مثَّل اكتشاف بعض الآثار الإسلامية القديمة شواهد أن الإسلام قد وصل ماليزيا في وقت مبكر، فهذا شاهد لقبر شخص يدعى الشيخ عبدالقادر بن الحسين يعود إلى عام 291هـ/ 903م في ولاية قدح، ثم اكتشاف دينار ذهبي في ولاية كلنتن عام 577هـ/ 1181م، كُتب على أحد وجهيه «المتوكل»، وحجر آخر في ولاية ترنجانو كتبت عليه بعض أحكام الدين الإسلامي في الدَّين والمعاملات والربا عام 702هـ.
من المؤكد أن تحول السلطان مظفر شاه الأول (1136م – 1179م) سلطان قدح من الهندوسية إلى الإسلام على أيدي تجار مسلمين هنود، قد مثل نقطة فارقة في تاريخ الإسلام بماليزيا، وقد أسس بعد إسلامه سلطنة قدح التي هي قائمة حتى اليوم، ثم توالى اعتناق سكان المدن الساحلية في ماليزيا وإندونيسيا الإسلام، وبحلول القرن السادس عشر الميلادي كان الإسلام هو الدين الغالب على شعب الملايو.
تحديات المناخ
ربما لا تمتلك ماليزيا بحكم الطقس القاسي معالم تاريخية موغلة في القدم، فربما لا تجد شيئاً هنا واضح المعالم يعود لأكثر من 500 عام، إلا أن ماليزيا تعد معلماً سياحياً بارزاً بين دول العالم، ووفق التقرير السنوي لمنظمة السياحة العالمية (UNWTO) لعام 2018م، فقد حصلت ماليزيا على 8% من إجمالي السياح في العالم، وعلى 4.7 من عائدات السياحة العالمية، بما يعني عوائد تتجاوز 18 مليار دولار سنوياً، ووفق التقرير، فقد نمت عائدات السياحة بين عامي 2015 و2016م بما يتجاوز 4%.
وتعتبر ماليزيا هي الوجهة السياحية الأولى لمسلمي الغرب، ربما لما يجدونه من تشابه بينها وبين المجتمعات التي نشؤوا فيها، صحيح أنه بإمكانك تناول الطعام الحلال أينما ذهبت، وجميع النساء المسلمات تقريباً يرتدين الحجاب، لكن فيما يتعلق بعمارة المدن ومظهرها وأجوائها العامة، فإن كوالالمبور والمناطق الحضرية المحيطة بها تشبه إلى حدّ ما الأحياء الإسلامية في الغرب أكثر من المدن الإسلامية في الشرق مثل القاهرة ودمشق.
الابتسامة ثقافة ماليزية عامة، وموروث يتم تدريب الأطفال عليها منذ الصغر، ستجدها أينما ذهبت بين كل الأعمار والأعراق، بين الرجال والنساء، سواء كانت تربطك بهم علاقة أو معرفة سابقة أو لا، يكفي أن تنظر في وجه أحدهم ليكون رد فعله تلقائياً الإيماء بالسلام مع ابتسامة رقيقة.
الطعام ودعوة الناس إليه واحد من التقاليد الراسخة، وهو شعار البهجة والسرور، في الأفراح، والعيدين، والتراويح، ومجالس التهليل، والهدايا بين الأصدقاء، وحتى في المصالح الحكومية بين المواطنين وموظفي الدولة، ولا يعتبر هذا من قبيل الرشوة في الثقافة الماليزية، ففي خطاب رئيس الوزراء د. مهاتير محمد، دعا الشعب إلى مكافحة الرشوة، وطلب أن تقتصر هدايا الموظفين على الطعام والمشروبات فقط.
المساجد
المذهب الشافعي هو المذهب المعتمد عند الملايو، وعليه فالمساجد نوعان؛ ما يطلق عليه «مسجد» هو المسجد الجامع المصرح فيه بصلاة الجمعة، ولا يصرح للمساجد بإقامة صلاة الجمعة إلا بإذن من السلطان، وهناك ما يسمى «surau» أو مصلى، وهو للصلوات اليومية والتراويح بشهر رمضان، وهو منتشر في كل مكان، في الأسواق وعلى الطرق السريعة وفي كل قرية ومدرسة ومؤسسة حكومية أو خاصة.
وقد أخذت العناية بالمساجد ودروس العلم حظاً وافراً، فالمساجد في معظمها واسعة المساحة، عظيمة العمران، مكيفة الهواء، ويتم الإنفاق على المساجد الأهلية من أموال المصلين المتبرعين، فكرم الماليزيين في إخراج الصدقات خاصة للمساجد والمدارس الدينية يعد العنوان الأبرز الذي لا تخطئه عين، أما المساجد التابعة للمؤسسة الدينية فيتم الإنفاق عليها من ميزانية المؤسسة.
وفي المجمل، لا تخلو ولاية ماليزية من مسجد هو محط أنظار السياح، وأيقونة الولاية ودرتها، حتى في بينانج ذات الأغلبية الصينية، هناك العشرات من المساجد عظيمة العمران، وأشهرها «المسجد العائم» الذي أنفقت عليه الحكومة الماليزية قرابة 15 مليون رينجت، وهو قبلة الزائرين والمقيمين على حد سواء؛ لما يتمتع به من موقع فريد، وإطلالة ساحرة على شاطئ «BATU FERRINGHI» الشهير.
والمساجد العائمة غدت تقليداً متبعاً في ماليزيا، حيث يعمد المبدعون إلى مزج إطلالة المياه الصافية مع العمارة من حضارات مختلفة، وهو تراث إسلامي وموروث ثقافي صيني وهندي ومحلي؛ لإنتاج لوحة فنية باهرة تعكس أول ما تعكس هوية الدولة التي يفتخر بها الماليزيون، ويحرصون على تأكيدها لتظل غاية في الوضوح بأعين كل الأعراق على الدوام.
يعتقد الكثيرون أنّ مسجد «مضيق ملقا» أجمل المساجد العائمة في ماليزيا، ويقع هذا المسجد على جزيرة اصطناعية قرب المزارات الأثرية المهمة والشهيرة في المدينة القديمة، وفي ترينجانو بالشمال الشرقي، هناك مسجد «الكريستال العائم» بإقليم «وان مان أيلاند»، وفي كوالالمبور يوجد مسجد «بوترا جايا العائم» شعار الولاية ومعلمها الفريد، وفي ولاية صباح عام 2002م وعلى طراز المسجد النبوي الشريف بني مسجد «كوتا كينبالو العائم» ليكون واحداً من أكبر مساجد ماليزيا بسعة تتجاوز 12 ألف مصل، وبأمر من السلطان الراحل المكتفي بالله شاه وتخليداً لذكرى والدته شيد مسجد «تنكو تنجه زهرة العائم» ليكون بلونه الأبيض الناصع المنعكس على صفحة مياه بحيرة «كينير» لوحة فنية تضاف إلى معالم ماليزيا السياحية.
أما في كوالالمبور العاصمة، فهناك قائمة من المساجد الفخمة التي تعكس مدى اعتزاز الماليزيين بهويتهم الدينية، منها على سبيل المثال مسجد «Masjid Negara» الذي تم بناؤه عام 1962م، ويعد واحداً من أكبر مساجد ماليزيا على الإطلاق.
الإصرار على تأكيد إسلامية الدولة في كل مناسبة شعار يتبناه الجميع، القوميون منهم قبل الإسلاميين، ولرب ضارة نافعة، فالتنوع العرقي والديني يمثل جرس الإنذار الذي لا يترك مسلمي ماليزيا يغفلون عن أي خطر يتهدد هويتهم، وهم دائماً يحرصون على إظهار تسامحهم وحب التعايش، وهو أمر مطلوب دينياً واجتماعياً، لكن بما لا يؤثر على تغيير الموروث الثقافي والهوية الإسلامية لذلك البلد المسلم.