حين كان رفاعة الطهطاوي يصف باريس في كتابه الذائع الصيت «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، ذكر من بين وصفه أحوال الأطباء وتخصصاتهم الطبية التي ينصرفون إليها بعد المعرفة العامة بالطب عموماً، وأطال في وصف التخصصات وأهلها(1).
وقد كان نهج الطهطاوي في كتابه هذا أنه إذا وجد شبهاً بين أحوال الفرنسيين وأحوال المسلمين في صدر الحضارة الإسلامية ذكره وأشار إليه، أما هنا فلم يفعل هذا، مع أن وجود تخصصات طبية موجود في صدر الحضارة الإسلامية منذ منتصف القرن الثاني الهجري إن لم يكن قبل هذا، فقد روى الطبري قصة امرأة جُرِحت فجاءت إلى ناحية باب المحول بالكرخ في بغداد، فقصدت الطبيب فقال لها: إنما أنا كَحَّال (طبيب العيون) وها هنا امرأة تعالج الجراحات(2).. ولا أحسب أن الطهطاوي أمسك عن ذكر هذا إلا لأنه لم يعلمه، وهذا مع غزارة علمه البادية في كتبه، وما ذلك إلا لوجود انقطاع حضاري كبير بين المسلمين وتراثهم.
مع قوة وغزارة علم الطهطاوي، فإن كثيراً من المظاهر الحضارية التي أثنى عليها في باريس، كنا قد سبقنا إليها، وترد فيها الأخبار والكتب من الأندلس غرباً إلى بلاد ما وراء النهر شرقاً، فلئن كان مثل الطهطاوي لم يعلم بها فإن مَن دونه أولى بهذا.
بعد نحو قرن ونصف القرن من الطهطاوي، حاول د. نصر عارف القيام بمسح إحصائي حول المؤلفات المعاصرة المكتوبة في الفكر السياسي الإسلامي، ونسبة رجوعها إلى تراث الفقه السياسي الإسلامي، ثم توصل إلى نتيجة مؤسفة تقول: «جميع من كتب عن الفكر السياسي الإسلامي أو التراث السياسي الإسلامي أو إحدى ظواهره لم يطلع على أكثر من 6% من المصادر المباشرة لهذا التراث»(3).
والمهتم بأبواب التاريخ والحضارة الإسلامية يشاهد مع كل بحث جديد مستوى الانقطاع الحضاري الكبير بين المسلمين وتراثهم، وكيف يؤثر هذا تأثيراً قاسياً على حُسْن تصورهم للتاريخ الإسلامي، وعلى أسلوب تلقيهم وتفاعلهم مع التحديات الثقافية والفكرية، وعلى تصورهم لطبيعة النموذج الذي ينشدونه ويسعون لبنائه في المستقبل.
تشكيل الهوية الحضارية
تَكَوَّنَ التراث الإسلامي انطلاقاً من القرآن والسُّنة، فهو مجموع الاجتهادات والأفكار التي تنمو حول النص القرآني والنبوي كاستجابة لتحديات الحياة ومستجداتها، بينما تأسست النهضة الغربية المعاصرة على العلمانية التي تصارعت مع الكنيسة وسارت في طريق نفي وجود الإله وإنكار الغيبيات، وكان لهذا أثره على طريقة تشكيل المنهج العلمي في كلتا الحضارتين؛ ففي الحضارة الإسلامية -كما تشهد الراهبة السابقة والباحثة في تاريخ الأديان «كارين أرمسترونج»- «لم ينشأ في يوم من الأيام أي صراع بين البحث العلمي العقلاني والدين في التراث الإسلامي»(4).
في الحضارة الغربية، كمثال، جرى الانحياز المباشر إلى كل نظرية علمية تفسر الكون باستبعاد وجود الإله، فحين تأسس التراث المسيحي على أن الله تجسد في صورة الابن فوق هذه الأرض، كان أي اكتشاف علمي يجعل الأرض ليست مركزاً للكون كأنما هو ضربة قاسية في صميم العقيدة المسيحية.
واستدعت الحضارة الغربية تراثها الوثني اليوناني ومنه أسطورة «برومثيوس» التي تجعل العلم صراعاً بين الإنسان والإله، فكل علم للإنسان هو خصم من رصيد الإله ومشاركة له، لأن الذي يعلم هو الذي سيتمكن من التحكم في الكون، ومن هنا فحين اكتشف «نيوتن» قوانين الحركة الثلاثة لم تذهب الحضارة الغربية نحو اتجاه «سبحان من خلق الكون وأبدع قوانينه»، بل ذهبت باتجاه «هذا دليل على أن حركة الكون ومن فيه لا تخضع لإله بل تخضع لقوانين صارمة اكتشفنا بعضها وسنكتشف المزيد منها»، وحين أطلق «داروين» نظريته التطورية؛ وجدت احتفاءً هائلاً ولا تزال هي النظرية الأثيرة للحضارة الغربية، إذ تتمسك بها مهما انهارت دلائلها، بينما جرى إهمال أبحاث «يورهان مندل» (أبو الهندسة الوراثية) التي كانت في نفس وقت أبحاث «داروين»، مع أنها ضد نتائج «داروين» لحديثها عن التحسن السلالي لا عن تطور المخلوقات، إذ إن أبحاث «مندل» لا تخدم المعركة الفلسفية القائمة ضد الإله.
بينما كان التراث العلمي للحضارة الإسلامية مزيجاً بين العلم والدين، بل إن تدقيق النظر فيه يعود علينا بخمسة ملامح رئيسة تمثل هذا الفارق في الهوية الحضارية والثقافية، وتصبغ الكتب العلمية، وهي:
1- أنها تبدأ بحمد الله والثناء عليه والتماس حكمته في هذا الباب من أبواب العلم.
2- أنها تفسر الظواهر من منطلق محاولة فهم الحكمة، لا من باب الصدفة أو الصراع؛ الصراع بين الله وخلقه، أو الصراع بين أجناس الكائنات.
3- أنها هَذَّبَتْ عدداً من العلوم الموروثة من الحضارات السابقة وخلصتها من الخرافات والأساطير.
4- أن مؤلفيها كانوا علماء دين ودنياً معاً، ويستعين الواحد منهم بعلمه في أبواب الدين على فهم علوم الواقع.
5- أنها قدَّمت حق الإنسان على البنيان ومنفعة المجموع على القلة انطلاقاً من مبدأ الاستخلاف في الأرض، ومن مبادئ المرحمة والعدل، بخلاف المنهج العلمي المنطلق من رؤية مادية وصراعية للعلاقات بين أجزاء هذا الكون.
كان الجاحظ، مثلاً، يتحدث في القرن الثاني الهجري عن مبدأ التوازن البيئي، بينما لم تكتشف الحضارة الغربية المعاصرة هذا المبدأ إلا حينما فسدت البيئة وظهرت آثار التلوث المدمرة، بعد ألف سنة من الجاحظ، لم يكن الجاحظ بحاجة إلى أن يرى آثار التلوث وإفناء بعض المخلوقات ليكتشف هذه الحقيقة، ذلك أنه كان يؤمن ابتداء بأن الله خلق كل شيء بقدر وحكمة، ولم يكن بحاجة إلى أن يفسر مشهد الكائنات تفسيراً صراعياً، بل فسره تفسيراً يراقب حكمة الخلق، قال: «ومن العجب في قسمة الأرزاق أنّ الذّئب يصيد الثّعلب فيأكله، ويصيد الثّعلب القنفذَ فيأكله، ويُريغ القنفذ الأفعى فيأكلها، وكذلك صنيعُه في الحيَّات ما لم تعظُم الحيَّة، والحيَّة تصيدُ العصفور فتأكلهُ، والعصفور يصيد الجراد فيأكله، والجراد يلتمس فِراخَ الزّنابير، وكلّ شيء يكون أفحوصُهُ على المستوى، والزُّنبور يصيد النّحلة فيأكلها، والنَّحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيدُ البعوضة فتأكلها»(5)، وهذا المعنى مضطرد في كتابات غيره في تراثنا الإسلامي(6).
وقد قسم الجاحظ كتاب الحيوان إلى سبعة فصول، يتناول الجزآن الأول والثاني المناظرة بين الديك والكلب، مدعماً رأي كل منهما بالآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية أو الحكايات والحكم، ويتناول في الفصلين الثالث والرابع الحمام وأنواعه وطبائعه، والذباب والغربان والجعلان والخنافس والخفاش والنمل والقرود والخنازير والثيران، وفي الخامس والسادس يواصل البحث عن الثيران، ثم ينتقل إلى أجناس البهائم والطير الأليف، ويعقد مقارنة بين الإنسان والحيوان، ثم يتكلم عن الضب والهدهد والتمساح والأرنب، وفي الفصل السابع يتحدث عن الزرافة والفيل وذوات الأظلاف، والذي يهمنا في هذا السياق هو الانطلاق من القرآن والحديث والاسترشاد بهما في صدر كتاب علمي، وهو أمر يستنفره الطبع العلمي الغربي الحديث لتأثره بالانفصال التام بين العلم والدين.
وها هنا مسألة تتعلق بدور التراث في تشكيل الهوية الحضارية، فقد ناقش الأصوليون موضوع ما إذا اختلف السلف فيما بينهم على قولين، هل يجوز إحداث ثالث؟ أو على ثلاثة أقوال، هل يجوز إحداث رابع؟ وجمهور العلماء على أن ذلك لا يجوز، إذ مقتضى وجود قولين أنهم أجمعوا على بطلان القول الثالث، كما أن إحداث قول ثالث هو رمي لمجموع الأمة بأنها كانت على ضلالة في تلك الأزمان، ومجال هذه القاعدة التي ذكرها الأصوليون هو فيما لم يكن من النوازل والمستجدات، لكن المعنى المقصود الذي يهمنا الإشارة إليه في سياقنا هذا هو أن تشرُّب التراث وكثرة الاطلاع عليه هو ما يورّث تشكّل الهوية الحضارية ويصبغ قارئه بالبصمة الحضارية المميزة، ويعصمه من الذوبان والغرق في النماذج الحضارية المغايرة.
هذا هو ما جعل أسلافنا الأوائل يهضمون علوم العالم القديم دون أن يُسْتَلَبوا لها، ويستوعبوها دون أن يُسْتَوْعبوا فيها، فيعيدون تشكيل الحالة العلمية وفق المثال الحضاري الإسلامي المميز، ويمارسون انتقاء المبصرين العقلاء من بين بحر المادة الحضارية الثرية المعروضة عليهم، وقد انتبه لهذا المعنى كثير من المؤرخين الغربيين، مثل «إدوارد بروي» الذي قال: «وانجلى غبار الفتح وصلصلة السلاح عن إمبراطورية جديدة ولا أوسع، وعن حضارة ولا أسطع، وعن مدنية ولا أروع، عوَّل عليها الغرب في تطوره الصاعد ورقيه البناء، بعد أن نفخ الإسلام في قسم موات من التراث الإنساني القديم روحاً جديدة عادت معه إليه الحياة، فنبض وشعّ وسرى»(7).
التراث الثقافي غير المادي
يفرق «علي عزت بيجوفيتش» بين مصطلح الحضارة ومصطلح الثقافة، يرى أن الحضارة تعبير عن الإنتاج المادي، بينما الثقافة تعبير عن الإنتاج المعنوي والروحي والقيمي(8)، وهو تفريق مهم، ويتعلق بسياق حديثنا هنا عن التراث، ذلك أن الهوية الإسلامية التي اصطبغ بها تراثنا لم تكن مجرد مناهج وطرائق للنظر في العلوم والفنون، وإنما كانت قبل كل ذلك وبعده رؤية وتصور؛ أي فلسفة حياة.
في كتابه المهم «الدولة المستحيلة»، طفق المستشرق الأمريكي من أصل فلسطيني «وائل حلاق» يرصد أبعاد التناقض بين التصور السياسي الإسلامي والتصور السياسي الغربي المتمثل بالدولة الحديثة، ومع أن فكرة الكتابة نفسها ليست بجديدة بل يجري الحديث عنها منذ أكثر من قرن، إلا أن مجهوده في الجمع والحشد كان متميزاً، وانتهى بعد دراسته إلى القول: إن النظام الدولي الحديث لا يمكنه أن يقبل نشأة دولة إسلامية، لأن أصل التصورات متناقضة.
ومن أوجه ذلك التناقض عدم وجود ملك أو دولة يتحكمان في التشريع اختلافاً أساسياً يميز النموذج الإسلامي، والتشريع في الإسلام هو الذي يبرر وجود الحاكم ووجود واقع سياسي معين، لكنه ليس نتاجاً للسياسة أو السياسي، فالسلطة السياسية المطلقة التي عاشتها أوروبا وسخرة الإقطاع التي لا تعرف الرحمة، وتجاوزات الكنيسة، وحقائق الثورة الصناعية القاسية، وكل ما جعل الثورات ضرورية في أوروبا لم يكن للمسلمين فيه حظ.
وعموماً، فعلى الرغم من قسوة الحياة الإنسانية ومآسيها التي لا مفر منها، عاش المسلمون مقارنة بالأوروبيين ولأكثر من ألف عام في نظام أكثر مساواة ورحمة تحت حكم قانون لا تستطيع الحداثة أن تقلل من شأنه وتبقى منصفة، وهذه النقطة الأخيرة هي الأكثر أهمية بالنسبة إلينا، كذلك لم يعرف الحكم الإسلامي -أيضاً- شيئاً شبيهاً بمستوى المراقبة التي أنتجها البوليس والسجون الخاصة بالدولة الحديثة، كما أن الحكم الإسلامي لم يتدخل كثيراً في مجال التعليم، حتى المدارس التي أنشأها الحكام لم يكن لهم تأثير على ما كان يدرس وكيف يدرس، وظلت موضوعات التعليم التي تدرس في الأغلب خارج المدارس الرسمية للحكام، هي تلك الضرورية للشريعة ولإشباع حاجات المجتمع، أي التي تحقق متطلبات الحياة الفاضلة(9).
وبغض النظر الآن عن مقصود «حلاق» الذي تجادل حوله كثيرون، إلا أن إثباته التناقض هو ما يعنينا، وهو جزء يكاد أن يكون مجمعاً عليه بين دارسي المجال، غير أن الخلاصة التي نريدها أنه إذا لم نكن على معرفة عميقة بتراثنا فلن نعرف النموذج الذي نريد أن نحققه، ولن نستوعب الفوارق بين الواقع الذي نحن فيه والأمل الذي ننشده، سنذوب في النموذج الحضاري المهيمن علينا مهما كان تناقضه مع ديننا وأخلاقنا وضرورات حياتنا، فمعرفة التراث أصل في معرفة ذواتنا وفي تصور التحديات المطروحة علينا وفي فهم آمالنا وأحلامنا، ومكامن قوتنا وضعفنا.
التراث الخالد
يكفي لكي نتصور ثراء التراث الإسلامي وغزارته أن نقول: إنه إنتاج أمة امتدت بين مجرد التصور بأن التراث الإسلامي هو تراث أمة امتدت من الصين إلى الأندلس، ومن شمال البحر الأسود إلى وسط أفريقيا، وأنها أمة استمرت ألف سنة على قمة الحضارة الإنسانية، وهي أمة استوعبت وهضمت تراث الحضارات القديمة ثم تأسست عليها النهضة الغربية المعاصرة، يقول الفيلسوف الألماني «هبمولد»: «العرب كانوا ذوي نشاط منقطع النظير، وهذا النشاط هو آية دور ممتاز في تاريخ الدنيا»(10).
إن مجرد جمع أسماء الكتب والرجال في بعض العلوم والفنون صار يشغل عشرات المجلدات، وهي محاولات بدأت قبل «كارل بروكلمان»، ولم تنته بـ»فؤاد سزكين»، لا بل إن محاولة فهرسة المخطوطات في مكتبة أو بضع مكتبات قد خرجت في مجلدات فاقت العشرة أحياناً، حتى إن المؤرخ الأمريكي الشهير «ول ديورانت» بعدما استعرض موجزاً سريعاً للحضارة الإسلامية في موسوعته «قصة الحضارة» أردف هذا بالقول: «ليس ما نعرفه من ثمار الفكر الإسلامي في تلك القرون الثلاثة إلا جزءاً صغيراً مما بقي من تراث المسلمين، وليس هذا الجزء الباقي إلا قسماً ضئيلاً مما أثمرته قرائحهم؛ وليس ما أثبتناه في هذه الصحف إلا نقطة من بحر تراثهم، وإذا كشف العلماء عن هذا التراث المنسي فأكبر ظننا أننا سنضع القرن العاشر من تاريخ الإسلام في الشرق بين العصور الذهبية في تاريخ العقل البشري»(11)، وقريب من ذلك ما ختم به المستشرق البريطاني «ألفريد جيوم» مبحثه عن «الفلسفة وعلم الكلام» بقوله: «خلال القرون الأربعة لسيادة الإسلام وجدت روح البحث الديني والفلسفي في كل مراكز العلم، وإن لون الطابع الذي تميز به العقل الشرقي وسحره ما زال باقياً متسكعاً في كتابات ذلك العصر، الذي كان كل تاجر فيه شاعراً، وليس كل شاعر تاجراً»(12).
إنه لا يمكن حصر الشهادات التي اعترفت لهذا التراث بقيمته الكبرى في النهضة المعاصرة، من حيث حفظ العلوم القديمة أولاً، وتطويرها والإضافة عليها وابتكار علوم جديدة ثانياً، ثم بذل ذلك كله في المراكز الحضارية الإسلامية التي امتدت من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، من بلاد ما وراء النهر في آسيا الوسطى إلى الأندلس في غرب أوروبا، ولا بأس أن نشير إلى فرع واحد في عصر واحد، وهو القانون، فلقد قام العالم الأزهري سيد عبدالله علي حسين بتأليف كتابه «المقارنات التشريعية»، وفيه يقارن بين نصوص الفقه المالكي ونصوص القانون الفرنسي في زمن «نابليون»، وكان ينسب المادة القانونية إلى أصلها في متون المالكية، وجاء عمله في ثلاثة مجلدات كبيرة جليلة ثرية.
وهذا الأثر الخالد مما يتفق عليه بين من عنده الحد الأدنى من العقل والإنصاف، يقول المستشرق البريطاني «مونتجمري وات»: «ومتى ألَّم المرءُ بكافة جوانب مواجهة المسيحية للإسلام في العصور الوسطى، وضح له أنَّ تأثير الإسلام في العالم المسيحي الغربي هو أضخم مما يُظَنُّ عادةً؛ فلم يقتصر دور الإسلام في العالم المسيحي الغربي على تعريف أوروبا الغربية بالكثير من منتجاته المادية، واكتشافاته التكنولوجية، ولا على إثارة اهتمام الأوروبيين بالعلوم الفلسفية، بل إنه دفع أوروبا -أيضاً- إلى تكوين صورة جديدة لذاتها، وقد أدَّت مواجهة الأوروبيين العدائية للإسلام إلى تهوينهم من شأن أثر المسلمين في حضارتهم، ومبالغتهم في بيان أفضال التراث اليوناني والروماني عليها، ومن ثَمَّ فإنَّ من أهم واجباتنا معشر الأوروبيين الغربيين -والعالمُ في سبيله لأنْ يُصبح عالماً واحداً- أن نُصَحّحَ هذه المفاهيم الخاطئة، وأن نعترف اعترافاً كاملاً بالدَّيْن الذي نَدِين به للعالم العربي والإسلامي»(13).
________
الهوامش
(1) رفاعة الطهطاوي، تخليص الإبريز في تلخيص باريز، منشور ضمن «الأعمال الكاملة»، تحقيق: د. محمد عمارة، (القاهرة: دار الشروق، 2010م)، 2/ 154، 155.
(2) الطبري، تاريخ الطبري، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1995م)، 5/ 646.
(3) د. نصر محمد عارف، في مصادر التراث السياسي الإسلامي: دراسة في إشكالية التعميم قبل الاستقراء والتأصيل، ط 1 (فيرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1994 م)، ص 39.
(4) كارين أرمسترونج، سيرة النبي محمد، ترجمة: د. فاطمة نصر ود. محمد عناني، ط 2 (القاهرة: سطور، 1997)، ص154.
(5) الجاحظ، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، (بيروت: دار الجيل، 1996م). 6/313.
(6) انظر مثلاً: الخطابي، معالم السنن، ط1 (حلب: المطبعة العلمية، 1932م)، 4/289؛ القزويني، آثار البلاد وأخبار العباد، (بيروت: دار صادر، 1979م)، 1/5، 6.
(7) إدوارد بروي، القرون الوسطى، ضمن: موريس كروزيه (إشراف)، تاريخ الحضارات العام، ط 2 (بيروت: منشورات عويدات، 1986م)، 3/109.
(8) علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين الشرق والغرب، ترجمة: د. محمد يوسف عدس، ط2 (ميونخ: مؤسسة بافاريا، 1997م)، ص93 وما بعدها.
(9) وائل حلاق، الدولة المستحيلة: الإسلام السياسي ومأزق الحداثة الأخلاقي، ترجمة: عمرو عثمان، ط1 (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أكتوبر 2014م)، ص207، 208 باختصار وتصرف.
(10) لويس سيديو، تاريخ العرب العام، ترجمة: عادل زعيتر، ط2 (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1969م)، ص332.
(11) ول ديورانت، قصة الحضارة، ترجمة: مجموعة، (القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001م)، 13/ 196.
(12) ألفريد جيوم، الفلسفة وعلم الكلام، ضمن: توماس أرنولد، تراث الإسلام، ترجمة: جرجيس فتح الله، (بيروت: دار الطليعة، 1972م)، ص400.
(13) مونتجمري وات: فضل الإسلام على الحضارة الغربية، ص114.