تعيش تونس حالياً ومنذ يوم الخميس 3 أكتوبر 2019م على وقائع مدوية أثارتها وثائق مسربة من ملف المترشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، الذي حاز على المرتبة الثانية في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي ستعقد دورتها الثانية في 13 أكتوبر الجاري، حسب ما هو مقرر في حال لم تلغ نتائج القروي للاعتبارات التي سنسوقها تباعاً.
علاقة صهيونية
كانت الشكوى التي تقدمت بها منظمة “أنا يقظ” لمراقبة الانتخابات والشفافية ضد نبيل القروي تتعلق بالتهرب الضريبي، وغسيل الأموال، لكن المعلومات التي حصلت عليها المنظمة لم تكن كما يبدو سوى الظاهر من جبل الجليد، كما يقولون، فقد تواترت المعطيات تباعاً عن علاقات أخطر وأكبر للقروي، ولم يستطع الأخير الإجابة عن أسئلة دائرة الاتهام بخصوص وجود شركتين باسمه في كل من لكسمبورج وتونس، تبيع إحداهما للأخرى، بمعنى أن القروي يشتري من القروي ويبيع لنفسه ويرسل الأموال بتلك الطريقة، وهي حيلة لتبييض الأموال ونقلها بطريقة تبدو قانونية ولكنها ليست كذلك.
في الإبان، نشرت وزارة العدل الأمريكية على موقعها وثائق تفيد بأن رئيس حزب قلب تونس والمترشح للدور الثاني في الرئاسية نبيل القروي قد أمضى عقداً بمليون دولار مع شركة علاقات عامة وتعبئة رأي (لوبيينج) كندية تحت اسم “ديكينز ومادسون” ومقرها مونريال التي يديرها ضابط استخبارات سابق في الجيش الصهيوني وتاجر سلاح دولي ومستشار رئيس حكومة الكيان الصهيوني السابق لشؤون المخابرات آري بن ميناشي.
سعي للقاء ترمب وبوتين
الوثائق تبين بأن القروي دفع 3 ملايين دينار للتأثير على الحكومات الأمريكية والروسية والأوروبية؛ بهدف دعمه في الانتخابات، وتنظيم لقاء له مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والرئيس الروسي بوتين قبل الانتخابات، وتجميع موارد مادّية من أجل دعم حملته الانتخابية.
قبل أيام من الانتخابات البرلمانية التونسية في 6 أكتوبر والدور الثاني من الرئاسية السابقة لأوانها المزمع إنجازها يوم 13 أكتوبر، يدور جدل كبير حول القروي ومنظمة أخرى (عيش تونسي) تحوم حولها أيضاً شبهات العلاقة مع الصهاينة والاستخبارات الفرنسية تزعمها ألفة تراس، المرشحة للتشريعية عن دائرة بنزرت، ضمن قائمات عيش تونسي (متزوجة من مليونير فرنسي).
غليان في مواقع التواصل
على إثر ذلك، انطلقت موجة من التعليقات والأسئلة والمواقف المتضاربة مساء يوم 3 أكتوبر 2019 م بعد انتشار ما سمي بوثائق مسربة تثبت تعامل كل من تراس، والقروي مع دوائر ضغط ولوبيات أجنبية تعمل على تعزيز صورهم في الخارج على مستوى أوروبي ودولي وتدعمهم داخل تونس.
وهذه الوثائق التي تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي في عقود بين المترشحين ووكالات أجنبية تنتمي لدوائر ضغط، وتوقيع نبيل القروي عقداً منع شركة “Dickens and Madson” التي تعمل لدى دوائر ضغط أمريكية وروسية من أجل أن يلتقي القروي برئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، ورئيس روسيا فلاديمير بوتين.
الوثائق تؤكد أن القروي بحث عن دعم خارجي وتلميع صورته لدى القادة الدوليين، كما تؤكد الوثيقة أن الشركة كانت ستقدم دعماً مادياً لنبيل القروي.
كما وقعت ألفة تراس مؤسسة “عيش تونسي” عقداً مع ” America to Africa Consulting” لتعزيز وتبييض صورتها في الخارج وتسهيل لقاءات مع قادة وكبار المسؤولين الدوليين في المجالين السياسي والاقتصادي، خاصة في الولايات المتحدة ومع أطراف لها مصالح في تونس.
دقائق فقط بعد نشر هذه الوثائق انفجرت موجات التعليقات التي تذهب من نقيض وصف القروي، وتراس بالخونة والمتعاملين مع اللوبيات الفاسدة ودوائر الضغط الخارجية.
شهادات أخرى
وكان الباحث في العلوم السياسية في معهد “بروكينجز” شاران غريوال قد أكد بدوره في تغريدة له على موقع التدوين المصغر “تويتر” بأن المترشح للدور الثاني في الرئاسية نبيل القروي قد أمضى عقداً بمليون دولار مع شركة علاقات عامة وتعبئة رأي كندية تحت اسم “Dickens & Madson” ومقرها مونريال وDickens & Madson ملك ضابط سابق في “الموساد” الإسرائيلي وهو آري بن ميناشي، وذلك لملاقاة كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك طلباً للدعم في علاقة بالانتخابات الرئاسية التونسية، ويوصف بن ميناشي بأنه المفضل لدى أمراء الحرب في العالم لتلميع صوره.
آري بن ميناشي؟
يقول موقع “ناشيونال بوست” الإخباري الكندي: إن بن ميناشي يهودي عراقي، ولد في طهران عام 1951م، وكان والده شيوعياً تحول إلى رجل أعمال، وعمل بن ميناشي ضابطاً في “الموساد: الإسرائيلي، ولفت انتباه وسائل الإعلام لأول مرة عام 1989م لدى اعتقاله في الولايات المتحدة واتهامه بمحاولة بيع ثلاث طائرات عسكرية لإيران، وقضى نحو عام في السجن بنيويورك، حتى تمت تبرئته لدى محاكمته، وبعد ذلك تحول إلى لغز، إذ أصدر كتاباً عنوانه “أرباح الحرب: من داخل شبكات السلاح السرية الإسرائيلية الأمريكية”، وفي هذا الكتاب، زعم أنه شهد عام 1980 اجتماعاً سرياً في العاصمة الفرنسية باريس بين قادة في الحزب الجمهوري الأمريكي، من بينهم جورج بوش، ومسؤولين في الحرس الثوري الإيراني، تم خلاله الاتفاق على ألا تطلق طهران سراح 52 رهينة أمريكية إلا بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 1980م، والسبب كان أن إطلاق سراح الرهائن قبل ذلك سيصب في صالح الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، الذي كان الإيرانيون والإسرائيليون يزدرونه.
إسقاط ترشح القروي
وعلق أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك على عقد نبيل القروي مع الشركة الكندية في تدوينة على موقعه على “فيسبوك” قائلاً: ملاحظاتي العاجلة بخصوص نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس، وتعاقده مع شركة كندية تشتغل في الولايات المتحدة في مجال “اللوبيينج” التي يديرها ضابط استخبارات سابق في الجيش الإسرائيلي تاجر السلاح الدولي ومستشار رئيس حكومة الكيان الصهيوني السابق لشؤون المخابرات، ودفعه 3 مليارات للتأثير على الحكومات الأمريكية والروسية والأوروبية بهدف دعمه في الانتخابات، وتنظيم لقاء له مع ترمب والرئيس الروسي قبل الانتخابات، وتجميع موارد مادّية من أجل دعم حملته الانتخابية، هذا يعدّ من قبيل الدعم والتمويل الأجنبي للحملات الانتخابية الذي يعتبره القانون الانتخابي جريمة موجبة لسقوط ترشّحه وترشّح قوائم حزبه.
استطلاعات رأي مضلّلة
بدوره، نشر موقع “موند أفريك” الفرنسي المهتم بالشأن الأفريقي ودول الساحل والمغرب العربي، مقالاً تحت عنوان “Présidentielles Tunis, le sondage des Américains qui donna 24,1% à Karoui”، تحدث فيه عن استطلاع رأي خاص أجراه المعهد الجمهوري الدولي والمعروف بجديته حيث أعطى بتاريخ 10 سبتمبر (قبل أيام من الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التونسية) نسبة 25% من نوايا التصويت للمترشح نبيل القروي.
وأردف المقال بأن الاستطلاع الخاص الموجه لجهات تونسية هو من إنجاز المعهد الجمهوري الدولي القريب من الحزب الجمهوري، ويقوم بدراسات ميدانية دقيقة تكون في العادة متطابقة مع نتائج الانتخابات بهامش خطأ ضعيف جداً.
واستدرك المقال معتبراً أن نتائج المعهد الدولي كانت على غير عادتها غير دقيقة، حيث نزلت نسبة نبيل القروي من 25% من الأصوات إلى 15%، وهو أمر غير معتاد ومريب، حيث لم تشهد تونس أي حدث فارق يمكن أن يؤثر بهذه الطريقة، حيث تراجع القروي بـ10 نقاط كاملة، في حين ارتفعت نسبة المترشح قيس سعيد من 11% حسب الاستطلاع إلى 19% حسب النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التي أعلنت عنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
وختم موقع “موند أفريك” بالخلوص إلى أن هذا التباين الحاد بين استطلاع المعهد الدولي ونتائج الدور الأول من الرئاسية التونسية يشي بتدخل من الإدارة الأمريكية للتأثير على المزاج الانتخابي التونسي، خاصة أن توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تتماهى مع توجهات المترشح نبيل القروي الشعبوية.
موقف هيئة الانتخابات
في اتصال “المجتمع” برئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون، أكد الأخير باقتضاب أنه لم يطلع على كل الوثائق ومصادرها، وأن الهيئة ستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة عندما تتأكد من صحتها.