دعا موظف وافد بسيط مديره عند زيارته دوام المساء على العشاء، فاستجاب له، وتكررت الدعوة كلما حضر المدير الذي استغرب من الأكل الذي يحضره، فالكمية كبيرة، والنوعية من الأسماك الطازجة الغالية، فسأل صاحبه عن حكايته، فقال: بدأ هذا الموظف عمله في الكويت منذ 20 سنة، وأحضر زوجته، ورزقهما الله الذرية، إلا أنه كان يقتر على نفسه في المأكل والملبس، ويرسل المبلغ لإخوته لعمل استثمار مشترك للمستقبل، وبعد سنوات اكتشف أنهم استحوذوا على كل الاستثمار، وحملوه الديون، فصدم من عمل إخوانه المقربين، فقرر بعدها أن يمتع نفسه وأسرته بما أنعم الله عليه من خيرات في الكويت، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
لا يختلف اثنان على أن كل وافد إنما جاء للعمل لأجل الاسترزاق، وزيادة دخله في بلده، سواء في الخليج أو أوروبا أو أميركا، ولا شيء في ذلك، فهذه سنة الحياة، إلا أن الفرق يكون في خطة ذلك الشخص، رجلا كان أو امرأة، هل هناك نية استقرار أم عودة؟ هل سيعمد إلى التقتير على نفسه من أجل الآخرين (أهله، أقربائه، قبيلته..)، أو لأجل بناء مستقبله في بلده (استثمار، عمارة..)، على حساب نفسيته ومظهره وصحته؟ هل سيعمل ليل نهار لتحقيق أهدافه المالية؟ أم يعيش حياته في بلد العمل (المهجر) بالاستمتاع بما أنعم الله عليه هو وأسرته، واستقطاع مبلغ محدود لأهله وللاستثمار بحسب مستوى دخله؟
نعم.. هو صراع نفسي عند اتخاذ القرار، تحكمه ظروف عديدة، وفق البيئة والتنشئة ومستوى الدخل، والطموح.
عزيزي المقيم في أي بلد.. لا تكن حارسا للمال ليأخذه غيرك، بل كن فاعلا ومستثمرا له، واستمتع بحياتك، ولا تنس أقرباءك بالحسنى، والبس جيدا، واحرص على صحة عيالك، وادخر لمستقبلك، كل وفق دخله وإمكاناته.
ولا أعني الإسراف بأي حال من الأحوال، إنما الحكمة.
يقول أحد المهاجرين في بريطانيا: جئت قبل 55 سنة، والنية أن أقضي عاما أو اثنين بالكثير لأجني المال، ثم أعود إلى وطني، وتجري بي الأيام ليتبين لي أنني لم أحقق الهدف المالي، فأخذت أمدد سنة بعد أخرى، وتزوجت ودرس عيالي في بريطانيا، ولم أحقق الهدف المالي، وتوفيت زوجتي وتقاعدت ولم أحقق الهدف المالي، ولم أملك بيتا لا في وطني ولا في بريطانيا، ولم أستمتع بحياتي.
أيها الوافدون.. استمتعوا بحياتكم، فالأرزاق بيد الله.
___________________________
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.