادنا فتخطّون صفحة جديدة لامعة في تاريخ تونس ترسّخون بها الاستقلال الثقافي.