لا تزال قضية إغلاق مدرسة قرآنية، تديرها جماعة، الدعوة والتبليغ، تزاعم القضايا الهامة التي تشغل الراي العام في تونس، كأزمة التعليم الثانوي، بين النقابة ووزارة التعليم، والبطالة، وضعف المقدرة الشرائية، وغلاء الأسعار، وتدني سعر صرف الدينار، بل طغت عليها في هذه الآونة لحساسية القضية.
بحث عن جرائم
في أعمال الأمن والقضاء تكون الإجراءات بناء على وقائع أو شكوك، لكن أن يتم اقتحام مدرسة قرآنية ومن ثم البحث عن قرائن للإدانة فإن ذلك يعد خرقا للقانون فضلا عن العدالة . فقد قامت الوحدات الأمنية التونسية بالتنسيق مع المندوبية الجهوية للطفولة بسيدي بوزيد (260 كيلومتراً غرب العاصمة تونس) بمداهمة مدرسة تابعة لجمعية قرآنية بمدينة بالرقاب بولاية سيدي بوزيد واستجواب المشرفين عليها واحتجاز 42 طالباً ونقلهم إلى مركز للأطفال الجانحين القصر وفتح تحقيق في طبيعة نشاط الجمعية. وقد قرر قاضي الأسرة بالمحكمة الابتدائية بسيدي بوزيد تأجيل النظر في القضية إلى يوم 13 فبراير والإبقاء على الطلبة بمركز الإيواء ومنع الاتصال بهم.
وتداولت وسائل الإعلام هذا الحدث الفارق في توقيته وإجراءاته وأهدافه لا سيما وأن البعض تحدث عن سوء معاملة، وعرض عدد من الطلبة على الفحص الشرجي، بحثاً عن قرائن لشن حملة ضد المدارس الإسلامية جميعها دون طائل، بيد أن الإجراء الذي أدانه الأولياء ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في مقدمتها منظمة العفو الدولية حمل في طياته إساءة للطلبة ومحاولة للتنكيل بهم والنيل من كرامتهم وأعراضهم وسمعتهم وسمعة المدرسة كما يرى البعض.
احتجاجات الأولياء
احتج الأولياء على إغلاق المدرسة واحتجاز أبنائهم واعتقال مدير المدرسة ونفّذوا يوم أمس الإثنين 4 فبراير2019 وقفة احتجاجية أمام مقرّ المحكمة الابتدائية في سيدي بوزيد للمطالبة بإطلاق سراح الموقوفين بمن في ذلك أبناؤهم.
ورفع الأولياء المحتجّون عدّة شعارات مندّدة بما اعتبروه احتجازاً لأطفالهم وعرضهم على الفحص الطبي باعتباره إجراء غير طبيعي، وذكروا أنّ احتجاز أطفال قُصّر دون موافقة أهاليهم هو جريمة وليست حماية، كما أكّدوا حقّهم في تعلّم القرآن معتبرين إياه تواصلاً للدراسة وليس انقطاعاً، وطالبوا بالإفراج الفوري عن أبنائهم وإعادة فتح المدرسة القرآنية.
وأفاد والد أحد أطفال المدرسة القرآنية بسيدي بوزيد الذين تم تحويلهم إلى العاصمة بأن ابنه منقطع عن الدراسة والتحق بهذه المدرسة لحفظ القرآن لا غير، نافياً وجود كتب ذات منحى تكفيري وتهم الاتجار بالبشر أو تعرض الأطفال للاحتجاز بالمدرسة وانقطاعهم عن ذويهم، وهي التهم التي وجهت للمدرسة والقائمين عليها. كما وجهت لمديرها تهم “الاتجار بالأشخاص والاستغلال الاقتصادي للأطفال والاعتداء بالعنف والاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي” كما تم الاحتفاظ بامرأة عمرها 26 سنة أقرّت بزواجها من المدير، بشهود دون عقد.
وأضاف ولي الأمر أن ابنه أبلغه في اتصال هاتفي أن 5 من الأطفال تعرضوا للفحص الشرجي في العاصمة وهو ما يتنافى مع حقوق الطفل وفق تعبيره، وأكّد الولي أن من يُدَرّس أبناءهم هم من حفظة القرآن من أبناء الرقاب (سيدي بوزيد) وأحدهم معروف جيداً لدى وزارة الشؤون الدينية.
إدانات واسعة
وفي هذا السياق، اعتبر محامي عائلات الأطفال المحتجزين سيف الدين مخلوف في تصريح لـ”المجتمع” أن ما وقع في مدينة الرقاب هو اقتحام لمدرسة قرآنية مرخص لها دون وجه قانوني واستجواب العاملين بها، واحتجاز أطفال صغار في مكان مجهول وعرضهم على الفحص الشرجي دون استشارة عائلاتهم الذين قرروا رفع قضية في الغرض، كما أشار مخلوف إلى وجود نوايا من بعض الأطراف لخلق مشكل حول طبيعة نشاط الجمعية التي سبق وتم رفع قضية ضدها وحصلت على موافقة قضائية لمواصلة العمل والنشاط، واعتبر مخلوف أن الحادثة تكتسي أبعاداً سياسية تقف وراءها عدة أحزاب وحمل حزب حركة نداء تونس المسؤولية وهو الذي أعلن، حسب قوله، حرباً شرسة على القرآن وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
إلى ذلك عبّر النائب بمجلس نواب الشعب عماد الدايمي، على صفحته في موقع “فيسبوك”، عن رفضه لعملية القبض على 42 طالباً يدرسون في مدرسة قرآنية بسيدي بوزيد بسبب ما وصفها “وشاية من قبل إعلامي” قام بتحقيق حول تلك المدرسة، في إشارة إلى برنامج “الحقائق الأربع” الذي بث موضوع المدرسة المذكورة على قناة “التاسعة”.
وأدان “مرصد الحقوق والحريات” في بيان له عملية الإيقاف، مطالباً بتسليم الأطفال فوراً إلى أوليائهم مع استكمال الأبحاث والتحقيقات للكشف عن كل التجاوزات والاعتداءات التي يمكن أن تكون قد صدرت في حقّ أيّ طفل مهما كان نوعها ومن أيّ شخص أو جهة.
كما طالبت منظمة العفو الدولية، السبت 2 فبراير 2019، السلطات التونسية بتسليم 42 طفلاً كانوا يدرسون بمدرسة قرآنية بمدينة الرقاب (محافظة سيدي بوزيد) ونقلوا إلى مركز لرعاية الأحداث، جنوب العاصمة، إلى أوليائهم بصفة فورية في حين أكدت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن أن ملف هؤلاء الأطفال محل نظر القضاء حالياً.
وأضافت المنظمة في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، أن السلطات التونسية مطالبة في حالة توافر أسباب جدية لتواصل الاحتفاظ بهم إلى إحالة ملف هؤلاء الأطفال على قاضي الأسرة بصفة استعجاليّة وتمكين الأولياء من زيارتهم، مؤكدة ضرورة ضمان احترام الأبحاث لحقوق الطفل ومبدأ مراعاة مصالح الطفل الفضلى، وفق ما جاء في نص البيان.
وأعربت منظمة العفو الدولية عن بالغ قلقها عمّا بلغها من شهادات الأطفال الذين اتصلوا بآبائهم عبر الهاتف حول تعريض عدد منهم لفحص شرجي في إطار التحقيق في شبهة اعتداءات جنسية، مشددة على أن ذلك يعد أمراً بالغ الخطورة ويمثل انتهاكاً صارخاً لالتزامات تونس بمقتضى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.